حكايات ممسرحة عن معاناة الشباب في ضواحي القدس

06 أكتوبر 2023
أقيم العرض في مسرح مؤسسة القطان في رام الله (العربي الجديد)
+ الخط -

لا يمكن فصل الواقع السياسي عن تفاصيل حياة الفلسطينيين، وهو ما يتضح بشكل جليّ في المناطق التي تعاني من جدار الفصل العنصري أو الحواجز العسكرية الإسرائيلية، أو تلك القريبة من القدس، وتتبع شكليّاً بلدية الاحتلال فيها، بينما هي خارجها جغرافياً، وخارج جميع السلطات، كحال بلدة كفر عقب.

هذا هو الموضوع الأساسي لعرض الحكايات الممسرحة "كفر عقب القدس وبالعكس"، الذي أنتجته مؤسسة دالية واحتضنه مسرح مؤسسة عبد المحسن القطان في مدينة رام الله، وهو من تقديم شابات وشبان من كفر عقب البلدة القريبة من القدس، والتي يقطنها الكثير من المقدسيين كي لا يفقدوا بطاقاتهم الشخصية الزرقاء.

تؤمن هذه البطاقات حق إقامتهم في المدينة التي يسعى الاحتلال إلى كنسهم منها، باعتبار أن من يقيم خارج حدود بلدية القدس الإسرائيلية تُسحب منه هويّته الزرقاء، علماً بأن البناء أو التوسعة للفلسطينيين على أراضيهم التي يملكونها أمر شبه مستحيل، بسبب سياسات الاحتلال في استصدار تصاريح البناء في المدينة المقدسة.

وعلى الرغم من تطرّق المؤدّيات والمؤدين لهذه الإشكاليات التي يعاني منها الكثير من المقدسيّين، إلّا أنّ القراءات المسرحية التي لم تخل من أداء غير متكلف، لم تغفل عن العديد من القضايا المجتمعية التي لا تنسحب فقط على بلدتهم، بل على كل أو الغالبية العظمى من ضواحي القدس وفلسطين عامة، وربّما الدول المحيطة، فيما تنحو في مقاطع منها نحو قضايا إنسانية الطابع.

وفي هذا الإطار تحدثت الشابات عن التحرش بأنواعه، داخل المركبات العمومية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال حكاية الفتاة المحجبة التي أرسل لها من حساب مجهول صور وفيديوهات لها بلا حجاب، وكذلك عن التفرقة في تعاطي الأهل بين الذكر والأنثى ليس مجتمعياً فحسب بل داخل العائلة، والتنمر في مدارس الفتيات ومجتمعاتهن في المدرسة وخارجها، علاوةً على التأثيرات النفسية لامتحان "الثانوية العامة" وما بعدها.

أمّا الشبّان فتحدثوا عن فوضى السلاح وانتشار المخدرات عبر حكاية "عيسى السريع" الذي بدأ يعمل في خدمة توصيل لينتهي به الأمر من دون أن يعرف كناقل للمخدرات (ديلر)، وكذلك عن مفهوم الرجولة خاصة لدى المراهقين، إضافةً إلى الاكتظاظ السكاني وعشوائية البناء في المنطقة التي تخلو من أي شرطي، "ففي كفر عقب كل شي بيمشي عكس السير".

وتميّز العمل بجرأة الطرح والبوح الشفّاف، وملامسته لـ"تابوهات" من دون فجاجة، ومن باب التساؤل، مثلاً عن ماهية "العيب" كتوصيف عام لا ضوابط له، وكذلك "تحريم" ما هو "ليس مُحرّماً"، وليس بعيداً عن خوف يعتري الشباب من الجنسين جرّاء الاقتحامات المتكررة لجيش الاحتلال أولاً، ولطبيعة المنطقة الملأى بفوضى في مجالات عدّة، وفي أكثر من اتجاه.

وقال الفنان عيد عزيز، المشرف على تدريب الشابات والشبّان المشاركين في العرض، لـ"العربي الجديد"، إن العرض قراءات مسرحية مبنية على تجارب نقلها الشباب أنفسهم من الجنسين، بناء على حوارات مكثفة ومتواصلة معهم، إضافة إلى الاتكاء على بحث لمؤسسة دالية في ذات الاتجاه، والعمل على مزجه بحكايات مجسّدي العرض، وتحويله إلى عمل مسرح.

وأكد عزيز أن "ما يحدث في كفر عقب ينسحب على الكثير من ضواحي القدس، وربما أحياء القدس، وإن بصيغ مختلفة، والعرض تعبير عمّا يعيشه الشباب بشكل شبه يومي... ما يواجهونه في الحياة، وعلى أرض الواقع صعب بسبب الاحتلال وغير الاحتلال، لذا كان القرار بتحويله إلى قصص وحكايات ممسرحة كي تظهر الصورة جليّة وأكثر وضوحاً".

ولفت عزيز إلى أن التدريبات تواصلت على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، مضيفاً: "لم يكن هدفنا صناعة ممثلين بقدر ما كان هدفنا رواية الحكاية أو جزء منها، وهو ما قدّمناه في هذا العرض التجريبي على أكثر من صعيد، أهمها أنه شكّل مساحة ليخرجوا من منطقة الصمت، وليقدموا أصواتهم لتعكس الواقع بشكل لافت ومهم يجب البناء عليه والاستثمار فيه".

المساهمون