مواطنون ليبيون يهجرون جنوب البلاد بحثاً عن الأمن والخدمات

29 يونيو 2015
مليشيات مسلحة في ليبيا (Getty)
+ الخط -
تفاقمت الأزمات المعيشية لليبيين خلال الشهور الأخيرة بسبب انقطاع خطوط إمدادات السلع وانعدام الخدمات والأمن خاصة في مدن الجنوب. وتشير أرقام جمعية الهلال الأحمر الليبي إلى أن أكثر من نصف مليون شخص نزحوا من مناطقهم في ليبيا خلال العام الماضي بسبب أعمال العنف في البلاد الغارقة في الفوضى على خلفية الحروب والنزاعات السياسية. 
وأكدت الجمعية في تقرير لها أن "تصاعد العنف المسلح في ليبيا أدى إلى نزوح متواصل وسط انعدام خدمات الاتصالات في مناطق عديدة من بينها جبل نفوسة والزنتان ومزدة وبالإضافة إلي مناطق في الجنوب الليبي المتاخمة مع حدود تشاد. كما قال الهلال الأحمر إن هذه المناطق تعاني من نقص السلع الأساسية والوقود مند ما يقرب من تسعة أشهر.
وفيما تنشغل الحكومتان المتنافستان في ليبيا في الحروب وحصد المزيد من الأرواح من المدن والقرى النائية في ليبيا، يهاجر المواطنون تحت ضغوط الأوضاع المعيشية الصعبة إلى مناطق أخرى يتوفر فيها الأمن ومصادر الرزق. فالصراع يزداد شراسة سواء في شمال البلاد أو في مناطق الجنوب، ويجد المواطنون صعوبة بالغة في ممارسة حياتهم وسط غياب الخدمات والأسواق وإغلاق المتاجر.
ولم يقتصر الصراع المسلح في ليبيا بين حكومتين إحداهما حكومة الإنقاذ الوطني التي تدعم عمليات فجر ليبيا في غرب البلاد والحكومة المؤقتة بشرق البلاد والتي تؤيد عملية الكرامة، بل انتشرت النزاعات المسلحة التي تقودها مليشيات متعددة في جل مناطق ليبيا.
وتحولت تلك الصراعات في الجنوب الليبي الي صراع قبلي بين سكانه القدامى "التبو" و"الطوارق" منذ عشرة أشهر. وتسبب هذا الصراع في نزوح سكان مدينة اوباري بسبب مشاجرة على تعبئة سيارة من محطة وقود.

وتقع مدن الجنوب الليبي على مساحة تتجاوز خمسمائة ألف كيلومتر وتعتبر سلة الغذاء في ليبيا ومن أهم مصادر النفط والغاز والحديد ورمال السيلكا. ويوجد بالمنطقة ثلاثة مطارات محلية ودولية ولكنها معطلة حالياً.
وتضم منطقة فزان في الجنوب عدة بلديات: وهي وادي الشاطئ، ووادي الحياة، الجفرة، مرزق، غات، وسبها التي كانت العاصمة السابقة وأكبر المدن في الجنوب.
وفزان منطقة تاريخية في الجنوب الغربي من ليبيا ويزيد عدد سكانها عن نصف مليون مواطن، ويعاني سكانها أوضاعاً معيشية صعبة ولا يكاد المواطنون في بعض مناطق الأرياف يتحصلون على أدنى متطلبات الحياة من كهرباء واتصالات وخدمات طبية وبعضهم لا يزالون يسكنون أكواخاً وبيوتاً غير صحية، بالإضافة إلى انقطاع المياه عن معظم أحياء عاصمة الجنوب "سبها" تزامناً مع ارتفاع درجة الحرارة التي تصل إلى 45 درجة مئوية في فصل الصيف.
وتعتمد منطقة الجنوب الغربي في ليبيا، على إنتاج الزراعة، لتلبية 80% من احتياجات السوق المحلي، بالإضافة إلى أنها غنية بالمياه التي تشكل المورد الأساسي للمناطق في الغرب والجنوب الليبي.
ويقول علي تكام من منطقة اوباري الجنوبية النازحة، بأن السكان هاجروا منذ قرابة العام، وباتت المصارف مغلقة والأسواق والمتاجر معطلة ولا توجد مهن للمواطنين.
ويشير إلى أن المواطنين يقطعون رحلة مائتي كيلو متر للحصول على خدمات مصرفية في مدينة سبها التجارية التي تشهد صفوفاً طويلة تمتد منذ الصباح الباكر ولا تنتهي إلا في آخر الدوام.

