تداعيات كارثة تخفيض مساحة الأرز المصري

04 مارس 2018
تخفيض مساحة الأرز إلى 724 ألف فدان (فرانس برس)
+ الخط -


أصدر وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، قرارًا بتخفيض مساحة محصول الأرز إلى 724 ألف فدان، مقارنة بمساحة 1.076 مليون فدان تم السماح بزراعتها العام الماضي. وترى الوزارة أن المساحة الجديدة تكفي وتغطي احتياجات السوق المحلية، وقال المتحدث باسمها إن القرار دخل حيز التنفيذ، وجرى توزيعه على كل الجهات.

ومع ما في قرار الوزارة من تعنت وتسلط يتوافق مع أداء النظام العسكري الحاكم، وقد أكد رأسه أنه "مش سياسي" فإنه تسبب فى ارتفاع أسعاره بنسبة 12% بمجرد صدور القرار، وقبل تطبيقه في الحقل، ما يؤكد خطأ القرار وخطورته.

مغالطات

ينطوي القرار على مغالطة كبيرة، وهي أن المساحة الجديدة تكفي وتغطي احتياجات السوق المحلية، سيما أن الاحتياجات المحلية من الأرز الأبيض زادت إلى 3.8 مليون طن في 2017، بعد أن وصل تعداد السكان في الداخل إلى 96 مليون مواطن، ويستهلك الفرد 40 كيلو جرام من الأرز الأبيض في السنة، وهذه الكمية من الأرز الأبيض تحتاج إلى زراعة 1.3 مليون فدان، لتنتج 4.94 مليون طن من الأرز الشعير.

مع الأخذ في الاعتبار أن معدل انتاجية الأرز في مصر هي 3.8 طن للفدان، وأن نسبة تصافي ضرب الأرز هي 70%، أي أن كل 100 كيلو غرام من الأرز الشعير تعطي 70 كيلو غرام من الأرز الأبيض.

والاكتفاء بزراعة 724 ألف فدان لا تغطي احتياجات السوق من الأرز، بل وتحول مصر من بلد مصدر للأرز إلى مستورد له. ومن المتوقع أن تنتج المساحة المقترحة 2.8 مليون طن فقط من الأرز الشعير، لتعطي بدورها 2 مليون طن من الأرز الأبيض، ما يحقق عجز قدره مليون طن من الأرز الأبيض، على أفضل تقدير، يتم تعويضها بالاستيراد من الخارج، ما يكلف خزانة الدولة مبلغ 460 مليون دولار.

وتدّعي وزارة الموارد المائية والرى أن محصول الأرز يستهلك ما يقرب من 9 آلاف متر مكعب من المياه للفدان الواحد، وأن هذه الكمية تكفى لزراعة 3 أفدنة من المحاصيل الأخرى، وأن مساحة الأرز المخالفة تحتاج إلى 7.6 مليار متر مكعب من المياه، وأن إجمالى كميات المياه التى تستهلكها زراعة الأرز المقنن والمخالف تقترب من 15 مليار متر مكعب من المياه، وهي تعادل 27% من حصة مصر من مياه النيل، وهو ما يزيد من الضغوط الواقعة على الوزارة من أجل تدبير هذه الاحتياجات، بحسب ما ورد في البيان الرسمي الذي أصدرته الوزارة.


لكن ادعاء الوزارة يستند في مقننات الأرز المائية إلى بيانات السبعينيات من القرن الماضي، أي قبل 40 عامًا. هذه المقننات انخفضت بفضل جهود علماء مركز البحوث الزراعية الذين نجحوا في إستنباط أصناف أرز مصرية موفرة لمياة الري، ومبكرة النضج، تمكث في الحقل مدة 130 يوم، في مقابل 165 يوم للاصناف القديمة، ما خفض معدل إستهلاك المحصول من المياه إلى 4 إلى 6 آلاف متر مكعب للفدان، مقابل 9 آلاف متر مكعب للفدان في الأصناف القديمة، وهي معدلات تقترب من معدلات إستهلاك الذرة والقطن والقمح للمياة بدرجة كبيرة.

