شهور قليلة تفصلنا عن موسم دراما رمضان 2023 الذي ــ بحسب معظم التوقعات والمؤشرات ــ سيكون موسماً صعباً على سوق المسلسلات المصرية، وقد يشهد تغييرات طارئة يترتب عنها نتائج مؤثرة في طبيعة العملية الإنتاجية المعتادة في السنوات الأخيرة بفعل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر، والتي من المتوقع أن تلقي بظلالها على شكل سوق الدراما والإعلانات المُحتكر من قبل الدولة من خلال شركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
أول الدلائل على تأثير الأزمة المالية على شكل صناعة المسلسلات في مصر وموسم رمضان 2023، هو عدم إعلان خريطة المنافسة والمسلسلات المقرر عرضها العام المقبل حتى الآن، رغم تبقي ما يقارب 5 أشهر فقط على شهر الصوم، وهي المدة التي يستغرقها تصوير مسلسل رمضاني مكون من 30 حلقة. وحتى الآن لم تدخل أغلب المسلسلات المصرية مرحلة التصوير أو التحضيرات النهائية، وما زالت في مرحلة المشاورات والاجتماعات لاختيار الأعمال والنجوم المشاركين في السباق.
اعتادت صناعة الدراما في مصر على التأخر في التحضيرات لمواسم رمضان، حتى أن معظم المسلسلات يستمر تصويرها حتى الأيام الأخيرة من عرضها على الشاشة، ونشأت هذه العادة من انتظار صناع المسلسلات بيع حقوق العمل وتسويقه على الفضائيات قبل تصويره. ولكن هذه المرة التأخير قد يصبح أطول بسبب الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على قدرات منصات العرض على شراء المسلسلات بسبب عدم ضمان سوق الإعلانات المتأثر بالأزمة الاقتصادية.
اعتادت صناعة الدراما في مصر على التأخر في التحضيرات لمواسم رمضان
أحد صناع مسلسلات رمضان المرجح عرضها في 2023 شرح، لـ"العربي الجديد"، كيف ستؤثر الأزمة المالية على شكل الموسم الدرامي المقبل، وقال إن معظم صناع الدراما حالياً في مرحلة المفاوضات مع قيادات الشركة المتحدة من أجل الاستقرار على الأعمال الجديدة، ولفت إلى أنه توقف عن العمل في عدة مشاريع في الأشهر الأخيرة بسبب عدم وضوح الرؤية الإنتاجية وعدم الموافقة عليها من المتحدة للخدمات الإعلامية، إما بسبب تكلفتها الإنتاجية العالية، أو عدم ملاءمتها للأهداف السياسية والاجتماعية التي تريدها الدولة من المسلسلات. كشف المصدر أنه حضر عدة اجتماعات من هذا النوع أخيرًا، ولكن من دون نتائج واضحة حتى الآن، وتوقع أن أول تأثيرات الأزمة الاقتصادية سيكون في عدد المسلسلات التي قد لا تزيد عن 10، تنتجها المتحدة للخدمات الإعلامية، أو تشارك في إنتاجها وعرضها، بعد 14 مسلسلاً للشركة الموسم الماضي، لأن التقديرات تكشف تراجع حجم الإعلانات. وأكد أن الأولوية في الموسم الجديد للأعمال التي ستباع على القنوات والمنصات، لذلك فإن الممثل الوحيد الذي ضمن مقعده في موسم 2023 هو محمد رمضان بمسلسل "العمدة" لأنه مطلوب على منصة شاهد VIP.
مصدر آخر من العاملين في الشركة المتحدة دلل لـ"العربي الجديد" على تأثير الأزمة الاقتصادية متسائلاً: "أين المسلسلات التي تعرض خارج موسم رمضان؟" واعتبر المصدر عدم عرض مسلسلات للشركة بعد انتهاء موسم رمضان دليلاً واضحاً على تأثير الأزمة المالية وغياب المعلنين. واكتفت الشركة بعرض مسلسل "'طير بينا يا قلبي" أخيرًا، كمشاركة في إنتاجه، وهو عمل ذو تكلفة منخفضة وبطولة عدد من الفنانين الشباب، وبدأ تصويره قبل اشتداد الأزمة المالية، وغابت المسلسلات الرئيسية والطويلة التي تخدم توجهاتها الاجتماعية مثل سلسلة "إلا أنا" و"زي القمر" وغيرها، حتى أن قناة DMC التابعة لها أعادت عرض مسلسلات قديمة على شاشتها في الفترة الحالية، مثل "أبو العروسة".
