غزو أجنبي... "صنع في تونس" تختفي من الأسواق المحلية

20 ديسمبر 2017
الصناعة التونسية ترغب في الاستفادة من السوق الاوروبي (Getty)
+ الخط -

"صنع في تونس".. لم يبق لهذه العلامة نصيب وافر في السوق التونسية، فما عدى بعض القطاعات التي تعوّل على المنتج التونسي على غرار الصناعات الغذائية، تكابد بقية الصناعات من أجل ضمان موضع قدم في ظل منافسة خارجية شرسة وحدود مفتوحة تضمن تدافع السلع من كل بلدان العالم.

وتعد صناعة النسيج المحلية من أكثر القطاعات تأثرا بتدفق السلع الخارجية، حيث تمثل منتجات النسيج والملابس الحاملة لعلامة "صنع في تونس" النسبة الأضعف من بين المنتجات التي تعرضها المحلات التجارية والأسواق الكبرى.

فصنع في الصين وتركيا باتتا أكثر حضورا في بلد كان النسيج فيه العمود الفقري للقطاع الصناعي، بعد أن خسرت تونس في السنوات السبع الأخيرة العديد من مصانعها نتيجة عدم قدرة المشاغل على تطوير نفسها وخوض غمار المنافسة.

وفي السابق، كانت الدولة توفر نوعا من الحماية للمنتج المحلي بسبب تشددها في إسناد تراخيص لفتح واستغلال علامات أجنبية في قطاع المنسوجات أو الصناعات الغذائية وغيرها.

ويتوقع رئيس جامعة النسيج، حبيب الحزامي، أن يتهاوى قطاع المنسوجات بعد فقدان قدرته على الصمود وخسارة أكثر من 300 مؤسسة في السنوات الأخيرة، ما تسبب في تسريح عدد كبير من العمال وفقدان آلاف فرص العمل.

وقال الحزامي، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن نسبة المعروضات المحلية من النسيج في السوق التونسية لا تتجاوز 20% مقابل 80% من المنتجات المستوردة بطرق شرعية وغير شرعية، وفق قوله.

وحذر الحزامي، من وقوع الصناعات التونسية، سيما منها صناعة النسيج في يد ما سماه بالحيتان التي فتحت الباب على مصراعيه لعلامات تجارية أوروبية دون مراعاة لقدرة النسيج التونسي على المنافسة ولوضع البلاد الاقتصادي في ظل شح كبير في النقد الأجنبي يهدد واردات المواد الأساسية على غرار الأدوية.

وبالرغم من التحذيرات المتكررة بضرورة حماية النسيج الصناعي المحلي وتحسين القدرات التنافسية للمؤسسات عبر برامج تأهيل مختصة تستعد السوق التونسية بداية العام الجديد لفتح سلاسل محلات لماركات ملابس أوروبية ليكتمل بذلك المشهد الذي تأسس بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 باكتساح العلامات الأوروبية للسوق التونسية.




وفي السنوات الأخيرة نشأت مناطق تجارية بأكملها على محيط العاصمة والمحافظات الكبرى مختصة في تجارة المنسوجات الأجنبية الموجهة لمختلف شرائح المجتمع.
في وقت سابق أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل عن إطلاق حملة وطنية للدفاع عن المنتوج التونسي تحت شعار "صنع في تونس".

وقال الاتحاد إن الهدف من هذه الحملة هو حث التونسيين للتوجه نحو الملابس والأحذية التونسية المصنوعة بأياد تونسية حماية للآلاف من مواقع العمل وحفاظا على مورد رزق آلاف التونسيين.

وأوضح أن إطلاق هذه الحملة يأتي في ظل تنامي عدد الشركات المستوردة للملابس الجاهزة وبيعها في تونس، ما يمثل خطرا حقيقيا على الاقتصاد المحلي وكذلك على النسيج الاجتماعي وعلى فرص العمل.

ولتوفير حماية للصناعات المحلية والحد من الواردات، تستعد حكومة تونس بموجب قانون المالية الذي أقره البرلمان مؤخرا، لرفع الرسوم الجمركية على عدد كبير من المنتجات بما في ذلك المنسوجات القادمة أساسا من الصين وتركيا ودول شمال المتوسط.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أحصى البنك المركزي التونسي 220 منتجاً تم إدراجها ضمن قائمة من المواد الممنوعة من التوريد بقروض بنكية في إطار الحد من عجز الميزان التجاري.

وكشفت بيانات معهد الإحصاء الحكومي أول من أمس، عن تفاقم عجز الميزان التجاري ليصل إلى حدود 14.362 مليار دينار (ما يعادل نحو ستة مليارات دولار) خلال الأشهر الأحد عشر الأول من العام الجاري، مقابل 11.682 مليار دينار (قرابة 4.845 مليار دولار) عن الفترة ذاتها من العام الماضي.

وأرجع معهد الإحصاء تفاقم عجز الميزان التجاري إلى التطور المسجل في الواردات بنسبة 19.2%، بينما زادت الصادرات بنسبة أقل مسجلة 17.3%. وسجلت نسبة تغطية الواردات إلى الصادرات تراجعا مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2016.

وبات قطاع النسيج في تونس أكثر القطاعات تأثراً بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بعد أن خسر في السنوات الخمس الماضية 4 مراتب في تصنيف أكثر البلدان تصديراً للمنسوجات نحو السوق الأوروبية، ليحتل بذلك المرتبة التاسعة في القائمة.

ومنذ ظهور البوادر الأولى لأزمة قطاع المنسوجات، حذر الصناعيون من أزمة وشيكة بسبب عدم قدرة المؤسسات على الصمود في وجه المنافسة الصينية الكبيرة، فضلا عن افتقاد جزء كبير من المؤسسات للإمكانيات اللازمة للتجدد ومواكبة التطورات التكنولوجية، الأمر الذي قلص من قدراتها التنافسية.

وكشفت دراسة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ونشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 أن "قطاع النسيج والملابس بات قطاعا هشا غير مواكب للتحولات العالمية، في بلد تراجع فيه عدد المؤسسات المختصة في النسيج من 2500 مؤسسة سنة 2005 إلى 1907 في 2012، وفق أحدث البيانات المتاحة.

واعتبر رئيس مجمع الخياطة والملابس بمنظمة "كوناكت" (مجمع رجال أعمال)، سمير بن عبد الله، أن المهنيين لا يملكون الآليات الضرورية لضمان ديمومة العلامة التونسية "صنع في تونس"، مشيرا إلى أن الحماية الصناعية مسؤولية حكومية بامتياز.

وقال بن عبد الله، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن قطاع النسيج من أكبر القطاعات الصناعية تضررا من الانفتاح التجاري المتفاقم، مشيرا إلى أن توقيع اتفاقيات تجارية غير محسوبة العواقب لم تترك المجال للصناعيين التونسيين لحماية مصالحهم، ما أدى إلى تقلص حظوظهم في السوق المحلية والدفع بالعديد من المصانع إلى الإغلاق.

وتوقع أن تقلص الإجراءات الحكومية برفع رسوم الجمارك على عدد من الواردات ووضع شرط تصنيع، نسبة من المنسوجات الموردة تحت علامات تجارية أجنبية في تونس، لافتاً إلى أن الارتقاء بعلامة صنع في تونس يحتاج إلى إعادة النظر في القوانين الصناعية برمتها.

دلالات
المساهمون