"أنا سيلين ديون": وثائقي فقير بلغته السينماتوغرافية

13 نوفمبر 2024
سيلين ديون: "كنتُ فنانة رائعة" (Axelle/Bauer – Griffin/FilmMagic)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يروي الوثائقي "أنا سيلين دِيون" قصة نجاح الفنانة سيلين دِيون، مسلطًا الضوء على شغفها وتضحياتها لتحقيق النجاح المستدام، مثل تخصيص وقتها للتمرين والعمل مع فريق محترف.
- يبرز الفيلم التحديات التي واجهتها دِيون، مثل تغير صوتها بسبب المرض، وكيفية تعاملها مع هذه الصعوبات، مميزًا إياها كفنانة تعتمد على موهبتها وليس الفضائح.
- يستعرض الوثائقي التغيرات في معايير الشهرة، مشيرًا إلى أهمية الصورة والتسويق الإعلامي، وكيف حافظت دِيون على مكانتها بفضل صوتها الفريد رغم ضعفها البصري.

 

هذا الوثائقي سيرة شابّةٍ، حقّقت حلمها بأنْ تُصبح نجمة عالمية. يرصد سيرة عمل في عمر طويل.

في "أنا سيلين دِيون" (2024)، لإدين تايلود برودسكي، شرحٌ مُبهج للعمل مع الآخرين لتحقيق نجاح مُستدام لا مؤقّت. فدِيون قدوة لملايين النكرات. ما الثمن الذي ينبغي دفعه لتجسيد هذا الشغف؟ فنانة تصنع أشياء جميلة لم تطق أنْ يصدر عنها صوت نشاز، احتراماً للجمهور. اكتشفت بشاعة صوتها بعد المرض، فعزّت نفسها: "كنت فنانة رائعة".

كي لا يضيع هذا المسار العظيم، يعرض الوثائقي كيف تخصِّص الفنانة وقتها كلّه للتمرّن: تغنّي وتُشخّص المشاعر التي ستجسّدها. يأتي كتّاب ومخرجون وأطباء وممرضات إلى منزلها. يدلّل الأغنياء أجسادهم. صار الجسد أهمّ من الروح. كلفة صالات الرياضة والـ"مَسّاج" أغلى من دور العبادة.

شغل التدريب الفنانة عن تقليم أظافرها. لذا تتساءل في أغنية: "هل يمكن للجمال أنْ يتجلّى في الرماد؟". نعم يمكن، إذا تمّ صَهْره ليصير قلب ماسٍّ كالذي كانت تضعه روز في "تيتانيك" (1997) لجيمس كاميرون.

هذا التحوّل أفضل درس لمن يعشق دراسة الفن. ما أروع الإبداع والشهرة والإنجاز والاعتراف. يمنح الجمهور الفنان طاقة هائلة. حينها، يحبّ الفنان نفسه، فيبدع بطريقة أفضل. من دون جمهور، يتقهقر الفنان ويَيْبَس ويموت في عزلته، ويُحرم من العيش على سخاء شبّاك التذاكر.

حقّقت الشابة حلمها بأنْ تُصبح نجمة عالمية. هذا حلم الجميع. لا أحد يرغب في أنْ يكون نكرة. تعرض منجزها الفني وملابسها في كلّ حفل. لا ترتدي الثوب مرّتين، لأنّه مميز وعظيم. يبدو هذا رثاءً باكراً. الأهمّ عرض مراحل النجاح لتكون قدوة لحالمين بالشهرة.

تعيش دِيون أداءها. تمسرحه قليلاً رغم تقدّمها في العمر. فجأة، بسبب تغيّر الصوت، توقف العرض بحجّة تغيير الملابس. ثروة المغني صوته. إنّه توقيعه الحميم لعمله الفني. عانى عبد الحليم حافظ تغيّر صوته بسبب فيروس الكبد.

هذا كلّ شيء. الفيلم فقير على صعيد اللغة السينماتوغرافية. هذا ريبورتاج سريع، تنقذه مقاطع الغناء من الملل.

ما سبب هذا الفشل البصري؟ إنه مزدوج: استعراضي وإعلامي.

