أعلن المحامي والوزير التونسي السابق، سمير ديلو، أن المحكمة العسكرية في البلاد قضت مساء الثلاثاء بسجن الصحافي صالح عطية 3 أشهر.
وأفاد ديلو، عبر حسابه في موقع فيسبوك، بأن التهم التي وجهت إلى صالح عطية هي "المسّ من كرامة الجيش الوطنيّ وسمعته والقيام بما من شأنه أن يُضعف في الجيش روح النّظام العسكريّ والطّاعة للرّؤساء"، و"نسبة أمور غير قانونيّة لموظّف عموميّ من دون الإدلاء بما يُثبت صحّة ذلك"، و"الإساءة للغير عبر الشبكة العمومية للاتصالات".
وأضاف أن 12 محامياً رافعوا دفاعاً عن الصحافي، رافضين محاكمته أمام القضاء العسكري باعتماد نصوص قانونية غير المرسوم 115 المنظم للقطاع الإعلامي في تونس.
صالح عطية أودع السجن يوم 13 يونيو/حزيران 2022 بأمر من النيابة العسكرية بعد مشاركته في برنامج سياسي يبث على قناة الجزيرة الإخبارية، أعلن فيه أن أحد قياديي الاتحاد العام التونسي للشغل، كبرى المنظمات النقابية التونسية، أعلمه بأن الرئيس التونسي قيس سعيد أمر الجيش التونسي بمحاصرة مقار الاتحاد، وهو ما لم تستجب له القيادة العسكرية. وأصدر الاتحاد العام التونسي للشغل، يوم 14 يونيو/حزيران 2022، بياناً نفى فيه تصريحات صالح عطية.
قال عطية أيضاً إنَّ الجيش رفض طلباً من سعيّد بوضع قادة سياسيين لم يذكر عطية أسماءهم قيد الإقامة الجبرية.
وفتحت المحكمة تحقيقاً ضد عطية بتهمة "حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب على التراب التونسي"، و"النسب إلى موظف عمومي أموراً غير قانونية من دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك"، و"تحقير الجيش"، و"تعمّد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات". وعند افتتاح محاكمة عطية، في 26 يوليو/تموز، أسقط القاضي تهمة التحريض على العنف المسلح التي تفرض عقوبة الإعدام، لكنه أبقى على التهم الثلاث الأخرى.
وصالح عطية هو من بين أبرز المعارضين السياسيين لسعيّد الذين استهدفتهم السلطات بالتحقيق، أو الملاحقة القضائية، أو حظر السفر أو الاحتجاز التعسفيَيْن، منذ أن استولى الرئيس التونسي على سلطات طوارئ كاسحة في 25 يوليو/تموز الماضي.
وفي هذا الإطار، قالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، آمنة القلالي، إن "السلطات التونسية لها مطلق الحرية في الاعتراض على ما تنشره وسائل الإعلام عنها والتصدي له من دون اعتقال الصحافيين وملاحقتهم قضائياً. وعلى أي حال، لا ينبغي أن يواجه أي مدني المحاكمة أمام المحاكم العسكرية التونسية. ويجب أن تتوقف هذه المهزلة بحق العدالة".
وأضافت القلالي، في بيان نشرته المنظمة الثلاثاء، أنه "في حين تعهد سعيّد في أكثر من مناسبة بدعم حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير، فإن اضطهاد السلطات لصالح عطية يبعث برسالة إلى الصحافيين مفادها أنَّ تغطية أخبار الرئيس ومؤسسات الدولة قد تنطوي على مخاطر. يتعين على السلطات الإفراج فوراً عن صالح عطية وإسقاط التهم الزائفة الموجهة إليه".
وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد أعلنت عن تخوفها من تراجع حرية الصحافة في البلاد بعد الوضع الاستثنائي الذي فرضه سعيّد. وتراجعت تونس في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تعده المنظمة 21 نقطة، لتحتل المركز 94 للعام الحالي، بعد أن كانت في المرتبة 73 العام الماضي. بدأ اعتماد هذا التصنيف منذ 2013، وهو يعتمد 7 معايير: التعددية والاستقلالية والشفافية والإطار التشريعي والتنوع والبنية التحتية وقياس الانتهاكات، ويشمل 180 دولة.
وقال حينها نقيب الصحافيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، إن "هذا التراجع كان بسبب (التراجع في) مناخ الحريات ومناخ عمل الصحافيين ويتحمل فيه النظام المسؤولية الكاملة". وأضاف أن "هذه المؤشرات (تراجع تصنيف تونس) ازدهرت منذ 25 يوليو (2021) إلى اليوم، لكن التراجع الفعلي بدأ منذ انتخابات 2019 مع صعود التيارات الشعبوية".
وتابع: "كنت قد تحدثت طيلة أشهر عن أن التضييقات على حرية الصحافة وحق النفاذ إلى المعلومة سيؤدي حتماً إلى هذا التراجع. تصنيف تونس كان سيئاً في السابق، واليوم صار أسوأ بكثير".
وعزا الجلاصي التراجع في التصنيف إلى "السياق السياسي والتعامل السيئ من قبل السلطة مع المشهد الإعلامي وضمان حرية الصحافة والتعبير". كما أرجعه إلى "المحاكمات والاعتداءات على الصحافيات والصحافيين خاصة أثناء أدائهم لمهامهم، وإيقاف صحافيين في قضايا نشر، واستمرار محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وحملات التهديد والتحريض الممنهجة ضد الصحافيين على وسائل التواصل الاجتماعي".
وفي السياق نفسه، أعربت وزارة الخارجية الأميركية، العام الماضي، عن قلقها إزاء التقارير التي تشير إلى محاكمة صحافيين تونسيين في محاكم عسكرية. جاء ذلك في إفادة صحافية للمتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، قال فيها: "قلقون حيال التقارير الواردة من تونس إزاء محاكمة صحافيين في المحاكم العسكرية إضافة إلى أوضاع حقوق الإنسان".
وأضاف أن واشنطن "تدعو الرئيس التونسي إلى العودة للمؤسسات الشرعية". وأشار إلى أنه "من الضروري أن تفي الحكومة التونسية بالتزاماتها باحترام حقوق الإنسان وفقاً للدستور". جاءت تصريحات برايس في أعقاب إغلاق قوات الأمن التونسية قناة الزيتونة الخاصة، ومحاكمة صحافيين، بينهم عامر عيّاد، أمام القضاء العسكري.