قانون جرائم إلكترونية غير صديق للحريات في مجلس النواب الأردني

16 يوليو 2023
نواب طالبوا برد مشروع القانون إلى الحكومة الأردنية (Getty)
+ الخط -

 

أحال مجلس النواب الأردني في أولى جلسات الدورة الاستثنائية، الأحد، مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 إلى لجنته القانونية بعد تقديمه من الحكومة، رغم مطالبة عدة نواب بِرَدّه وإعادته إلى الحكومة للتعديل عليه بسبب تضييقه على الحريات.

وفي هذا السياق، قال النائب ينال فريحات: "أعتقد أن هذا القانون أخطر قانون معروض في الدورة الاستثنائية، لأنه يتضمن عقوبات غير عادية، والقانون في المجمل سيكون سيفاً مسلطاً على الحريات في البلاد، وسيساهم بتراجع مستوى الحريات أكثر". ووصف فريحات العقوبات في مشروع القانون بأنها "غير منطقية وغير واقعية"، معتبراً أن "رد القانون سيحسب إنجازاً لمجلس النواب الحالي بأنه رفضٌ للاعتداء على الحريات".

كما طالب النائب أحمد القطاونة بردّ مشروع القانون إلى الحكومة، مشيراً إلى أن فيه عقوبات مغلّظة تجمع بين السجن والغرامات المالية المرتفعة جداً. وأضاف القطاونة: "عند النظر في مواد القانون، تتمنى أن يكون هذا التشديد على كلّ فاسد وكلّ من يعتدي على حقوق الوطن، غرامات بين 20 و40 ألف دينار (بين 28 و58 ألف دولار)، وكأننا نتحدث عن مجتمع مرتاح اقتصادياً".

واعتبر النائب صالح العرموطي القانون "حجراً على العقل والفكر ورِدّة عن الإصلاح"، مضيفاً أن الحكومة "تريد تفريغ أمر الدفاع في هذا القانون، وهناك أحكام عرفية فيه، ويضر بالوطن والمواطن".

ورأى النائب فريد حداد أن "القانون يمثل تراجعاً واضحاً في سقف الحريات العامة"، وقال: "أطالب برد القانون شرفاً لهذا المجلس". وفي السياق نفسه، قال النائب حسن الرياطي: "في الوقت الذي تتغنى فيه الحكومة بالتوجه إلى الإصلاحات السياسية وحياة حزبية جديدة، نفاجأ بإدراج قانون أقل ما يقال عنه إنه ردة وانقلاب على الديمقراطية وعودة إلى الأحكام العرفية ويكرس صناعة الأصنام".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أما النائب ماجد الرواشدة فنبه إلى أن الأردن "بحاجة إلى ضبط هذا الفضاء المفتوح وبحاجة إلى ضبط الشبكة العنكبوتية"، محذراً من أن "في ثنايا هذا المشروع تغليظ للعقوبة بشكل كبير جداً على المواطنين".

ونصّت الأسباب الموجبة لمشروع قانون الجرائم الإلكترونية على أنها تأتي "نظراً للتطور السريع في مجال تقنية المعلومات الذي استوجب تجريم بعض الأفعال التي تتم بوسائل إلكترونية ومعاقبة مرتكبيها تحقيقاً للردع العام والخاص، ولمواءمة القانون مع الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات المصادق عليها من المملكة والمعايير الدولية بما يضمن مكافحة الجرائم الإلكترونية وفقاً لأفضل الممارسات المعمول بها كونها من الجرائم الخطيرة محلياً ودولياً".

وقال خبير قوانين الإعلام والحريات يحيى شقير، لـ"العربي الجديد"، إن الأمل حالياً معلق باللجنة القانونية في مجلس النواب "لمعالجة ما أخطأت به الحكومة من عدم الاستماع للناس وإعداده في غرف مغلقة، والتشاور مع المعنيين كنقابة الصحافيين والمجتمع المدني والخبراء، رغم أن آراء الخبراء غير ملزمة"، واصفاً العقوبات التي تضمنها القانون الجديد بـ"الفلكية".

