معركة جناق قلعة... يوم فشل احتلال إسطنبول

23 مارس 2021
صورة مأخوذة في فبراير 1915 تظهر استعداد الجنود الفرنسيين للمعركة (Getty)
+ الخط -

لم يشارك أهل بلاد الشام، وخصوصًا محافظتي إدلب وحلب، في حرب خلال حكم الدولة العثمانية، مثلما شاركوا في معركة جناق قلعة، رغم أنّها ليست الحرب الوحيدة التي خاضتها شعوب الإمبراطورية من خارج تركيا، وذلك منذ أنْ أعلن السلطان محمد رشاد مطلع أغسطس/آب 1914، النفير العام خلال الحرب العالمية الأولى، أو ما يعرف في منطقة الشام بالسفر برلك.

فجناق قلعة، وفق المؤرخ التركي، أنس دمير، كانت معركة الحسم، معركة البقاء أو الزوال، لأنها خط الدفاع الأول والأخير عن إسطنبول التي وعد الإنكليز الروس بتسليمها. وقدمت حلب وحدها، بحسب كتاب دمير، 972 ضحية خلال السفر برلك حصة معركة جناق قلعة 551 ضحية، أي أكثر مما قدمته 41 ولاية موجودة في يومنا هذا ضمن أراضي الجمهورية التركية.

دمير الذي يفصّل بكتابه عن المعركة، يلفت إلى فتوى الجهاد التي أطلقتها مؤسسة الخلافة آنذاك، ولقيت تأييداً كبيراً من قبل المسلمين في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية. لكن ولاية حلب ومناطق إدلب والباب، كان لها الدور البارز بالبسالة وتحقيق النصر، كما فعل الجندي الحلبي، مصطفى بن محمد الذي أرّخ الكاتب التركي مآثره البطولية. وليوم معركة جناق قلعة لدى الأتراك حتى اليوم، ذكرى خاصة وتختلف ربما عن جميع المعارك التي خاضها العثمانيون، أو التي تلت الإمبراطورية خلال حرب الاستقلال التي قادها مؤسس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك.

جناق قلعة، وفق المؤرخ التركي، أنس دمير، كانت معركة الحسم، معركة البقاء أو الزوال، لأنها خط الدفاع الأول والأخير عن إسطنبول التي وعد الإنكليز الروس بتسليمها

والسبب برأي أستاذة التاريخ، سيهان بولكجو، أن خسارة تلك المعركة كانت ستغير من ملامح التاريخ والجغرافيا حتى اليوم، فسقوط إسطنبول التي كانت المرجعية الدينية في العالم الإسلامي، والعاصمة السياسية والإدارية للدولة العثمانية، يعني هزيمة لمنطقة وتاريخ الحضارة الإسلامية. لذلك رأينا، وفق كتب التاريخ والوثائق، الالتفاف حول السنجق الشريف (راية يعتقد أنها استخدمت من قبل النبي محمد) جمعت متطوعين من جميع الدول الإسلامية وقتذاك.
ومن المرويات التركية التي تسترجع خلال كل احتفال بمناسبة معركة جناق قلعة، وانتصار الدولة العثمانية على الحلفاء (بريطانيا وفرنسا ونيوزيلندا وأستراليا) ومنع الوصول إلى إسطنبول ضمن ما سماه الحلفاء "حملة غاليبولي"، قصة المقاتل سيد علي، والذي ينسب له فضل في تغيير مجرى المعركة وإغراق سفينة.
وتقول كتب التاريخ التركية، إن سيد علي هو الجندي المسؤول عن المدفعية في معقل روملي في شبه جزيرة غاليبولي الذي أصابه وابل القصف، فتكسرت الرافعة التي تحمل القذائف. فما كان من الجندي، إلا أن حمل قذيفة بوزن 215 كيلوغراماً على ظهره، ووضعها في فوهة المدفع لتتسبب في غرق سفينة فرنسية من أسطول التحالف. وتشير المذكرات إلى أنه طُلِب من الجندي سيد علي، بعد انتهاء المعركة، أن يحمل القذيفة التي يتجاوز وزنها الـ200 كيلوغرام من أجل تصويره، فلم يستطع حملها. وصُنِعَت من أجل الصورة قذيفة خشبية. وقال الجندي إنه "لو حصلت معركة أخرى، لحملتها".

معركة جناق قلعة تأخذ أهميتها من نواح عدة، فهي كانت المعركة الفاصلة بالنسبة للدولة العثمانية، بعد اتحاد جيوش أوروبية عدة، وتصميمها على دخول إسطنبول

وتقول المتخصصة بولكجو لـ"العربي الجديد" إنّ معركة جناق قلعة تأخذ أهميتها من نواح عدة، فهي كانت المعركة الفاصلة بالنسبة للدولة العثمانية، بعد اتحاد جيوش أوروبية عدة، وتصميمها على دخول إسطنبول. ولهذه المعركة ذكريات خاصّة مثل عدم كشف قوة المدفعية العثمانية خلال الاختبار الإنكليزي الذي سبق المعركة، ومفاجأة تلغيم مياه المضيق، وعدد القتلى الذي تجاوز نصف مليون بين الطرفين. 
لكن سبب أهمية المعركة واستمرار الاحتفال بها حتى اليوم، هو لأنها كانت منطلق حملة الإنكليز والفرنسيين نحو إسطنبول. البداية كانت من جناق قلعة ثم بحر مرمرة ثم البوسفور ثم مدخل البحر الأسود للوصول للشمال الشرقي من تركيا، ومساندة روسيا ضد الألمان، وتأمين وصول المؤن والذخائر، بعد أن تكبدت القوات الروسية خسائر كبيرة. ويعني ذلك أنَّ "جناق قلعة بدلت الخطط وربما غيّرت التاريخ". ومن أهمّ الأعمال السينمائيّة حول المعركة، فيلم "عراف الماء" The Water Diviner الذي قام ببطولته الممثل النيوزيلندي الشهير راسِل كرو، والذي تناول قصّة المزارع الأسترالي جوشوا كونور الذي يبحث عن أطفاله الثلاثة المفقودين في أعقاب المعركة.

دلالات
المساهمون