بينما ينظر البعض لـ"بريكست" على أنه لا يعدو كونه ملفا يتعلق بخروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي لتصبح دولة مستقلة عن قوانين الاتحاد الأوروبي.
إلا أن الأمر في الواقع أعقد بكثير من هذا التبسيط حسب مراقبين، لأن ما يحدث في الواقع، أن بريطانيا ربما تغادر بعض المؤسسات الأوروبية وتدخل في "منطقة رمادية".
وهذه المنطقة هي الفترة الانتقالية التي ستتم فيها محادثات معقدة تتناول الترتيبات لآلاف الاتفاقيات التي وقعت خلال عقود بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، بشأن التجارة والمقاييس والجمارك والعديد من الاتفاقات الأخرى، ثم بعد الفترة الانتقالية ستضطر بريطانيا لبناء فضاء تجاري جديد مع دول العالم، ويتضمن بناء هذا الفضاء محادثات معقدة.
وحتى الآن، يعول رئيس الوزراء بوريس جونسون على الشراكة التجارية مع أميركا التي عرضها عليه الرئيس دونالد ترامب في أكثر من مرة.
وهذه الشراكة، كما يرى محللون، ستساعد بريطانيا في الضغط على دول الاتحاد الأوروبي، لكنها في الوقت ذاته ربما ستكون عقبة في التفاوض مع بعض الدول التي لديها خلافات جوهرية مع إدارة ترامب.
وفي شأن الترتيبات التجارية لما بعد "بريكست"، يرى بحث صدر عن جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، أن بريطانيا ستكون مضطرة للتعامل مع الكتلة الأوروبية بالتعرفة الجمركية الجاري العمل بها في منظمة التجارة العالمية في حال حدوث خروج غير منظم. وهي تعرفة منخفضة على معظم السلع لا تتجاوز 1.5%.
أما مشروع الشراكة الثاني المهم بالنسبة لبريطانيا بعد أميركا، فهو مشروع الشراكة التجارية مع الصين والهند، وهما من أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم.
بالنسبة للصين، بالرغم من تطور العلاقات البريطانية الصينية في السنوات الأخيرة، وأن الشركات الصينية تستثمر حالياً أكثر من 30 مليار جنيه إسترليني في بريطانيا، إلا أن ترتيب هذه الشراكة لن يكون سهلاً.
على الصعيد الإيجابي بالنسبة لبريطانيا، في هذا الصدد، يشير البحث الجديد الذي أصدره كل من سواتي دنقرا والباحث نيكيل داتا بجامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، إلى أن المستهلك البريطاني سيستفيد من الشراكة مع بكين على صعيد رخص البضائع الصينية التي ستستورد إلى السوق البريطاني.
لكن، وحسب البحث، فهنالك مخاوف من أن إنشاء علاقات تجارية قوية مع الصين سيقود إلى ضرب القوى العاملة البريطانية، لأن البضائع الصينية ستغرق السوق البريطاني وتقتل العديد من الصناعات والخدمات.
وتنصح سواتي دنقرا والباحث داتا، الحكومة البريطانية بأن تأخذ في الحسبان عند المفاوضات، أن لدى بكين إجراءات إنتاجية مختلفة من حيث معايير السلامة والبيئة، كما أن لديها عمالة رخيصة، وبالتالي، فإن الوحدة السلعية المنتجة في السوق الصينية، تصعب على نظيرتها البريطانية منافستها. وينصح البحث بأن تصر بريطانيا على أن تنص أية اتفاقية شراكة مع الصين على معايير السلامة والبيئة.
لكن السؤال: هل سترضى الصين بذلك؟ وهل تملك بريطانيا الثقل الاقتصادي للضغط على الصين؟
أما على صعيد الفضاء التجاري والاقتصادي مع الدول الأخرى، لما بعد فترة "بريكست"، فإن لدى بريطانيا مفاوضات أولية مع مجموعة من الدول لترتيب هذه الشراكات التجارية التي ستصنع الفضاء الجديد. من بين هذه الشراكات التجارية مع الدول الكبرى ودول الاقتصادات الناشئة، كندا وأستراليا وتركيا والدول الأفريقية ودول الخليج.
لكن مشروع الخروج من أوروبا وفقاً لمنظور جونسون تواجهه في داخل بريطانيا التي تتشكل من اربع مقاطعات، عقبات وتعقيدات على صعيد موافقة اسكتلندا وكذلك قضية الحدود الأيرلندية.
ووفقاً للترتيبات التجارية التي عرضها جونسون على الاتحاد الأوروبي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ستظل بريطانيا عضواً في الاتحاد الجمركي الأوروبي وفي السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي خلال مرحلة انتقالية تنتهي في نهاية عام 2020، وبأقصى حد في نهاية العام 2022، بحيث تستغل هذه الفترة لوضع اتفاق للتجارة الحرة.
وقد تعهد الاتحاد الأوروبي بألا يتضمن هذا الاتفاق فرض جمارك أو تحديد نسب استيراد على البضائع البريطانية، وفي المقابل تشترط بروكسل ضمانات بريطانية في ما يتعلق بالمنافسة الحرة بأن تحترم بريطانيا قوانين الضريبة والجمارك الأوروبية.
وتتمتع مقاطعة شمال أيرلندا بصوت حاسم بشأن تطبيق القوانين الأوروبية على أراضيها على المدى البعيد، وخصوصاً ما يتعلق بالبضائع والجمارك، سوق الكهرباء الموحدة، ضريبة المبيعات ومعونات الدولة.
ويعني ذلك على أرض الواقع، أنه بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في نهاية 2020، ستتمتع أيرلندا الشمالية بمرحلة انتقالية قد تصل إلى أربع سنوات، ويمكن تمديدها لعامين إضافيين، لاتخاذ قرار بالأغلبية البسيطة، حول ما إذا كانت ستستمر في تطبيق القانون الأوروبي أو لا.
أما على صعيد اسكتلندا، فإن المقاطعة تطالب باستفتاء جديد على بقائها ضمن المملكة المتحدة.