أولاً: دِيون مغنية تُسمَع أكثر مما تُرى، بينما تحبّذ الكاميرا الشخصيات الاستعراضية. في التسويق العصري الرقمي المُصوّر، تتفوّق الفنانة التي تُخاطب العين على تلك التي تُخاطب الأذن، قياساً إلى تفوّق الكاميرا على ميكروفون الراديو. هذا مثلٌ مُضاد لموديل في استعراض الجسد: المغنية تايلور سويفت، التي ترقص منحنيةً بفمٍ مفتوح. الإغواء مُدوّ. منذ الثورة الجنسية، سرت مزاعم أنّ تحليلات فرويد فَقدت تأثيرها. لكنْ الموضة والفضائح تُثبت أنّ الإنسان الحديث لم يتحرّر من الـ"ليبيدو"، ولن يتحرّر منها إلّا إذا ذاق وشبع.

ثانياً: دِيون تغنّي، وليس في حياتها أزمات شخصية وعاطفية. لم تفشل في علاقة عاطفية مع لاعب كرة سلة، يكسب مليون دولار أميركي شهرياً. تنبع شهرتها من عملها الفني، لا من توالي الفضائح. ليست لديها أخبار وصُور وملابس مُغرية، كالشابّة الشقراء طويلة القامة، سويفت.

 

 

بحسب أوسكار وايلد، في مقدّمة روايته "صورة دوريان غراي" (1891): "غاية الفن أنْ يكشف عن نفسه، ويُخفي شخصية الفنان". الفنّ مهمّ لا شخص الفنان. لكنْ، ليس هذا حال الجميع. الفنان على المنصّة أعظم من الفنان في غرفة نومه. لكنْ، في زمن الصورة، تغيّرت معايير فنية كثيرة.

هناك طريقان للشهرة: الأولى، أنّ يُقدّم الفنان فنّه. إبداعه ثمرة ثقافته وجهده. الثانية، أنْ يُقدّم شخصه وصُوره وأخباره لإثبات نفوذه. في الحالة الثانية، تُقدّم الفنانة طُعماً للصحافة الرقمية الصفراء، لتبقى في الواجهة. بهذا، اشتهرت مغنّيات بشكل أقوى وأسرع من سيلين دِيون. مغنّيات من دون صوت، وبأقلّ من أغنية، وبألف صورة بثوب أحمر شفّاف تحت المطر.

لضمان هذه الطريق المُصوّرة، يعمل فريق محترف على تنمية قصص قصيرة عن حياة الفنانة. قصص (Storytelling) تصير حملة إعلانية ممنهجة. يُفترض بالفنان أنْ يكون تقدّمياً. إدارة رواية القصص تعطّل الخيال، وتُنسّق عقول المستهلكين المعجبين. تُصنع الدعاية لنفسها. تُقدَّم صُور جسد باذخ، وهذا يُغذي عبادة الشخصية. غالباً، يُغمى على العبيد المتزاحمين لاستقبال النجمة. كلّ هذا لن يطمس الفرق بين أغانٍ خالدة وأخرى زائلة.

لشرح هذا التسويق الإعلامي، كتب كريستيان سَلْمون Storytelling (أول جزء منه صدر عام 2007)، لتبيان كيف تصنع "الرواية الآلية المُصوّرة" هالة إعلامية، وتُسوّق صُوراً وحكايات تخدم النجوم والسياسيين. كشف عن تأسيس مركز للحكي المستقبلي (Center For Future Storytelling) في "معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا (MIT)" بهدف الانتقال من سرد تقليدي إلى آخر مرن، قادر على التنبّه إلى غنى الحياة وتعقّدها، وعلى إيجاد روابط بين الأشياء، وتكييف الأشكال التقليدية للسرد مع وسائل الاتصال الحديثة (هاتف محمول، إنترنت).

واضحٌ إذاً أنّ الحكي لن يفقد مواقعه مستقبلاً. يصير هذا الحكي أكثر تأثيراً حين يرويه الجسد، كما شرحت نظرية الصورة الغشطاليّة. الجسد آلة عمل الفنان. سرّ نجاح سيلين دِيون صوتها، وهذه نقطة ضعفها البصرية. مرض جسدها أضرّ صوتها. كيف ستتعايش مع وضعها؟ تطلب من الجمهور ترديد مقطع من أغنيتها "أنا ما أنا عليه". تُتابع العمل مُردّدةً مقطعاً من أغنيتها "معاً هكذا سنبقى إلى الأبد". سعادة إلى الأبد.

المساهمون