هل اتخذ السيسي سد النهضة شماعة لتجويع المصريين؟

23 سبتمبر 2018
إثيوبيا باشرت ببناء السد عام 2011 (Getty)
+ الخط -
في أول مؤتمر صحافي له منذ توليه السلطة في إبريل/نيسان الماضي كشف رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، عن تأخير في إنجاز مشروع سد النهضة الذي بدأت بلاده البناء فيه على النيل الأزرق في 2011، وقال أحمد خلال مؤتمر أخر في 25 أغسطس/آب الماضي: "كان من المفترض أن يكتمل المشروع في غضون 5 سنوات، لكن بعد 7 أو 8 سنوات لم يتم تشغيل أي توربين واحد".

وأضاف: "دعك من إنهاء بناء السد حسب الجدول الزمني، لم يتم تركيب التوربينين الإثنين بعد، وفقاً لتقارير صادرة عن وزارة المياه والري والطاقة، فإن أول توربينين كان يخطط لهما لبدء توليد الطاقة هذا العام، قد لا يكونان جاهزين للتشغيل قبل عام 2020"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية.

اتهام سد النهضة

لم يكن من الصعب على النظام المصري ولا على أجهزة مخابراته أن تقف على تطور العمل في بناء السد لحظة بلحظة، ومن اليسير متابعة تركيب توربينات توليد الكهرباء، لا سيما أن حجم توربينات التوليد ضخم ويتجاوز طولها 15 مترا، ويمكن رصدها أثناء شحنها البحري من بلد المنشأ، وأثناء النقل البري داخل الأراضي الإثيوبية إلى موقع السد، ومن السهل رصد تخزين المياه بدقة فائقة من خلال الأقمار الصناعية، فضلًا عن الإلمام بأي تعثر أو مشاكل فنية في سير البناء في المشروع بالوسائل الرسمية وغيرها من الطرق.

ورغم ذلك، روج النظام أن مصر تعاني من ندرة المياه، وصرح وزير الموارد المائية والري السابق، حسام مغازي، مرات عديدة بأن العجز يتجاوز 23 مليار متر مكعّب من المياه سنويا، وصرح الوزير الحالي، محمد عبد العاطي، بأن العجز المائي للبلاد وصل إلى نحو 90%، وقدره بـ20 مليار متر مكعب سنويا.

وبدأ النظام يسرب معلومات مبكرة تفيد بأن إثيوبيا سوف تبدأ باحتجاز مياه النيل وتوليد الكهرباء منتصف 2017، وتبنى وزير الري السابق، الدعاية لاحتمال أن تبدأ إثيوبيا تخزين المياه مع فيضان عام 2017، وأن التوليد المبكر للكهرباء سوف يبدأ بتوربينين، وفق حواره مع صحيفة المصري اليوم بداية 2016.

وفي يناير/كانون الثاني 2016، أعلن رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، علاء النهري، والمكلف من الحكومة المصرية بقيادة فريق بحث الهيئة القومية للاستشعار من البعد بدراسة الآثار السلبية لسد النهضة على مصر بأن سد النهضة يعمل في ذلك التوقيت بتوربينين، وأن ارتفاع المياه وصل إلى 45 متراً، وبدأت إثيوبيا تشغيل الكهرباء، وقال إن نهر النيل سوف يتحول إلى ملعب للكرة، وسوف يتم تبوير 2 مليون فدان، وفق صحيفة الوطن.

وفي أغسطس/آب 2016، أعلن موقع رئاسة الجمهورية على شبكة التواصل الاجتماعي عن تحديد مساحات زراعة الأرز وفرض الغرامات على المخالفين بعد اجتماع السيسي برئيس مجلس الوزراء ووزيري الزراعة والري. وبعد يومين من الاجتماع نشرت وسائل الإعلام خطة الحكومة لتخفيض مساحات الأرز لتصل إلى 700 ألف فدان بدلاً من 1.1 مليون فدان، وقال وزير الري إن السيسي يؤيد تغليظ العقوبات على زراعات الأرز المخالفة لأنها تهدد الأمن المائي لمصر، بحسب جريدة المصري اليوم.
التدمير عمدًا

في أكتوبر/تشرين الأول 2017، زار وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، سد النهضة بدعوة من الحكومة الإثيوبية، وأجرت وكالة الأنباء الإثيوبية مقابلة مصورة مع الوزير في موقع السد، وقال إن الهدف من الزيارة هو الاطلاع على المشروع على أرض الواقع، والوقوف على سير العمل في بناء السد، ولم يصرح الوزير برؤيته توربينات تعمل، ولم يسجل تركيب أي توربين في هيكل السد، ولا تخزينا للمياه وقطعها عن مصر، وهو ما أكده رئيس الوزراء الإثيوبي في المؤتمر الصحافي.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وبعد زيارة عبد العاطي السد، رفض الجنرال عبد الفتاح السيسي إسقاط غرامات مالية فرضتها وزارة الري ضد مزارعين قاموا بزراعة محصول الأرز، واعتبره تصرفا خطيرا وتجاوزا في حق مياه شعب مصر!

وفي يناير/كانون الثاني 2018، ورغم تأكده من عدم احتجاز إثيوبيا نقطة واحدة من مياه النيل، أصدر عبد العاطي قرارًا بتخفيض مساحة محصول الأرز بنسبة 50%، بحجة عجز الموارد المائية، وأن محصول الأرز يهدر مياه النيل.