ودعا شقير إلى تخفيض العقوبات، وعدم التوقيف المسبق للمشتكى عليهم قبل صدور قرار قضائي، مشيراً إلى أن القانون ركّز على الحبس والغرامة بمبالغ كبيرة، وأن هناك غرامات تضاعفت عشرات المرات، ولفت إلى أبرز التعديلات في القانون المبالغ بها، ومنها بقاء نص المادة 11 من القانون النافذ حول الذم والقدح والتحقير، وبقاء التوقيف فيها، وزيادة الغرامة من 20 ألف دينار إلى 40 ألفاً (من 28 إلى 56 ألف دولار). هذا بالإضافة إلى تجريم اغتيال الشخصية بالحبس من 3 أشهر لثلاث سنوات وغرامة 25 ألف دينار (35 ألف دولار)، وتصل إلى 50 ألف دينار (70 ألف دولار).

والنص يجيز توقيف المشتكى عليه، وهذا ما يريده أغلب المشتكين ولو كان الحكم القضائي عدم مسؤولية أو براءة، والغرامة تذهب لخزينة الدولة وليس للشخص الضحية.

وأشار إلى أن كل القوانين العقابية في الأردن كانت تأخذ بمبدأ التفريد العقابي، فتنص على تدرج العقوبة من الحبس أو الغرامة أو كلتي العقوبتين، بما يتيح للقاضي اختيار العقوبة حسب تقديره وقناعته بأن الشخص المدان يمكنه الإصلاح ولن يعود لارتكاب أفعال مماثلة، لكن في هذا القانون الجزاء يكون بالحبس والغرامة، وليس بالحبس أو الغرامة أو بالعقوبتين معاً. ومضى قائلاً: "ليس هناك إنسان معصوم عن الخطأ"، قبل أن يتساءل: "هل إذا أخطأ الصحافي بمعلومة ولم تكن دقيقة تنتهي حياته المهنية بسبب العقوبات المالية الكبيرة؟".

ووفقاً لشقير، ففي حال تمرير القانون "ترتيب الأردن في مجال الحريات سيتراجع، وسيكون للمرة الثانية ضمن لائحة أعداء حرية الصحافة العشرة كما حدث عام 1997".

دوره، طالب عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين خالد القضاة مجلس النواب بردّ ثلاثة مواد تتعلق بجرائم القدح والذم، والأخبار الكاذبة، والمادة التي تتحدث عن اغتيال الشخصية، وشدّد خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، على ضرورة إعادة النظر في المواد التي تتحدث عن خطاب الكراهية بنصوص فضفاضة، وكذلك مصطلح اغتيال الشخصية باعتباره مصطلحاً سياسياً وليس قانونياً.

وأضاف أن "تعبير الأخبار الكاذبة غير موفق، فالأخبار الكاذبة لا تُسمّى أخباراً، بل يمكن تسميتها شائعات"، وأفاد بأنه إذا أُقرّ القانون، ستدعو نقابة الصحافيين العاملين في القطاع إلى عدم رفع المواد على مواقع التواصل الاجتماعي من مؤسساتهم الصحافية، فالمادة إذا نُشرت في الصحيفة أو الموقع الإلكتروني سيُطَبّق عليها قانونا المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع، وفي حال رُفعت على مواقع التواصل ستكون المحاسبة وفق قانون الجرائم الإلكترونية، وذلك حتى يتجنبوا الملاحقة عبر القانون الجديد.

ولم يبدِ القضاة التفاؤل بالقرار الذي سيصدر عن مجلس النواب، معتقداً أن القانون سيمر بصيغته الحالية أو بتعديلات طفيفة، وخاصة أن مجلس النواب في الكثير من الأحيان كان بقراراته غير صديق للحريات، وعبّر عن خشيته من "التوسع باستخدام القانون بدلاً من القوانين الحالية التي يحاسب عليها الصحافيون".

ويتضمن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 إلزاماً لمنصات التواصل الاجتماعي خارج الأردن، التي لديها أكثر من مائة ألف مشترك في المملكة، بإنشاء مكتب لها في الأردن للتعامل مع الطلبات والإشعارات الصادرة عن الجهات القضائية والرسمية؛ وورد فيه أنه في حال عدم التزام منصات التواصل الاجتماعي خارج الأردن بذلك، فإنه يتم إخطار تلك المنصات من قبل هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بوجوب الامتثال لما سبق بيانه، خلال مدة لا تزيد عن ستة أشهر تبدأ من تاريخ إرسال ذلك الإخطار.

المساهمون