عادل إمام بين زعامة وشعبية

27 مارس 2024
تعابير الوجه مُكرّرة لكنّها تُثير الضحك دائماً (محمد عمر/EPA)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عادل إمام، ممثل معروف بتعابيره الفريدة وقدرته على إثارة الضحك، يُظهر مهارة في تجديد أدائه ليتناسب مع المواقف المختلفة، محافظًا على تفاعل الجمهور معه.
- "مدرسة المشاغبين" و"عمارة يعقوبيان" تُعدان من أبرز أعماله، مُظهرتين تنوع موهبته من الكوميديا إلى الأدوار الجادة، وتركتا بصمة واضحة في السينما والمسرح العربي.
- يواجه عادل إمام تحدي التكرار في بعض أعماله، مما يُثير نقاشات حول أهمية التجديد في الفن. لقب "الزعيم" يُكرم مسيرته الفنية ولكنه يُبرز أيضًا التحديات المتعلقة بالنقد والابتكار.

عندما يُذكر اسم عادل إمام، لا بدّ لصورة معينة له، كامنةٍ في الذهن، من أنْ تتراءى فوراً. صورة يُميّزها تعبيرٌ خاص، لازمه وارتبط به، مع نظرة تجمع بين سخرية واستكانة، وشيءٍ من سذاجة، وحركة رأس تُهيئ لإلقاء كلمة عابرة، أو تعليق طويل.

هذان ليسا دائماً مُفاجئين في مضمونهما، بل إنّهما، أحياناً عدّة، مُتوقّعان. لكنهما، وهذا ليس غريباً على الكوميديا وممثليها، وخاصة عادل إمام، يبعثان على الضحك مجدّداً. ضحكٌ، لا ابتسام. مع أنّ المُشاهد رأى مراراً هذه النظرة، وسمع ذاك التعليق، فالنظرة والتعليق يثيران إعجاباً وتفاعلاً وانفعالاً. التعليق مُتوقَّع، لكنّه لا يخلو من تجدّد وتنويعات عليه، فلكلّ مقام مقال، والنظرة تناسب كلّ المواقف، مع شيءٍ من تعديل. شيء خفيّ لا يتجلّى، لوهلة أولى، لمن لا يدقّق، بل لمن يهمّه فقط التأكد من أنّ بطله، الذي يعرفه بمواقفه ونظراته وأقواله، جاهزٌ دائماً لإضحاكه.

هناك أيضا وقفته، ليس فقط تعابير وجهه، وأسلوب تنقله في المكان. كان أول ما لفت نظري فيه حين تنبّهت إلى وجوده الفني، نظرته وتعابير وجهه كلّها التي تثير الضحك، بمجرّد رؤيتها، حتى قبل أنْ يتفوّه بشيء. تقول الموسوعات والمواقع إنّه مثّل في أكثر من مائة فيلمٍ، عاطفي واجتماعي وسياسي، وفي نحو عشر مسرحيات وخمسة عشر مسلسلاً. لكنْ، يمكنني القول إنّه بَقِي بالنسبة إليّ بطل مسرحية واحدة، وفيلم واحد.

أحدثت "مدرسة المشاغبين"(1971) لجلال الشرقاوي ـ المأخوذة عن الفيلم البريطاني "إلى المعلم مع الحب" (1967) لجيمس كلافيل ـ ضجّةً حين ظهورها، لم تحدثها مسرحية أخرى. في سورية، استعادتُها في سهرات يوم الخميس، في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، باعثةٌ على بهجة مهما تكرّرت. حفظ الجميع أقوال أبطالها، وأوّلهم بهجت الأباصيري، المشاغب الذي أدّاه عادل إمام، وبقي دوره فيها مرجعاً وأساساً ودوراً، يكفي أحياناً في مسيرة صاحبه، التي امتلأت قبله بأدوار ثانوية، وبعده بأفلامٍ كان فيها بطلا أول، وسعيد الحظّ من يقف أمامه.