وفي مايو/أيار 2018، وحتى لا يجرؤ المزارعون على زراعة الأرز، استحدث نظام السيسي تعديلات على قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، تقضي بعقوبة المزارعين المصريين بالحبس حتى 6 أشهر، وبغرامة مالية حتى 20 ألف جنيه، لمن يزرع الأرز في مناطق غير مصرح بها، بعد أن كانت تقتصر العقوبة على غرامة مالية لا تزيد على 50 جنيهًا، وكذلك حرق المحصول المخالف في الحقل بمبيدات الحشائش وتبوير الأرض الزراعية!
زار آبي أحمد مصر في 9 يونيو/حزيران، بعد زيارته موقع سد النهضة في الأول من مايو الماضي، وتأكد له تعثر أعمال البناء في السد الذي كشف عن تفاصيله لاحقًا، وردد القسم خلف الجنرال السيسي وهما يضحكان "بألا يقوم بأي ضرر للمياه بمصر" ومن المفترض أن يكون قد أحاط السيسي بمعلومات تعثر البناء في السد، بفرض أن الأخير يجهلها، سيما أن المبدأ السابع من مبادئ الاتفاق الموقع في مارس/آذار 2015 يقضي بتبادل المعلومات والبيانات بروح حسن النية وفي التوقيت الملائم.

لكن في يوليو/تموز الماضي، ورغم استقرار الوضع المائي المصري في ظل تعثر البناء في السد، قرر السيسي استيراد الأرز من الخارج وتحويل مصر من مُصدّر للأرز له مكانته في السوق الدولية إلى مستورد، وبررت وزارة الموارد المائية والري القرار بأن التكلفة الاقتصادية لاستيراد الأرز تقل عن تكلفة زراعته في ظل الوضع المائي الحالي.

وفي أغسطس/آب، وقعت مصر اتفاقية تعاون تجاري مع فيتنام لاستيراد مليون طن أرز أبيض منها، وقبلها استيراد 38 ألف طن من الصين.

مخاطر وتداعيات

السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يدمر الجنرال السيسي محصول الأرز، ويحرم المصريين من غذائهم رغم تعثر سد النهضة وعدم انتقاص حصة مصر المائية حتى الآن؟

قد يقول قائل أن السيسي يتخذ اجراءات لتخزين المياه في بحيرة السد العالي لمواجهة نقصها عند تشغيل سد النهضة. لا بأس، ولكن من يجزم أن بحيرة السد العالي يمكن أن تستوعب تخزين المياه الناتجة عن خفض مساحة الأرز في ظل تكتم الجنرال على منسوب المياه في بحيرة السد العالي، وهو قرار مريب، سيما أنه كان يذاع يوميًا في نشرات الأخبار.

لا شك في أن مصر تعاني من عجز مائي لا يقل عن 30 مليار متر مكعب من المياه، ولكن معالجة هذا العجز لا تكون بتدمير الأرز باعتباره أنجح محصول زراعي في مصر وتجويع المصريين وتدمير الأمن الغذائي، ولكنه يتطلب تطبيق الدورة الزراعية التي توفر 25% من مياه الري، وتطوير الري الحقلي الذي يوفر 30% أخرى.

والصواب أن تشجع الحكومة زراعة الأرز بنفس المعدلات السابقة، طالما أن إثيوبيا لم تبدأ بعد في ملء خزان السد، ثم تشتري من المزارعين الأرز الفائض عن الاستهلاك، وهو مليون طن سنويًا، وتخزنه وتعده للبيع في منظومة البطاقات التموينية، وهي المنظومة المعمول بها حتى 2013، سيما أن الأرز يتحمل التخزين لأكثر من 5 سنوات، كما أن تخزين الأرز في مخازن الدولة أفضل من الناحية الإستراتيجية من تخزين المياه.
تخفيض مساحة الأرز حرم الفلاحين المصريين من دخل نقدي لا يقل عن 1.8 مليار دولار، تمثل نصف قيمة الأرز المصري في الأسواق الدولية، وحرم المصريين من الغذاء الذي يستهلكه 80% منهم بصفة شبه يومية، واختفى من الأسواق، ووصل العجز في محافظات الصعيد إلى 100% والوجه البحري إلى 80%، وتوقفت صناعة ضرب الأرز العملاقة، والتي يعمل بها آلاف من العاملين في مضارب أرز القطاع الخاص،‏ ومضارب القطاع العام التي يعمل بها 25‏ ألف عامل.

لا يخفى على أحد أن المستفيد من تدمير الأرز المصري هو الولايات المتحدة، باعتبارها المنافس الأكبر للأرز المصري عريض الحبة، وكانت مصر تستحوذ على 20% من حجم التجارة العالمية للأرز، حتى أخرجها السيسي من السوق العالمي.

في إبريل/نيسان من العام الماضي، زارت مصر بعثة من وزارة الزراعة الأميركية، وقال عضو البعثة وممثل رابطة منتجي الأرز من القطاع الخاص الأميركي، غريغ يلدنغ، إن مزارعي الأرز الأميركيين استفادوا من غياب نظيره المصري في أسواق الشرق الأوسط، وإن الأرز الأميركي حل محله في دول الخليج، وتركيا، والأردن بسبب حظر تصديره.

تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي تؤكد عدم احتجاز أي مياه من حصة مصر المائية حتى الآن على الأقل، وتضع حدًا لاستخدام النظام المصري قضية شح المياه وأزمة سد النهضة شماعة لإعلانه الحرب على محصول الأرز الاستراتيجي، وتفضح إصرار السيسي على تدمير محصول الأرز، وبالتالي يصبح اتهام السيسي محصول الأرز بتهديد أمن مصر المائي لا أساس له في الحقيقة.
المساهمون