فاتورة الاستيراد

تطبيق القرار الوزاري بتخفيض المساحة المزروعة بالأرز سوف تدفع مصر إلى استيراد الأرز من الأسواق الدولية. وأسعار الأرز في اهذه الأسواق في ارتفاع شهري مستمر منذ العام 2016، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، فاو، فقد سجل مؤشر أسعار الأرز الدولية زيادة في الشهرين الأولين من العام الجاري 2018 أعلى بنسبة 18% عن مستويات نظيرتها قبل عام. 

وقد سجلت أسعار الأرز الهندية، التي تُفضل الحكومة المصرية شرائها، ارتفاعًا خلال شهر ديسمبر 2017 وصل إلى 400 دولار للطن، ثم قفز السعر خلال شهر يناير 2018، بسبب زيادة الطلب المحلي والإفريقي، إلى 442 دولارا للطن، ما يعكس حجم فاتورة الإستيراد بالدولار في حال طبقت الحكومة قرار تخفيض المساحة.

يدعي الجنرال السيسي أنه يشجع المنتج الوطني ويحارب المستورد، ولكن الحقيقة أنه يحارب زراعة الأرز المصري ويخفض مساحته، ويصر على إستيراد الأرز الهندي طوال العامين الماضيين، بالرغم من عدم تفضيل المستهلك المصري الأرز الهندي طويل الحبة، ووجود فائض في الإنتاج المحلي.

وبمجرد وصول الجنرال السيسي إلى الحكم في منتصف العام 2014، وضعت وزارة الزراعة خطة طويلة الأجل لتخفيض المساحة المنزرعة من هذا المحصول الإستراتيجي من 1.7 مليون فدان في عام 2013، إلي 1.25 مليون فدان في عام 2017، ثم خفضها إلى 1.3 مليون فدان بحلول عام 2030، كما تنص استراتيجية وزارة الزراعة المعروفة بإستراتيجية 2030.

ورغم أن مساحة 1.3 مليون فدان المقترحة في استراتيجية 2030 لا تكفي سوى 100 مليون مواطن، ومن المتوقع أن يصل تعداد مصر في هذا التاريخ إلى 121 مليون مواطن، فقد انقلب الجنرال السيسي على الاستراتيجية التي أشرف على وضعها، أول وزير للزراعة في عهده ومسؤول الملف الزراعي في حملته الانتاخابية، الدكتور عادل البلتاجي، وقرر تخفيض المساحة إلى 724 ألف فدان فقط.

وفي عهد السيسي استوردت مصر الأرز الهندي، لأول مرة بعد 20 عام من الاكتفاء الذاتي، وكشف تقرير أصدرته الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، في 3 فبراير الماضي، ونشرته صحيفة المصري اليوم، عن أن فاتورة واردات مصر من الأرز في 2016 بلغت 45.92 مليون دولار، وزادت إلى 50.48 مليون دولار في 2017، بنسبة بلغت 9%.

واشترت الحكومة المصرية الأرز الهندي وطرحته في البقالات التموينية بسعر 750 قرشًا، وهو أعلى من السعر الذي فرضته الحكومة لشراء الأرز المحلي من المزارعين المصريين، وهو 6300 جنيه للطن، في الوقت الذي وصل سعره إلى 10 جنيهات في السوق المحلية، وهي فضيحة بكل معاني الكلمة.

وأحجم المستهلك المصري عن شراء الأرز الهندي، بسبب تدني جودته، وعدم تفضيله، ما دفع الحكومة إلى تخفيض سعره مرتين، الأولى فى بداية شهر مارس الماضي ليكون سعر الكيلو 650 قرشًا بدلاً من 750 قرشاً، والثانية بسعر 550 قرشًا للكيلو.

وبالرغم من تخفيض السعر فقد أحجم المستهلك عن الشراء حتى تلفت الكمية المستورده، ما يُعد اهدارًا للمال العام، واضرارًا بالمنتج الوطني، ويُذكر بصفقة الدواجن المجمدة التي تورط فيها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية قبل أسابيع وباعها بنصف سعرها الحقيقي.