السعودية تخفض نفقات بترليون ريال... وقلق في القطاع الخاص

29 نوفمبر 2016
القطاع الخاص الأكثر تضرراً من تقليص الإنفاق (فرانس برس)
+ الخط -
اتخذت المملكة العربية السعودية خطوات نحو إلغاء مشروعات بقيمة تصل إلى تريليون ريال (267 مليون دولار) تمتد على مدار خمس سنوات، في خطوة بررتها الحكومة بترشيد الإنفاق على المشروعات غير الضرورية، فيما تباينت ردود فعل خبراء الاقتصاد حول تأثيرات هذه الخطوة ليعتبرها البعض إيجابية في ظل تراجع موارد الدولة من الإيرادات النفطية، بينما يرى آخرون أنها ستزيد من الضغوط على الاقتصاد الذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي.

وتسعى الحكومة السعودية إلى إعادة هيكلة بعض المشروعات، وإيقاف التعاقد على تنفيذ عدد كبير آخر، لا سيما التي لا يتناسب حجم الإنفاق عليها مع العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها، وفق ما قاله مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن ذلك يأتي في إطار إعادة ترتيب أولويات المشاريع، بما يتناسب مع تراجع أسعار النفط، وضبط قيمة المشاريع التي تضخمت بشكل كبير في السنوات الماضية بما لا يتناسب مع حجمها.

وكشف المصدر عن أن "مشاريع مثل بناء ملاعب جديدة، ومترو الدمام، سيتم تأجيلها، فيما سيتم وقف اعتماد أية مشاريع جديدة لبناء مدارس ومستشفيات حتى الانتهاء من الجاري تنفيذها".

وقال :"هناك تركيز كبير على عدم التشعب في إقامة المشاريع لحين الانتهاء من مشاريع تم إقرارها في السابق ولم تنته بعد"، مضيفا أن "المبلغ المحدد لن يتم توفيره في عام واحد، بل سيكون نتاج الخطة الخمسية المقبلة".

وكانت السعودية قد أعلنت في مايو/ أيار الماضي عن عدة ضوابط لإجازة عقود المشروعات، منها ضرورة إرسال جميع العقود المراد إبرامها، بغض النظر عن قيمتها ومددها، إلى وزارة المالية لإجازتها أولا قبل التوقيع عليها، فيما يستثنى من ذلك المشتريات والأعمال التي تبلغ قيمتها 300 ألف ريال فأقل.

ورأى محللون ماليون اقتصاديون أن إلغاء المملكة مشروعات تصل قيمتها إلى 267 مليار دولار، يأتي في إطار ترشيد الإنفاق والتخلص من سياسة وزارة المالية السابقة التي كانت تتسبب في إطالة أمد تنفيذ المشروع لعدة سنوات.

وقال ماجد الحقيل، المحلل المالي، لـ"العربي الجديد" :" في السابق كان من الطبيعي أن تجد مشروع تجديد شارع يستغرق خمس سنوات، لأن وزارة المالية تريد ذلك لكي تدفع على مدى خمس سنوات، مع أنه كان من الممكن الانتهاء منه في أقل من عام، ولكنها كانت تعتقد أنه بدلا من دفع 500 مليون ريال مثلا في عام، من الأفضل دفع 800 مليون على خمس سنوات".

ويضيف :" كان من الممكن القبول بهذه النظرية المكلفة مادياً في زمن كان سعر برميل النفط فيه أكثر من 115 دولاراً، ولكن لا يمكن ذلك الآن وهو دون الخمسين دولارا".

وتعاني السعودية، أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة "أوبك" من عجز مالي يقدر بنحو 69 مليار دولار، وفق توقعات شركات أبحاث وبنوك سعودية وإقليمية، بينما كانت الحكومة تتوقع تجاوز العجز هذا الرقم لدى وضع موازنة العام الجاري نهاية 2015.

ومن المتوقع أن تعلن السعودية أوائل ديسمبر/كانون الأول المقبل عن أبرز أرقام ميزانية 2016، وموازنة 2017، وإجمالي العجز المتوقع فيهما، والإيرادات والنفقات التي قدرتها الدولة.

