كيف استخدمت إسرائيل حرب المعلومات في غزة؟

18 مارس 2024
وزّعت إسرائيل الصور على الجماهير الغربية (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في أعقاب عملية طوفان الأقصى، أطلقت إسرائيل حملة دعائية كبيرة مستهدفة الجمهور الغربي، مستخدمة الإنترنت ووسائل الإعلام لتبرير عملياتها العسكرية كرد فعل مشروع، مع تضمين ادعاءات مضللة.
- استغلت إسرائيل حرب المعلومات لتشويه صورة الفلسطينيين وتبرير عملياتها، مع التلاعب بالمعلومات واستخدام الدعاية، والضغط على منصات لإزالة المحتوى المؤيد للفلسطينيين.
- رغم الجهود الإسرائيلية، فإن الوحشية المتزايدة والدعوات للعنف ضد الفلسطينيين أثارت ردود فعل عالمية، مما يشير إلى تحديات في معركة السرديات والرأي العام العالمي.

مباشرة بعد عملية طوفان الأقصى، أغرقت إسرائيل العالم بصور من العملية، ممزوجة بالأكاذيب والتضليل، في حربِ معلوماتٍ موجهة إلى الجمهور الغربي أساساً. وبالفعل، كانت الصور التي نشرتها وروجت لها آلات الدعاية الإسرائيلية موجودة في كل مكان: شبكة الإنترنت، والإعلام، والشوارع.
واستخدمت إسرائيل مقاطع فيديو إعلانية مدفوعة على "يوتيوب" و"إكس" وألعاب الفيديو، وفي عروض 45 فيلماً.
وادعت الحكومة الإسرائيلية، من خلال هذه الإعلانات، أنها تملك "حق الدفاع عن شعبها"، مشيرة ضمناً إلى أن عملية طوفان الأقصى تمنح تفويضاً مطلقاً للانتقام. وهو ما حصل فعلياً؛ إذ سريعاً ما تحوّل العدوان إلى حرب إبادة متواصلة حتى هذه اللحظة.

إسرائيل... تاريخ من حرب المعلومات

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لحرب المعلومات ليس جديداً في إسرائيل؛ إذ أصبحت معركة السرديات على وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً من حرب المعلومات الإسرائيلية.
قبل عقد تقريباً، بدأت وزارة الشؤون الاستراتيجية والإعلامية الإسرائيلية في الإشراف على شبكة من المؤثرين والمنظمات المؤيدة لإسرائيل، التي روّجت لرسالة الاحتلال ضد حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي يقودها الفلسطينيون وغيرهم من منتقدي الاحتلال، وذلك من خلال وسائل خادعة ومضللة، وحملات منسقة مصممة لتظهر بأنها شعبية وعفوية.
وفي المقابل، استخدم الفلسطينيون وحلفاؤهم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأدلة حول استشهاد المدنيين والدمار واسع النطاق في غزة، لتعبئة الرأي العام العالمي ضد الاحتلال.
وبدأت إسرائيل بعد ذلك في التركيز بشكل أكبر على السيطرة على تدفق المعلومات أثناء العدوان، لضمان التفوق في ساحة المعركة وبناء الدعم لجهودها الحربية، يقول تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي، لذا سَعَت دولة الاحتلال ومؤيدوها إلى تشكيل السرد العالمي حول العمليات العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً أثناء التصعيد في غزة.
ومع ذلك، لم تكن الجهود الإسرائيلية ناجحة تماماً في التأثير على الرأي العام العالمي، مثل الحملات العفوية والديناميكية المؤيدة للفلسطينيين، وإن كانت أقل تنظيماً.

