في عام 2011، انطلقت فرقة "عمدان النور"، من "التحرير" في القاهرة. أوحى الميدان بالفكرة كما يخبرنا مؤسسها يحيى نديم، ليعلن وصديقاه، باسم وديع ومحمد إسماعيل، عن "عمدان النور"، بعد أشهر من تظاهرات يناير. حقق المشروع الفني الجديد وقتها نجاحاً كبيراً بفضل تميز منتجه الموسيقي، سواء الأغاني السياسية، أو الاجتماعية. لكن هذا لم يمنع من تعرض المشروع إلى أزمات وصلت إلى حد حل الفرقة، إلا أنها عادت مجدداً، لتقدم موسيقاها وأعمالها المتميزة إلى جمهورها. للتعرف إلى التجربة الفنية، كان لـ"العربي الجديد" هذا الحوار مع المؤسس يحيى نديم.
الانطلاقة كانت من "التحرير" خلال الثورة، ما الذي قدمه الميدان لـ"عمدان النور"؟
حين نزلنا إلى "التحرير"، أيام الثورة، غنيت أنا وباسم وديع ومحمد إسماعيل معاً كأصدقاء. لاقت أغانينا نجاحاً وشهرة، وعرفنا الناس كأفراد ومجموعة تغني معاً. من هنا جاءت الفكرة. تستطيع أن تقول إن الميدان أوحى لنا بها. لكن التنفيذ تأخر تسعة أو عشرة أشهر، تطلبها الإعداد لهذه الخطوة، إذ حرصنا على تشكيل الفرقة من أسماء أصحابها ذوو خبرات عريضة بجانب دراستهم للموسيقى، فالأمر ـ كما طمحنا إليه ـ بعيد عن أن يكون مجرد استغلال لنجاحنا في "التحرير". قررنا أن نقدم مشروعاً كبيراً يكافئ ما نتمتع به من خبرة، فلم نكن مجرد هواة أغوانا نجاح عابر، لذلك تأخر التنفيذ.
هناك جانب في حياتك سبق "عمدان النور"؛ إذ عملت لسنوات في سوق الأغنية التجارية، وشاركت في إحدى الفرق الغنائية ("الجميزة"). ما الذي يمكن أن تخبرنا به عن تلك الفترة؟
حصلت على بكالوريوس تربية موسيقية. عملت سوليست في فرقة عبد الوهاب للموسيقى العربية وفرقة العندليب. كذلك فرقة آلات النفخ النحاسية. وبالتوازي دخلت سوق الـCommercial، أو ربما قبل ذلك بسنوات. فقد بدأت العمل في الأوبرا سنة 2000. وسبقت ذلك تجربة مسرح الأراجوز 98. لكن عملي بالأفراح والفنادق بدأ في سنة 1990. وتقدمت في هذا المجال إلى أن أصبحت رقم 1 في سوق الـCommercial. منحني هذا المجال خبرة كبيرة في سن صغيرة، فحين عملت به لأول مرة كان عمري 19 سنة، وتعرفت من خلاله إلى جميع الثقافات الموسيقية، كذلك جميع أنواع الموسيقيين، ما أكسبني خبرة أعتبرها مهمة جداً.
كثير من الفرق المستقلة، أو الأندرغراوند، تزعم أن كلمات أغانيها أقرب إلى واقع الناس لتتعقب قضاياهم المختلفة، الكلمة بذلك ربما تتقدم على الموسيقى، فهل تتفق "عمدان النور" مع هذا الترتيب، وما هي الرؤية الفنية للفرقة؟
بالنسبة لي الكلمة هي الأهم بالتأكيد، هي التي ترشدنا إلى الجمل الموسيقية التي أستطيع من خلالها تصوير معاني الكلمات. لا بد أن يعبر اللحن عن الكلمة، أو بتعبير آخر الكلمة هي التي تصنع اللحن. وفي ما يخص الموسيقى، لا نلتزم في "عمدان النور" بأي قواعد، نستخدم جميع القواعد، وفي الوقت ذاته يمكن أن نخالفها لنصنع قواعدنا الخاصة. ليست لدينا قيود أو محاذير، وما يؤهلنا لذلك أن جميعنا أكاديميون وأصحاب خبرات كبيرة تمتد إلى 20 سنة.