وقال خالد الجوهر، المحلل الاقتصادي، إن المبلغ الذي تعتزم المملكة توفيره من إلغاء العديد من المشروعات لا يتعلق بما تم البدء في تنفيذه وإنما بمشروعات جديدة مؤجلة لسنوات قادمة، مشيرا إلى أن ذلك يعد طبيعياً ويأتي في إطار التحوط المالي في ظل تراجع دخل الدولة، لتكون الأولوية للمشاريع الضرورية، والمشاريع التي تحقق عائداً اقتصادياً.

وكانت المملكة قد توقعت إجمالي إيرادات في موازنة العام الجاري بنحو 137 مليار دولار، مقابل نفقات تبلغ 224 مليار دولار، وعجز بـ 87 مليار دولار.

وقال فيصل الشماس، مدير الاستثمار في شركة دار الإدارة للتطوير والاستثمار، إن إعادة هيكلة المشروعات الحكومية تتطلب تصنيف المشاريع بحسب الربحية المباشرة وغير المباشرة.

واعتبر الشماس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك قطاعات أساسية مثل الصحة والتعليم لن يتم المساس بها، ولو حدث ذلك فسيكون في إطار الخصخصة، أما المشاريع التي ستمس فهي قطاعات غير أساسية مثل الرياضة والنقل العام واستكمال مشروع المترو خارج الرياض".

وأضاف " في تصوري كان يمكن أن يكون التفاوض على المشاريع الكبرى بشكل أفضل خلال الفترة الماضية، فهي كانت تقدم دعماً كبيراً للمقاولين الكبار، ولم يكن هناك داع لأن تضخم العقود، فليس من مشاكل الحكومة أن المقاولين الكبار يعتمدون عليها، كان عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم، لهذا عندما حصلت أول أزمة انكشفوا جميعا واقتربوا من الإفلاس لأنه لم تكن هناك جودة في الأداء".

وتابع :" سياسة الحكومة الجديدة ستحمي ماليتها من الهدر، وتضبط الإنفاق أكثر، وهو ما سيجبر الشركات على إعادة سياستها هي الأخرى، وتكون أكثر دعما للاقتصاد المحلي، بدلا من الاستمرار في كونها كائناً طفيلياً فقط .. في حال تمت الأمور بشكل جيد، فالوفر سيكون أكثر من المبلغ المستهدف البالغ 267 مليار دولار".

في المقابل، يرى خبراء اقتصاد أن التراجع الحاد في الإنفاق الحكومي من خلال إلغاء مشروعات كثيرة، سيزيد من الضغوط الاقتصادية خاصة أن الاقتصاد لا يزال يعتمد بنحو كبير على الإنفاق الحكومي، وأنه غير مؤهل بعد للاعتماد على القطاع الخاص في الدولة التي تعتمد بنحو 90% على إيرادات النفط.

وقال مجدي العميري، المحلل المالي ورجل الأعمال: "توفير 267 مليار دولار لخزينة الدولة قد يكون أمرا جيداً، ولكن هذا المبلغ سيتم اقتطاعه من حصة القطاع الخاص، الذي كان سيحصل على هذا المبلغ في نهاية المطاف".

وأضاف العميري": "من زاوية مختلفة، ستتأثر الشركات الخاصة من هذا التوفير، لأنه سيتم تخفيض قيمة المشاريع، وتقليصها، وهو ما سيؤثر في النهاية على ربحيتها، وقد ينعكس هذا على قطاع التوظيف، فتبدأ في تسريح موظفيها، وهذا يزيد من الضغط على ملف البطالة الذي وصل إلى مستوى 12.1% خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي".

وأشار إلى أن القطاع الخاص في السعودية ما زال مشوها وغير قادر على أن يكون له دور حقيقي في التنمية، لأنه يعتمد بالدرجة الأساسية على الإنفاق الحكومي، مضيفا :" لا بد أن تتغير هذه المعادلة، ويكون القطاع الخاص هو المحرك الحقيقي للاقتصاد، لا أن يظل اعتماده على الإنفاق الحكومي فقط".

وتسعى السعودية إلى تحفيز اقتصادها بعد أن تراجع النمو الاقتصادي إلى نحو 1.5%، في أقل نسبة نمو منذ عشر سنوات. واتخذت الحكومة خلال الأيام الماضية خطوات لصرف نحو 40 مليار ريال (10.6 مليارات دولار) من مستحقات المقاولين التي مضى عليها أكثر من تسعة أشهر.

المساهمون