عودة إلى 2021

بالمقارنة مع الأداء الرقمي للاحتلال خلال عدوان عام 2021 على غزة، يبدو الفرق واضحاً. وقتها بدأت إسرائيل حملة في وسائل التواصل الاجتماعي تشيد بقصف غزة لتحسين تصور الجمهور الإسرائيلي عن أداء الجيش، وهو ما حصل. وزادت إسرائيل من تواصل دبلوماسيتها الرقمية مع شركات التكنولوجيا الغربية الكبرى. ووجدت شركة ميتا في تدقيق داخلي أنها مارست الرقابة على المحتوى العربي في 2021 بمعدل أعلى من المحتوى العبري، فيما يبدو أنه استجابة لطلبات الحكومة الإسرائيلية. واستغلت إسرائيل تدهور وضع مواقع التواصل، بعد شراء إيلون ماسك لـ"تويتر"، وتسريح شركة "ميتا" آلاف العاملين، وتخليهما عن التدقيق في الحقائق.
واستفادت الدعاية الإسرائيلية من هذه التغييرات لصالحها، فعملت على تشويه الأصوات المؤيدة للفلسطينيين، وتبرير قصف غزة، والحد من تدفق المعلومات، وحشد الجمهور الإسرائيلي من خلال الإعلان عن براعتها العسكرية في تدمير غزة.

شركات تدعم حرب المعلومات

بالموازاة مع بدء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر، أنشأت شركة أكودا التكنولوجية الإسرائيلية "كلمات من حديد"، وهو تطبيق مدعوم بالذكاء الاصطناعي يمكّن مستخدميه من تضخيم منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والروايات الداعمة لإسرائيل والإبلاغ عن المنشورات المنتقدة لها، وكل ذلك بينما يبدو التفاعل شعبياً وعفوياً وحقيقياً.
ورغم أن رسائل "التضامن مع إسرائيل" وصلت إلى شريحة واسعة من الجمهور، إلا أنها اصطدمت بالتضامن الواسع مع غزة وفلسطين.
وفي دفع إضافي لرواية الاحتلال، كرّر الرئيس الأميركي جو بايدن، مرتين على الأقل، ادعاءات مضللة تم تداولها لأول مرة على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك من قبل كبار المسؤولين الإسرائيليين: في 10 أكتوبر/تشرين الثاني، ادعى بايدن أنه شاهد صوراً تثبت أن حماس قطعت رؤوس 40 طفلاً في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الثاني، وهي تهمة سرعان ما تبيّن كذبها. وفي الليلة نفسها، أوضح البيت الأبيض أن بايدن لم ير الصور. ثم في 28 أكتوبر، قال الرئيس الأميركي إنه "ليست لديه ثقة" في أرقام الضحايا التي أعلنت عنها وزارة الصحة في غزة. وتبيّن أن الأرقام دقيقة.

وبدعم من تصريحات بايدن، توسّعت رقعة الدعاية الإسرائيلية على وسائل التواصل الاجتماعي. وانتشرت مقارنات بين حركة حماس وتنظيم داعش، وصوّرت حرب الإبادة الإسرائيلية باعتبارها معركة إنسانية لتحرير الفلسطينيين من "حماس".
لكن بعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب، قتلت إسرائيل أكثر من 30 ألف فلسطيني، وأصابت أكثر من 70 ألفاً، وشرّدت نحو مليوني إنسان، وتبخّرت كل المبررات التي ساقتها في السابع من أكتوبر.
ومع ظهور الوحشية الإسرائيلية في قتل المدنيين وتدمير المنازل في غزة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع امتلاء المتظاهرين بالشوارع في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة، ركزت استراتيجية حرب المعلومات الإسرائيلية على صرف الانتباه عنها.