مرّت "عمدان النور" بأكثر من مرحلة. البداية مع محمد إسماعيل وباسم وديع، ثم أعدت تشكيل الفرقة بأخويك تامر ومصطفى، تبعت ذلك مرحلة توقف أو حل للفرقة، وعدتم من جديد معاً. ما هي ظروف كل مرحلة؟
منذ البدء وأنا معني بأن يكون للفرقة "براند" يعبر عن مشروع متميز ونهج مختلف. هذه الحالة ليس من المفترض أن ترتبط بأشخاص معينين، بل بجميع من اشتركوا في الفرقة، وفي الوقت ذاته لا تتوقف عند أحد منهم.
تبدل أعضاء الفرقة مرات، لكن الروح العامة والرؤية الفنية لم تتبدل، وإن تأثرت بالطبع بكل من انضم إلينا، فنحن لا نستقدم العضو بآلته، إنما بروحه أيضاً. مثلاً حين عمل عازف الساكسفون معتز داود معنا، أضفى إلى الفرقة طابعاً خاصاً بفضل ما اتسم به من حيوية بالغة على المسرح. وحين غادرنا لم نستبدله بعازف ساكسفون آخر؛ لأن الأمر ليس مجرد آلة. أضفنا عازف أكورديون وقدمنا البيس غيتار ليكونا معاً شخصية أخرى تعويضاً لشخصية معتز الغائبة.
من يستمع إلى موسيقاكم، يدرك أنها متميزة حتى عن بقية الفرق المستقلة الجادة. ليست مجرد أطر لحنية بسيطة، بل منحوتات مشغولة بمهارة وبها تفاصيل كثيرة. ما تعليقك؟
كملحن للفرقة، أضع الرؤية العامة للحن، وهذا لا يمنع مساهمة جميع الأعضاء. مثلا، وضعت لأغنية "مسارح وسيما" تصوراً لتنفيذها من خلال موسيقى الروك. ولدى استماعنا إليها أول مرة لم أشعر، كما أعضاء الفرقة، أنها الأنسب للكلمات. فتدخل الموزع الراحل حمادة نبيل، واقترح تحويل مسارها إلى السالسه. ولدى التنفيذ، أضاف العازفون أيضاً إلى رؤية حمادة. ويحدث كذلك أن يضع موسيقيو الفرقة أفكارهم أثناء البروفات. هذا لأننا نجري كثيراً من البروفات حتى يتقن العازفون اللحن تماماً.
لك تجربة متفردة، مسرح الأراجوز الذي قُدم من خلال أطفال الشوارع. هل يمكن أن تعرفنا أكثر بظروفها؟
الفكرة انطلقت من مركز حقوقي، هو مركز دراسات الحقوق البديلة. وكان يرأسه الشاعر والمثقف نهاد ناشد، الذي رأى أنه يمكن لنا من خلال الأراجوز، باعتباره فناً مصرياً متفرداً، عقد صلة قوية بين أطفال الشوارع والفن والموسيقى. واستطعتُ، مع المخرج المسرحي شادي الدالي، تنفيذ هذه الرؤية من خلال تدريب الأطفال، إذ شكلنا منهم فريقاً للمسرح وآخر للغناء، لنقدم ست مسرحيات، طفنا بها الأقاليم، وكفل نجاح المشروع استمراره ثلاث سنوات متواصلة. كما سجلنا براءة اختراع للمسرح الذي ابتكرناه وقدمنا عليه عروضنا؛ إذ تميز بإمكانية فكه وتركيبه في أي مكان.
هناك تجربة أخرى، هي المسرح الغنائي الذي بدأته فرقتكم مع "الدرافيل" ثم "صنع في الصين" و"نيرفانا" و"شباك مكسور" وغير ذلك. كيف استطعتم المواظبة على تقديم تلك العروض مع ارتفاع كلفة المسرح الغنائي وتواضع الإمكانيات المتاحة له؟
قدمنا حتى اليوم 11 مسرحية. كانت "الدرافيل" الأولى وأعتز بها كثيراً. هي التي وضعتني على خريطة التلحين المسرحي أو الموسيقى التصويرية. العرض قُدم في 2011، وحين شاركنا به في مهرجان المسرح التجريبي أو المستقل على "الهناجر"، لاقى نجاحاً كبيراً، إلى درجة أننا قررنا حينها تقديم عرضين في اليوم.