اقرأ أيضا: ليبيا تغرق في ظلام غير مسبوق

وبينما رأى بشير محمد من مدينة الرقيبة بأن مناطق الجنوب تعاني من نقص في الوقود مند أشهر وأن هناك تجار سوق السوداء يبيعون الـ 20 لتر من الوقود بحوالى 20 دينار، فيما لا يتراوح سعره عن 4 دينارات في محطات الوقود في الظروف العادية. يشير علي السنوسي، صاحب محل مواد غدائية، بوسط مدينة سبها إلى أن الاوضاع المعيشية في مدن الجنوب سيئة ولا توجد حركة تجارية في معظمها، سوى في مدينة سبها.
وقال إن الحركة التجارية ومعظم سكان المنطقة باتوا يتسوقون فقط من مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي.
وأشار السنوسي إلى أن الأسعار باتت مرتفعة وهنالك ندرة في السلع وسط الطلب المرتفع.
وأوضح بأن أسعار معظم السلع تواصل الارتفاع باستثناء الخضروات والفواكه فإن سعرها منخفض بسبب وفرتها في المناطق الزراعية.
من جانبه قال رئيس لجنة الأعيان والشورى بمنطقة أواري أحمد ماتكو، لـ " العربي الجديد" إن مدينة اوباري عاصمة بلدية وادي الحياة يوجد بها ما يقرب من 30 ألف عائلة نزحت من المدينة. كما أن هنالك 10 آلاف أسرة نزحت من مدينتي تاورغاء وسرت.
وأشار إلى أن عدداً من المناطق مثل غات وأدري وأوباري تحتاج إلى مساعدات إنسانية عاجلة. ونفى وصول أية مساعدات للجنوب الليبي منذ عشرة أشهر.
وفي السياق نفسه، قال عضو المؤتمر الوطني من مدينة سبها عبد القادر احويلي لـ" العربي الجديد " إن هناك ثمة مشكلة في الجنوب الليبي في نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.
وحول ما تعانيه مدينة اوباري من نزوح سكانها، أوضح أحويلي بأن الصراعات الموجودة هناك، تحدث بسبب وجود حكومتين وبرلمانين في البلاد ، كما أن كل قوة عسكرية تقول إنها مع الشرعية.
ويعتمد المواطنون في حل خلافاتهم على الأعيان وبعض الشخصيات ورؤساء القبائل.
وقالت مصادر لـ "العربي الجديد" إن مدينة غات عاصمة بلدية غات في الجنوب الغربي لليبيا البالغ عدد سكانها 27 ألف نسمة والمتاخمة للحدود الجزائرية تعاني من نقص شديد في المواد الأساسية، ولا توجد سيولة مالية بالمصارف، ولا وقود.
كما أن أغلب البضائع التي تحتاجها المدينة مثل الدقيق والزيت والبنزين تأتي عن طريق التهريب من الجزائر. ويعتبر المواطنون هنالك أن البضائع المهربة من الجزائر رخيصة الثمن مقارنة بالبضائع الليبية، فمثلاً سعر الحليب المجفف الجزائري 4 دينار ( حوالى 3 دولارات)، أما سعر الحليب الليبي 6 دينارات (حوالى 4.6 دولارات).
وفيما يواصل الليبيون نزوحهم من الجنوب والجنوب الغربي تزداد الهجرة الأفريقية، حيث لدى ليبيا حدوداً مترامية في الجنوب جعلت من الهجرة غير الشرعية تتزايد خاصة من تشاد والنيجر. وهذه الظروف تفتح الباب مستقبلاً لحدوث تغيير ديمغرافي كامل في ليبيا وربما خلال السنوات العشر المقبلة.

اقرأ أيضا: ليبيا: انفلات في توريد الأدوية المغشوشة
المساهمون