الذهب.. قرش اليمنيين الأبيض في اليوم الأسود

12 ابريل 2018
وصلت قيمة الريال في السوق السوداء إلى 485 ريالا(Getty)
+ الخط -

دفعت الأوضاع المتردية في اليمن، المواطنين لا سيما السيدات منهم، إلى بيع مصوغاتهم الذهبية، في محاولة لتوفير قوت يومهم وحياة كريمة لأولادهم. وكان ما ادخروه في أيامهم البيضاء، سببا لإنقاذ أسرهم من "البؤس والجوع والفقر" في أيامهم السوداء التي يعيشونها اليوم.

عبد الله زايد مواطن يمني، يعمل موظفا في قطاع التعليم، لكنه ظل على مدار 17 شهرا لا يتسلم راتبه الحكومي، ما دفعه إلى البحث عن مهنة أخرى جراء تردي الأوضاع الاقتصادية، وعجزه عن إطعام أطفاله الستة.

الأب الأربعيني الذي لم يعمل في مجال آخر غير التعليم منذ 25 عاما، فشل في كل الوظائف التي التحق بها، ليلوذ في النهاية بالعمل سائق أجرة، بيد أن فقره وعجزه لا يضمنان له توفير سيارة "تاكسي".

ولم تكن زوجة زايد تعلم أن الذهب الذي اشترته منذ أمد بعيد، قد يكون سببا في إنقاذها وأسرتها من "بؤس" في أيامهما السوداء.

وقال زايد للأناضول، إن قيمة الذهب كانت كفيلة بشراء سيارة صغيرة، يعمل بها في شوارع المدينة الخاضعة لسيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، ليعيل بها أسرته ويضمن بها توفير أساسيات الحياة.

رسوم مدرسية

أم زلفى، هي الأخرى لجأت إلى بيع ذهبها من أجل دفع الرسوم الدراسية لطفليها اللذين يدرسان في مدرسة خاصة، بعد انهيار التعليم تماما في المدارس الحكومية منذ بداية العام الدراسي.

وقالت وهي تتطلع إلى سيارتها الصغيرة، وكان الصدأ قد اعترى محيط الإطارات، إن "الأموال والذهب سيعوّض، لكن العمر يمضي، ولذلك سأبيع كل ذهبي من أجل أن يحظى طفلاي بتعليم جيد".

وعلى رغم أن الأمم المتحدة والدول المانحة تعهدت بملياري دولار لإنقاذ الوضع الإنساني الأسبوع قبل الماضي، إلا أن اليمن وهو البلد العربي الأكثر فقرا، لا يزال ينحدر إلى القاع مع استمرار الحرب بين الحوثيين والقوات الحكومية المسنودة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

وضع كارثي

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، قال في المؤتمر الذي عقد في جنيف السويسرية مؤخرا، إن "الوضع في اليمن كارثي، وأكثر من 22 مليون شخص في اليمن (75 % من السكان)، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية والحماية".

وزايد وأم زلفى هما اثنان من آلاف اليمنيين الذين باتوا لا يثقون بالجهود الإنسانية والسياسية للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، في تقديم الغذاء للمنكوبين، ووقف الحرب، ولجأوا في نهاية الأمر إلى بيع مجوهراتهم ومصوغاتهم الثمينة، لتجاوز محنتهم الإنسانية.

ودائما ما تردد أم زلفى المثل الشهير عربيا: "القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود"، مضيفة: "تخلى عنا كل العالم، وتركونا نواجه أسوأ محنة إنسانية في العصر الحديث، لكن الله ألهمنا شراء الذهب في الماضي، واليوم نحن نعيش عليه".

وتخشى أم زلفى من إطالة أمد الأزمة والحرب، وقالت: "ما يزال لدي القليل من الذهب، وأخاف أن ينتهي قبل أن تنتهي الحرب، حينها ستحل الكارثة"، وبيدين ترفعهما للسماء تناجي "نسأل فرجك يا الله".

بيع المجوهرات

الجواهرجي هشام النقيب، مالك متجر لبيع الذهب في شارع جمال عبد الناصر وسط مدينة تعز، (جنوب غرب)، يقول إن الأزمة التي يعيشها اليمنيون دفعتهم إلى بيع ذهبهم ومجوهراتهم.

وأضاف في حديث للأناضول: "بالفعل كان الذهب طوق نجاة للكثيرين، وربما هو واحد من الأسباب التي حالت دون حدوث مجاعة حقيقية، فكثير من الناس أحوالهم مستورة رغم الحرب والحصار".

وتابع: "كثيرون باعوا ذهبهم ومجوهراتهم ليفتحوا مشاريع اقتصادية جديدة، كما أن عددا من النازحين باعوا ذهبهم واشتروا أراضي وبنوا وسكنوا فيها، لكن ليس كل الناس يملكون الذهب".

عادات وتقاليد

ويرتبط اليمنيون بالذهب بشكل كبير، إذ تفرض العادات والتقاليد على الزوج أن يقدم لزوجته في ليلة زفافها كمية من الذهب، لا تقل في بعض الأحيان عن 50 غراما (عيار 21 قيراطا).

ولا توجد إحصاءات حول حجم الذهب الذي يمتلكه اليمنيون أو المتواجد في السوق، لكنه على الأرجح يبقى الشيء الوحيد الذي يتواجد في كل بيت، ولا تكاد امرأة متزوجة أو شابة لا تمتلكه، عدا أن كثيرين يفضلون شراءه لحفظ أموالهم، كملاذ آمن.

انهيار الريال

ومع انهيار سعر الريال اليمني وارتفاع الدولار الذي وصلت قيمته في السوق السوداء إلى 485 ريالا، انعكس ذلك على ارتفاع في قيمة الذهب.

ووجد بعض اليمنيين أنفسهم أمام وفرة من المال، وقال عبد الله زايد: "ذهب زوجتي اشتريته بـ 650 ألف ريال، واليوم بعته بمليون و400 ألف".

وخلال الأشهر الماضية، اتسعت رقعة الجوع ومعدلات سوء التغذية الحادة في أوساط السكان بشكل غير مسبوق، وخصوصا بعد توقف رواتب مليون ومائتي ألف موظف حكومي، وتزايد معدلات الفقر.

وتحتاج خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2018، إلى 2.96 مليار دولار، وذلك لتوفير المساعدات لنحو 18 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، بزيادة مليون شخص عن العام الماضي، بينهم 8.8 ملايين لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم الغذائية التالية.

ويشهد اليمن منذ أكثر من 3 سنوات، حربا بين القوات الموالية للحكومة، وجماعة "الحوثي" الذين يسيطرون على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 21 سبتمبر / أيلول 2014، وخلفت الحرب المتواصلة أوضاعا معيشية وصحية متردية للغاية.

 (الأناضول)

المساهمون