استخدام معاداة السامية والإرهاب

لتحقيق هذه الغاية، استفادت إسرائيل من الاستقطاب في أوروبا والولايات المتحدة، من خلال الترويج لسرد بسيط: انتقاد الحرب يُعد معاداة للسامية، والاحتجاج على القتل الجماعي للفلسطينيين هو تنفيذ لأوامر حركة حماس.
وأطلقت إسرائيل حملات إعلانية تقدّر تكلفتها بما يصل إلى 7.1 ملايين دولار في أكتوبر لاتهام أنصار الفلسطينيين بالتواطؤ مع "حماس".
من جهتها، أنفقت الجماعات المؤيدة لإسرائيل، في الولايات المتحدة وحدها، أكثر من مليوني دولار على الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، أي ما يقرب من 100 مرة أكثر من الجماعات المناصرة لفلسطين.
ومنذ 7 أكتوبر، استخدم أعضاء مجلس الوزراء والبرلمان الإسرائيلي بشكل متزايد لغة مهينة للإنسانية تجاه الفلسطينيين وغزة، بهدف طمس الخط الفاصل بين مقاتلي حماس والسكان المدنيين في غزة، والتي تم الاستشهاد ببعضها في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
وقد انعكس ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نُشرت الدعوات إلى "تسوية" غزة أو "محوها" أو "تدميرها" قرابة 18 ألف مرة في المنشورات العبرية على "إكس" في الشهر الأول من الحرب، مقارنة بمتوسط 16 مرة شهرياً قبل الحرب.
وفي حين أصرت حكومة الاحتلال على أن استخدام مثل هذه اللغة ليس سياسة رسمية، يبدو أن إسرائيل شجعت ذلك كجزء من استراتيجيتها في وسائل التواصل الاجتماعي. في أكتوبر/تشرين الأول، أفادت التقارير بأن وحدة الحرب النفسية التابعة للجيش الإسرائيلي بدأت قناة سرية على تطبيق "تليغرام" تستهدف الجمهور الإسرائيلي، ونشرت آلاف الصور لجنود يقتلون ويدمرون غزة. ومع تقدم الحرب، نشر عدد متزايد من الجنود الإسرائيليين مقاطع فيديو من غزة، يتفاخرون بابتهاج بقتل الفلسطينيين، مع الرقص وتدنيس مقابر الفلسطينيين.

التلاعب بالمعلومات

سيطرت إسرائيل على تدفق المعلومات عن طريق الحد من وصول وسائل الإعلام الدولية إلى غزة، واستهداف البنية التحتية للاتصالات في غزة، ما تسبب في انقطاع الكهرباء والاتصالات والإنترنت، واستنزاف الوقود اللازم لشحن الهواتف والخوادم.
وفي حين أنها لا تستطيع فصل الفلسطينيين عن الإنترنت بشكل كامل، فقد حدّت الحكومة الإسرائيلية من كمية المعلومات الميدانية الموثوقة. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد الشهداء الصحافيين على يد جيش الاحتلال إلى أكثر من 130 شهيداً.
كذلك ضغطت إسرائيل بقوة على منصات التواصل الاجتماعي لإزالة المحتوى الذي ينشره الفلسطينيون ومؤيدوهم، واصفةً إياه في كثير من الأحيان بأنه يروّج للإرهاب.
ووثّقت هيومن رايتس ووتش 1050 عملية إزالة لمحتوى مؤيد للفلسطينيين بواسطة "ميتا" في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023. واعتمدت "ميتا" بشكل متزايد على أنظمة ذكاء اصطناعي أدت إلى الحد بشكل كبير من ظهور المنشورات المؤيدة للفلسطينيين، وترجمت "فلسطيني" إلى "إرهابي" على "إنستغرام".
كذلك عملت الحسابات التابعة للاحتلال على مواقع التواصل على التلاعب المباشر بالمعلومات. ففي 29 فبراير/شباط، أطلقت قوات الاحتلال النار على فلسطينيين يتضورون جوعاً أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء من قافلة مساعدات في غزة، في حادثة أسفرت عن استشهاد أكثر من 100 شخص وإصابة حوالي 700 آخرين. لكن زعمت إسرائيل أن جميع الضحايا استشهدوا نتيجة التدافع، على الرغم من الأدلة التي تظهر أن الشهداء سقطوا بنيران جيش الاحتلال. 
وقد تكرّر نمط التلاعب بالمعلومات خلال حوادث عدة أخرى. وبينما يعتمد الباحثون والصحافيون على الصور من وسائل التواصل الاجتماعي لإجراء التحقيقات، فإن المعلومات الخاطئة المنتشرة على نطاق واسع تؤدي إلى تعقيد عملهم وتقوض النتائج التي يتوصلون إليها.

المساهمون