أساتذة الجامعات: مهاجرون وبائعو قات في دول الحروب

16 ديسمبر 2016
مظاهرة سابقة لأساتذة في جامعة صنعاء (الأناضول)
+ الخط -
بات أساتذة الجامعات في الدول التي تخوض الحروب باليمن وسورية والعراق وليبيا الأكثر تضرراً وفقراً بالمنطقة العربية، على خلفية تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي انعكست سلباً على مختلف الجوانب المعيشية.
واضطر الكثير من أساتذة الجامعات إلى الهروب للخارج بسبب تفاقم الحروب في هذه الدول، في حين لجأ آخرون إلى التجارة في القات والانضمام إلى طابور الباعة الجائلين والراغبين في الحصول على مساعدات إنسانية، في ظل تهاوي الاقتصاد وتأزم الأوضاع المالية.
وفي اليمن لم يتسلم أساتذة الجامعات رواتبهم منذ شهرين، رغم أنها الأدنى في سلم الأجور على مستوى المنطقة العربية.
وينفذ أساتذة جامعة صنعاء الحكومية، وهي أكبر جامعة يمنية، منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، احتجاجات مستمرة على تأخر صرف الرواتب ويعلقون الشارات الحمراء مع استمرارهم في التدريس .
ويعاني اليمن من أزمة سيولة نقدية منذ يونيو/حزيران الماضي، على خلفية التراجع الحاد للإيرادات العامة، أدّت إلى أزمة رواتب وإضراب شامل، شل معظم الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والعاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد)، مقر الحكومة.
ويبلغ راتب الأستاذ الجامعي في اليمن 200 ألف ريال (800 دولاراً) شهرياً يزيد بحسب سنوات الخدمة، ويعد الأدنى في سلم رواتب أعضاء هيئة التدريس على مستوى الجامعات العربية.
وتلخص صرخة استغاثة للهيئات الإنسانية أطلقها أستاذ جامعي، نهاية أكتوبر/تشرين الثاني، وضع هيئة التدريس بالجامعات اليمنية، إذ أكد أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة صنعاء عبد الله معمر الحكيمي، أن الوضع الإنساني والصحي لأساتذة جامعة صنعاء كارثي، وقد شارفت الغالبية العظمى منهم على حافة الخطر بعد انقطاع الرواتب لثلاثة أشهر متتالية، الأمر الذي جعلنا "نعيش الفترة الماضية على اقتيات الكفاف".

واضطر أساتذة إلى بيع القات (نبتة مخدّرة ضارة تعطي شعوراً بالنشاط) والانضمام إلى طابور الباعة الجائلين في محاولة لمواجهة الأوضاع المعيشية المتدهورة.
وأوضحت الأستاذة بكلية الآداب بجامعة صنعاء فاتن عبده لـ"العربي الجديد" أنه لا يوجد مبرر لمنع صرف الرواتب المتأخرة وأن الجامعة لديها مبلغ يتجاوز 100 مليون ريال (الدولار = 250 ريالاً) في حسابها بالبنك المركزي ومبلغ آخر في البريد بنحو 63 مليون ريال كإيرادات للجامعة.
وقالت عبده: "هل تذهب إيرادات الجامعة لصالح الحرب في حين لا تجد كليات الجامعة أي أموال لنفقاتها التشغيلية".
وقالت نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء، إن العملية التعليمية مهددة بالتوقف في جامعة صنعاء إذا استمرت أزمة عدم صرف الرواتب.
وأكد أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء وعضو نقابة هيئة التدريس علي سيف كليب لـ"العربي الجديد" أن الحياة المعيشية تأثرت سلباً في ظل ارتفاع الأسعار وعدم توفر بدائل للدخل.
وأوضح كليب أن "بعضهم هاجر تحت وطأة الحاجة ومن بقي يعيش في وضع معيشي صعب".
وأعلنت تسع جامعات حكومية يمنية في مناطق الحوثيين الشهر الماضي بدء احتجاجات مستمرة، للمطالبة بصرف رواتبها المتأخرة.
وأوضح رئيس قسم اللغة الإنكليزية بجامعة تعز (حكومية) عبد القوي التبعي لـ"العربي الجديد" أن مدرسي الجامعة كانوا يعملون على تحسين دخلهم من خلال أعمال إضافية، لكن الحرب عطّلت الأعمال ما اضطرهم للاقتراض والتوجه إلى مقر المنظمات التي توزّع المساعدات الغذائية للحصول على طعام لأسرته.