سينما ودراما
التحديثات الحية

منذ ذلك الدور، باتت ملاحظة أيّ وجود سابق له، إلى جانب نجوم معروفين، مؤكّدة. مثلاً: مشاهدة مسرحيات قديمة، كـ"أنا وهو وهي" (1964) مع فؤاد المهندس وشويكار، أو استعادة عشرات الأفلام القديمة من الستينيات الماضية، كسلسلة أفلام الثنائي شادية وصلاح ذو الفقار. هذا يحصل مع نجومٍ كثيرين، لا ينتبه المرء إلى وجودهم في بدايات أعمالهم الفنية، إلا بعد شهرتهم لاحقاً. إمام كان يظهر في تلك الأعمال فجأة، ولم نكن ننتبه حقّاً إلى وجوه الكومبارس. لكننا بتنا، بعد "مدرسة المشاغبين"، نشير فوراً إلى الشاشة الصغيرة عند ظهوره، لنقول إنّه هو هنا. "مدرسة المشاغبين" انطلاقته الفعلية، على الأقلّ بالنسبة إليّ، إلى حدّ أنّ أي ظهور له في فيلمٍ قديم بات يُثير انتباهي.

أما الفيلم، فكان "عمارة يعقوبيان" (2006) لمروان حامد. في هذه العمارة، الموجودة في وسط القاهرة، التي تضمّ نماذج بشرية متباينة، يحوّل زكي الدسوقي (إمام) ـ ابن الباشا السابق، الدارس في باريس، لكنْ العاطل عن العمل في مدينته ـ مكتبه الهندسي إلى شقة لمطارحة النساء الغرام. لم يكن إمام البطل الوحيد المطلق، بل أدّى دوراً جديداً عليه، بعيداً من نوعية أفلامه الكوميدية المتكرّرة، التي يتخيّل المشاهد أحداثها من البداية، ولا تجذب كثيراً إلاّ هواة النوع. فرغم إعجابٍ بأداء، ولو مُتكرّر، فاسم الممثل الكوميدي وحده لا يكفي لحضور فيلم. كما أنّ تعدّد أنواع الكوميديا المعتَمدة، من كوميديا ​​الموقف، أو الكوميديا القائمة على سوء الفهم، أو كوميديا ​​الإيماءات، أو كوميديا ​​الكلمات والجُمل والنكات، لتي اعتمدها الممثل، ربما لا تكفي دائماً لإثارة اهتمام مستمر. فالتكرار والتوقّع يُثيران شيئاً من ملل، يحصل مع نجوم كوميديين في العالم، ككريستيان كلافيه في فرنسا، الذي حفظنا حركاته وتعبيراته وتعابيره وردود فعله. أمثال هؤلاء ينتهي بهم الأمر دائماً إلى التكرار، حتى لو كان الممثل "زعيماً" في أدائه.

لقب الزعيم لبس عادل إمام، كما يبدو، بسبب جملة نطق بها في "الزعيم" (1993) لشريف عرفة. لكنّ "مدرسة المشاغبين" صاحبة الحق في إعطائه هذا اللقب، قولاً وفعلاً، إذْ قال فيها: "أنا الزعيم الأباصيري، في اسكندرية مفيش غيري". مع التحفّظ على الألقاب الممنوحة للممثلين والممثلات، بدا هذا لائقاً تماماً على إمام، في الـ"مدرسة". لكنّه تلبّسه على نحو بات معه أي انتقاد له ولأفلامه مشكلة عويصة في النقد العربي. إذْ يجب عدم المسّ بـ"الزعيم"، بأشكاله وتنويعاته المحدودة. هذا نوع من تقديس وتبجيل مُبالَغ فيه، يصبغه عالم عربي على فنانين، والنوع يقف عائقاً أمام رؤية موضوعية. الأجدى إرفاق الحبّ بالنقد، والإعجاب بمُشاهدة العيوب، والحثّ على التجديد.

في فرنسا، تُطلق ألقاب على كبار في السينما الفرنسية، كجيرار دوبارديو، الذي يحظى بإعجاب جماهيري وإعلامي ساحق، قبل انقلاب الحال عليه هذه الأيام، والذي يوصف بأنّه "وحش مُقدّس" (بمعنى أسطوري). لكنّ هذا اللقب لا يمنع النيل منه، وانتقاده اللاذع، والهجوم عليه، حين يستدعي دورٌ له ذلك كلّه. إنْ كان هذا يحدث اليوم لأسبابٍ أخلاقية، فإنّه تمّ أيضا لأسباب فنية.

يُمكن اعتبار عادل إمام، بلا شك، مرجعاً في الفن الكوميدي العربي، فهو محبوب الجماهير العربية وملجأها للخروج من الواقع اليومي الشاق والبائس. أما "الزعيم"، فلقبٌ يُثير حساسيات لدى البعض في العالم العربي، يُذكّر بواقع سياسي متردٍّ.

المساهمون