عن الكتاب السينمائي العربي مجدّداً: مآزق جمّة وغياب التوزيع أحدها

20 مارس 2023
كيفن كوستنر في "الرقص مع الذئاب": أحد الأفلام التي "لا تغادر الذاكرة" (الملف الصحافي)
+ الخط -

يعاني الكتاب العربي مآزق شتّى: كثرة العاديّ، وطغيان السطحي، وتفشّي المتعلّق بالأساطير والسحر والطبخ والأبراج، وتنامي النصوص المرتبطة بالأديان. القول إنّ أحد المآزق كامنٌ في صناعة الكتاب، طباعة وورقاً وتصميماً، مُكرّرٌ ومعروف. التوزيع أسوأ مأزقٍ، إذْ يعجز مهتمٌّ/مهتمّة عن الحصول على نسخةٍ من كتاب مرغوبٍ في قراءته، إنْ يصدر في مدينةٍ عربية أخرى. أما الترجمات، فكارثةٌ حقيقية، لأنّها مؤذيةٌ للنصّ الأصلي وللترجمة العربية، وهذا غير شاملٍ، فبعض المترجمين/المترجمات العرب مُتمسّكٌ باشتغالٍ مهني محترف، بما يعنيه الاحتراف من امتلاكٍ عميقٍ للّغتين، وتنقيبٍ عن الأصل العربي لنصّ مأخوذٍ من الكتب التراثية الكلاسيكية، عندما يحتوي النصّ المترجَم عنه فقراتٍ مترجمةٍ من تلك الكتب.

المأزق الأقسى يتمثّل في كتبٍ سينمائية، تصدر في بلدانٍ عربية، أبرزها مصر وسورية والمغرب، لكنها غير موزّعةٍ، نهائياً (غالباً)، في بلدان عربية أخرى. يندر لمهتمّ/مهتمّة في بيروت مثلاً أنْ يحصل على كتاب سينمائي عربي صادر في مدينة عربية. هذا لا علاقة له بالقيم المختلفة، التي يُفترض بالكتاب أنْ يمتلكها، فالنقد قادرٌ على تناولها وقراءتها ومناقشتها. سيُقال إنّ كلاماً كهذا مُكرّر، بدوره. هذا صحيح. لكنّ إصدار كتبٍ سينمائية، ومجلاّت سينمائية أيضاً (الحاضرة في تلك البلدان، كما في غيرها، رغم أنّ مجلات أخرى مكتفيةٌ بإصدار إلكتروني، ما يُسهِّل متابعتها)، بين حينٍ وآخر، دافعٌ إلى إعادة المُكرّر، ومحاولة الحثّ على نقاشٍ، لعلّه يؤدّي، ذات يوم، إلى حلولٍ منشودة.

الكتاب السينمائي العربي ضرورة ثقافية وفنية وفكرية، شرط أنْ يُقدِّم جديداً في مضمونه، وإنْ يتعلّق المضمون بقديمٍ في الإنتاج السينمائي، العربي والأجنبي. كتابٌ كهذا يكاد يغيب عن المكتبة العربية، رغم أنّ بعض زملاء/زميلات المهنة يُصدرون كتباً سينمائية، تتناول مسائل مختلفة، وبعضٌ آخر منهم/منهنّ يُصدر كتباً غير سينمائية (رواية، قصص، شعر، مذكّرات، ذكريات، رسوم)، وهذا كلّه يواجِه صعوبة كبيرة (كي لا تُستَخدَم مفردة "استحالة") في الوصول إلى مكتباتٍ عربية (وأجنبية). مخرجون/مخرجات يهتمّون بهذا الجانب الثقافي/الفني/الفكري، ولبعضهم كتبٌ غير سينمائية، آخرها مثلاً "الكبرياء الصيني" ("دار الشروق"، القاهرة، 2023) للمصري خيري بشارة.

للزميل البحريني حسن حداد كتابٌ جديد أيضاً، بعنوان "أفلام لا تُغادر الذاكرة" (نشر إلكتروني، سلسلة كتاب "سينماتيك"، 2023)، أول جزءٌ لكتبٍ بالعنوان نفسه، تصدر لاحقاً. في مقابل عدم توزيع "الكبرياء الصيني"، عربياً، بشكلٍ يستحقّه الكتاب وكاتبه (مع أنّ لـ"دار الشروق" مكانةً عربية كبيرة، تُتيح لها توزيعاً أفضل وأكبر)، يستمرّ حداد في إصدار كتبه إلكترونياً، فالتكلفة أقلّ بكثير من الإصدار الورقي، والرغبة في الكتابة والتوزيع تبدو أهمّ من أي شيءٍ آخر.

 

 

للزميل السوري علي سفر دراسةٌ جديدة بعنوان "حبر الشاشات المطفأة (تحرّي أحوال السينما السورية ونقدها)"، صادرةٌ قبل أشهرٍ، عن "دار موزاييك للدراسات والنشر" (الفاتح ـ اسطنبول، 2022). "صعوبة" التوزيع دافعٌ إلى الحصول على نسخة PDF، فالرغبة في القراءة أقوى من انتظار نسخة ورقية، ربما يطول.

لعلّ "دار الشروق" ستوزّع رواية خيري بشارة عربياً، فالكتاب صادرٌ قبل وقتٍ قليل. لكنّ إصداره سببٌ لإعادة المُكرّر، في شأنٍ يتعلّق بصناعة الكتاب السينمائي العربي، والكتاب غير السينمائي الذي يؤلّفه سينمائيٌّ/سينمائيّةٌ.

الأزمة الاقتصادية/الاجتماعية التي يُعانيها لبنان، منذ الربع الأخير لعام 2019، تحول دون التمكّن من شراء المبتغى. كتبٌ عربية، صادرة حديثاً، "تُباع" بأسعار "خيالية"، نسبةً إلى حجم الأزمة، وكتبٌ أجنبية تتجاوز أسعارها تلك الخاصة بالكتاب العربي. مجلاّت سينمائية أجنبية (المُباع منها في بيروت قليلٌ أصلاً) تتبدّل أسعارها بالليرة اللبنانية بين عددٍ/شهرٍ وآخر، والتبدّل إلى ارتفاعٍ، دائماً. دور نشر أجنبية، قليلةٌ جداً، تُخصِّص سعراً "معقولاً" لإصداراتها بلبنان، فتُخفِّف بعض الشيء من حدّة السعر الأصلي.

ملاحظات عدّة كهذه تحتاج، فعلياً، إلى نقاشٍ، يُفترض به أنْ يؤدّي إلى حلولٍ. هذا لا علاقة له بنقد الكتب، السينمائية وغير السينمائية، ومضامينها وصناعتها. فالأهمّ، أولاً، إيجاد خطط للتوزيع، غير راضخةٍ للتجاريّ البحت، وللرقابيّ العربيّ أيضاً.

فهل يكون النشر الإلكتروني، وإنْ في مقابل ثمنٍ ما، حلاًّ للمعضلة؟

المساهمون