في هذه المسرحية قدمت "عمدان النور" عشر أغان، إلى جانب المقطوعات الموسيقية المصاحبة لكل مشهد. واستطعنا التغلب على مشكلة التمويل المتواضع بالتعاون مع مخرج العمل شادي الدالي، الذي تربطني به صداقة طويلة. وبعد نجاح التجربة كررناها بفضل روح التعاون والعلاقة الوثيقة بيننا، وعُرضت لنا أخيراً مسرحية السندباد التي قدمنا بها عشر أغان، إلى جانب الموسيقى التصويرية.
في لقاءات سابقة، كذلك أثناء حوارنا، أكدت أن أعضاء الفرقة جميعهم من الأكاديميين. ما التميز الذي يمنحه ذلك لـ"عمدان النور"؟
لا يقتصر التميز على كونهم أكاديميين، فهم محترفون وأصحاب خبرات واسعة في السوق، وملمون بجميع أنواع الموسيقى، ما يسهل التواصل وتخطي أي مشكلة قد تطرأ، سواء في البروفات أو حتى على المسرح، من دون أن ينتبه أحد. هذا ما تصنعه الخبرة. أما الأكاديمية فتظهر في القدرة على وضع رؤى ونظريات جديدة في الموسيقى خاصة بنا، 10 أو 12 عقلا في بروفة قادرين على صنع الجديد دائما. هذا إلى جانب ما بيننا من صحبة وتواصل إنساني، فهناك أعضاء بالفرقة مستمرون منذ ست وسبع سنوات. كل هذا يصب في صالح ما نقدمه، إذ تحمل كل أغنية نظرية جديدة في الموسيقى، والمتخصصون الذين يحضرون حفلاتنا يدركون ذلك. وهناك أوراق بحثية قدمت في كلية التربية الموسيقية عن موسيقانا باعتبارها مدرسة مختلفة معنية بوضع قواعد موسيقية جديدة.
"مدد"، و"النور يخرج من البيوت"، و"لا مؤاخذة مالها غزة"، و"إلى عكا". هذه أغان سياسية قدمتها "عمدان النور" بفترة سابقة. هل لتلك الأغنية اليوم حيز بين ما تقدمه الفرقة؟
لا. لم أكن مهتما يوما بالجانب السياسي، لكن طبيعة المرحلة بعد الثورة فرضت علينا وعلى الجميع ذلك الاهتمام. إلى جانب أن الأغاني السياسية بطبيعتها ترتبط بحدث معين، وبمجرد انتهاء الحدث أو الظرف السياسي تموت الأغنية، وهو أمر لاحظته مبكراً؛ لذلك وجهت اهتمامي إلى الأغاني الاجتماعية. وبالفعل هي التي يستمع إليها الناس حتى اليوم، ولا أعتقد أني سأكرر تجربة الأغاني المرتبطة بأحداث سياسية؛ لأنها تنتهي بانتهاء الحدث أو الظرف.
"مسارح وسيما" و"سيرة الأرجواز" هما الأعلى مشاهدة على قناة اليوتيوب الخاصة بالفرقة، وبفارق كبير عن غيرها من الأغنيات. هل هذا المؤشر له دلالة على اختياراتكم للأغاني؟
ربما كان ليؤثر في اختياراتنا إذا كنا نهدف إلى نجاح سريع وقصير المدى، لكن بالنسبة لنا، نجاح أي أغنية ليس مبرّراً لتتبع أثرها. فلماذا نفترض أن هذا اللون أو المسار هو فقط الذي سيلاقي قبولاً لدى الناس. النجاح بالنسبة لـ"عمدان النور" هو قدرتنا على صناعة أغان رغم تنوعها واختلاف موسيقاها، لكن هذا لا يمنع المستمع من التعرف إلى طابعنا الخاص مع كل أغنية، من غير أن ألتزم بمسار أو خط موسيقي واحد، فهذا لا يناسبنا.