وهاجر عشرات من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات اليمنية، منذ اندلاع الثورة عام 2011 وتفاقمت هذه الأعداد بعد الحرب التي أشعلها الحوثيون منذ نحو عام ونصف العام.
وأكد أستاذ الإعلام السابق بجامعة صنعاء وديع العزعزي لـ"العربي الجديد" أن من أسباب هجرة الأساتذة عدم تشجيع البحث العلمي وعدم وجود ميزانية في الجامعات، ما يدفع بعض أساتذة الجامعات إلى تحمل تكاليف أبحاثهم ولو على حساب قوت أبنائهم.
من جانبه، أكد رئيس قسم اللغة الإنكليزية بجامعة تعز (جنوب) عبد القوي التبعي لـ"العربي الجديد" أنه بفعل تداعيات الحرب وارتفاع الأسعار وتهاوي قيمة الريال سيجد الأستاذ الجامعي أن راتبه لا يكفل له معيشة كريمة.
وفي سورية لا يختلف الوضع المعيشي للكادر التدريسي بالجامعات السورية، عن سواهم من العاملين بالدولة، والذين يستظلون جميعاً بقانون "العاملين الموحد بالدولة"، إذ يعانون من اشتعال الأسعار وتهاوي سعر الليرة السورية أكثر من 1000% خلال خمس سنوات في ظل تفاقم الحرب، وبالتالي انضم أساتذة الجامعات إلى طبقة الفقراء، حسب مراقبين.
ويقول الأكاديمي السوري والمدرس بإحدى الجامعات السعودية، عماد الدين المصبح، لـ "العربي الجديد" إن "الأكاديميين عانوا خلال عهد بشار الأسد من ضعف دخولهم وتآكلها في ظل زيادة التضخم وتفاقم الحرب".
وأضاف: "حصلت في السعودية على راتب يعادل ثلاثة أضعاف ما كنت أتلقاه في سورية وتدفع لي الجامعة عن كل بحث أنجزه ما يقارب 1300 دولار".
وأوضح أستاذ جامعة، تحفّظ على ذكر اسمه كاملاً، كونه يعمل داخل سورية، لـ "العربي الجديد" أن راتب الأساتذة بالجامعات الخاصة يبلغ في المتوسط نحو 150 ألف ليرة (الدولار = نحو 517 ليرة)، وعلاوات وتعويضات بنحو 50 ألف ليرة، مشيراً إلى وجود 12 جامعة خاصة بسورية.
وقال مسؤول التعليم العالي بالحكومة المعارضة، وعميد كلية العلوم السياسية بجامعة حلب الحرة، محمد رشيد، لـ"العربي الجديد": "المعيد لا يتجاوز راتبه 12ألف ليرة سورية (نحو 250 دولاراً)، والمدرس يبدأ من نحو 15 ألف ليرة (375 دولاراً) والأستاذ 75 ألف ليرة (1500 دولار).
وشهد قطاع التعليم العالي حالات انشقاق كثيرة عقب الثورة، بعد رد النظام بالنار على مطالب السوريين، وتؤكد مصادر لـ"العربي الجديد" أن نحو 500 مدرس جامعي انشقوا والتحقوا بركب الثورة، منهم نحو 75 في تركيا، والبقية توزعوا على دول الجوار وأوروبا، وهو ما اعتبرته المصادر خسائر لا تقدر بثمن.

المساهمون