في بلادنا التعيسة يتساوى الرجل والمرأة

08 مارس 2021
لا مساواة بين النساء والرجال لكن قمع الدول الاستبدادية واحد (Getty)
+ الخط -

من على شاشة التلفاز كان الرجل صاحب الشارب والشعر المصبوغين بالأسود، كلون الفحم المحروق، "يخفف دمه" في الحديث عن "إنجازات البعث في مجال حقوق المرأة". وعلى صدر صحيفة، قبل أن يحضر "الفوتوشوب"، بكل ما يحمله هذا البرنامج "الملعون" من مسؤولية عن "المؤامرات الكونية" بحق "قياداتنا الفذة" منذ 2011، كانت السيدة صاحبة "الباروكة الشقراء" (الشعر المستعار)، تعدد إنجازات القيادة الحكيمة والمساواة التي وصلت إليها المرأة السورية. لا اختلاف كبيراً بين شاشات "البعث" وغيرها في عالم عربي يعيش أعمق انفصام جمعي. 

وإذ تقدم العمر قليلاً، وانفتح الإدراك، تنظر حواليك فترى "برلمان القائد الملهم" يستعرض بطريقة فولوكلورية سيدة أو اثنتين، وسط نوع آخر من الاستعراض عن فئات "الفلاحين والعمال"، فهذا بلباس عشائري، وذاك معصرن، وتلك تقلد ممثلة ما، يهتفون لأبدية "الأب القائد". وتحت "قبة البرلمان" يتأكد المواطن ألا فرق بين "هتيفة" و"هتيف"، فالكل سواسية في درس التملق، الذي لم يتغير حتى في عصر ما بعد "المعلوماتية". 

قبل أن يثور الناس في الشوارع العربية، ويكشفوا الوجه الحقيقي لمعنى تسطيح عقل المتلقي، تملكت العرب حالة ولا أسوأ في صور تأطير وتنميط السيدة العربية. ففي البيوت و"مقاهي النخب"، حيث تدور إبرة "الدش" أو اللاقط تبحث عن قناة "باب الحارة"، وأخواتها العربية، مستدعية مزيداً من صب الجهل على العقول، كانت الصور تتهاوى، ذوقاً وفناً وقيميّاً. 

وثمة في 2021 سيدة في القاهرة، مختفية قسرياً منذ عامين مع طفلها (سنتان) وزوجها. ذلك لا يمنع "المجلس القومي للمرأة" أن يستعرض استطلاعاً أشبه بباب حارة مصري، يسأل عما إذا كنا نعتقد أن التحصيل العلمي للفتاة "يحسن فرص الزواج".  

نعم، وسط هوجة تحول التحرش إلى بطولة ذكورية، مشفوعة بإحالة الأوطان إلى معتقلات كبيرة، يتساوى فيها استعراض شاشات "الشام" و"مصر" لأكاذيب المساواة السلطوية، فيما القمع الجامع بين "الذكر والأنثى" ثابت لا يتغير منذ أن كان "شباب الأمة" في المهد، يحيلنا "الإعلام الحديث" إلى شعوذة وترتيل التخلف على أنه تقدم "موحى به من الخالق". 

في الثامن من مارس/ آذار، ككل فصل مسرحي، كمسرحية "عيد العمال"، وغيرهم من "الفئات"، تتفنن وسائل بروباغندا "القيادات الضرورة.. الفذة.. القوية.. المرسلة من الله" تخبر الناس عن "عظمة الأب الرئيس"، ولا مانع أيضاً من استحضار "السيدة الأولى" (فتقليد أميركا لا ضرر منه، في هذه الجزئية المفجعة) ودورها الرعوي في تحقيق "منجزات حقوق المرأة"، ولو بإخبار المتلقي بأكلة سيادته المفضلة، التي كانت تعدها له وهو منشغل في تكوين سلالة حكم المزرعة. 

في الشام أيضاً، تحت تهجير البراميل، وبعلم كل فئات التهليل للإبادة والتطهير، لا تتخلف الشاشة، وتوابعها من إذاعات وصحف ومواقع، عن أن تستدعي لنا "عطف ورأفة سيد الوطن" برفقة "السيدة الأولى"، فتظن نفسك أنك أمام مشهد سويدي وفنلندي وكندي عن "حقوق المرأة" في ظل "البعث القائد"، فالدمار في الخلفية "مسؤولية طائرات سوخوي الإرهابيين". 

ومن شدة احترام "الحكومات العطوفة" للمرأة، لا ضير أن تتسع متاجرة البروباغندا إلى تغن بنضالات المرأة الفلسطينية، فيما ذات الفلسطينية يهدم بيتها وشرد شعبها تحت حناجر التضامن في اليرموك وغيره من مخيمات سورية. وفي "لبنان الممانعة.. القوي"، حدث ولا حرج، عن الفلسطينية الممنوعة من أدنى حقوق التوظيف، المحفوظة لغير العربي، عدا عن دروس الانفصام الأوسع في منع سيدة لبنانية وعربية متزوجة من فلسطيني نسب أولادها إلى جنسيتها، فلا بد أن "الحرص على حق العودة" يحيل الناس إلى البؤس كوسيلة، رغم أنه لم يصبح أقل حرصا عليها في تغريبته الأوروبية والأميركية.  

في المجمل، فإنّ أصحاب شاشات "العدالة" في توزيع القمع وهضم حقوق البشر، يتذكرون المرأة، التي نشلوا منها كرامتها وآخر نقودها باسم "حب الوطن" و"إنعاش اقتصاده"، غير آبهين سوى باللقطة، لقطة الصدفة عن "حنو" الرئيس، قبل أن تفوح رائحة الحقيقة على وجع مغيب، خلف الزنازين، ووراء جدران رعاية نشر التخلف وتجريف الأوطان من قيمة الحقوق لمصلحة استعباد الناس كقطيع يستحضر متى أريد تلميع الصورة.. 

جرائم القتل وتشريعات استهبال العقول باسم "الشرف"، وترسيخ "دونية" القيمة الإنسانية للمرأة، تارة باعتبارها سلعة تباع وتشترى، وفي أخرى "خادمة" في البيوت، وحصر دورها في "طاعة الزوج"، كلها، وغيرها الكثير، لا تقول شيئاً سوى إنّ القمع واستعباد الناس ساويا بين الرجل والمرأة في بلادنا التعيسة.. فمرحى للمذيع الذي ظل يطل على المشاهدين معدداً إنجازات "الاتحاد العام للمرأة".. في بلاد تصير أشباه أوطان.

المساهمون