بالعودة إلى المصدر الأول الذي كشف عن ملامح موسم رمضان المقبل من وحي حضوره اجتماعات قيادات الشركة، فقد قال إن هناك إنكارا داخلها بوجود أزمة مالية، ولا يتم الحديث عن هذا الأمر بحجة عدم دخول الدولار في صناعة المسلسلات، ويتوقع أن الدولة بالفعل لن تترك ملف الإعلام والمسلسلات، وتحاول توفيق أوضاعها من خلال عدة قرارات، منها اختيار مجموعة قليلة من المسلسلات التي تغطي معظم الأنماط الدرامية، والاعتماد على النجوم الرئيسيين فقط مثل أمير كرارة ومحمد رمضان ويسرا وغيرهم.
بالإضافة إلى توسع "المتحدة للخدمات الإعلامية" للمشاركة في الإنتاج مع منتجين آخرين، مثل عودة المنتج كامل أبو علي للإنتاج أخيرًا، وقد ينتج مسلسلاً لمصطفى شعبان بعنوان "بابا المجال"، وعودة المنتج أحمد السبكي بمسلسل "رمضان كريم 2"، إضافة إلى استمرار شركة العدل جروب التي من المتوقع أن تكتفي بنجومها المفضلين يسرا ونيللي كريم فقط، وهناك حل آخر بتواجد أعمال لم تعرض في موسم رمضان الماضي، مثل مسلسل منى زكي "لام شمسية" ومسلسل "عالم موازي" لدنيا سمير غانم، مما يحل أزمة قلة عدد المسلسلات. ولكن المصدر اعتبر هذه الحلول غير حاسمة ولن تخفي آثار الأزمة الاقتصادية التي ستظهر بوضوح بعد انتهاء موسم 2023 في حال عدم تحقيق إيرادات من الإعلانات تغطي تكلفة الإنتاج.
هناك توجه جديد في صناعة الدراما المصرية، بوجود مسلسلات تدور أحداثها في أزمان قديمة، ويرى المصدر أن هذه الأعمال تبدو حلاً سحرياً للتغلب على أزمة الرقابة على الموضوعات الدرامية العصرية، وترفع الحرج على "المتحدة للخدمات الإعلامية" التي تزيد تدخلاتها في حال كان المسلسل يعرض قصص واقعية، خوفاً من مساءلة القيادات الأمنية.
لذلك، سيؤدي ياسر جلال شخصية "شهريار" في مسلسل "ألف ليلة وليلة" العام المقبل، بعدما جسد شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي في مسلسل "الاختيار 3" الموسم الماضي. وسيقدم كريم عبد العزيز مسلسل "الحشاشين" مع المخرج بيتر ميمي، بعد مشاركة الثنائي في "الاختيار" أيضاً. ويقدم الضلع الثالث من نجوم المسلسلات الوطنية، أمير كرارة، مسلسل "سوق الكانتو" الذي تدور أحداثه في فترة الأربعينيات تقريباً.
وكشف المصدر أن هذه النوعية من المسلسلات لديها ميزة أخرى لكونها أصبحت غير مكلفة إنتاجياً، بسبب وجود ديكورات وملابس قُدمت في عدة مسلسلات، أخيرًا، مثل "جزيرة غمام" و"الفتوة" و"موسى"، لذلك فلن تكون هناك تجهيزات ضخمة جديدة، ولفت إلى أنه حتى الآن لم تستقر الدولة على تقديم مسلسل وطني وسياسي بعد انتهاء سلسلة "الاختيار" و"العائدون" الموسم الماضي، وأن هناك مشاورات لتقديم عمل مخابراتي يكون الممثل الوحيد لهذه النوعية في الموسم الجديد، ولكن هناك تردد في تقديمه الموسم المقبل، فهل سيمر موسم رمضان 2023 بدون مسلسلات سياسية لأول مرة بعد 5 مواسم متتالية؟