الدراما العربية... الذكاء الاصطناعي وكتابة السيناريو

12 اغسطس 2024
خالد أبو النجا: الذكاء الاصطناعي يبسّط ويسهّل عمل الكاتب (فرانس برس)
+ الخط -

هل دخلت الدراما العربية عصر الذكاء الاصطناعي؟ وهل سنشاهد قريباً نصوصاً وسيناريوهات مكتوبة بهذه التقنيات من دون أي تدخّل بشريّ؟ يبدو هذان السؤالان مشروعين، في ظل التطور الكبير والسريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التي اجتاحت قطاعات فنية عدة في العالم: من تصميم الغرافيكس إلى إنتاج الموسيقى، وتقليد أصوات الشخصيات. كما انتشرت منصات وتطبيقات وبرمجيات تعد مستخدميها بالعمل السهل، والنصوص الخلاقة والسيناريوهات الفريدة التي لا تحتاج إلى مجهود شبيه بذاك الذي يبذله كتّاب السيناريو في التحضير للأفلام والمسلسلات.

في الثاني من مايو/أيار 2023 دخل كتّاب السيناريو في هوليوود في إضراب مفتوح، شارك فيه أكثر من 9000 كاتب، احتجاجاً على ظروف عملهم، ومن بينها عدم تأطير استخدامات الذكاء الاصطناعي وقوننتها في الكتابة. فهل يشهد العالم العربي موجة مشابهة من الاحتجاجات، خصوصاً بعدما دخلت هذه البرمجيات عوالم فنية عربية كثيرة، أبرزها الموسيقى؟

يقول الممثل المصري خالد أبو النجا في حديث مع "العربي الجديد" إن وجهة نظره تعتمد على مستويَين، أحدهما تقني هندسي كونه مهندساً في الأساس، والآخر فني بوصفه ممثلاً على اتصال وثيق بكُتّاب السيناريو واستوديوهات الإنتاج التي بدأت بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي بدلاً من الكُتّاب.

في الشق الأول أي التكنولوجيا، يقول أبو النجا إن الموضوع قائم على "التعلم الرقمي الإحصائي"، وهي تغذية مصفوفات (مدخلات) رقمية على الحاسب الآلي، ومنها على مصفوفات الذكاء الاصطناعي، أي أن التغذية تتم عن طريق إعطاء المصفوفات جمل موجودة بالفعل وكتبت مسبقاً. هذه المصفوفات تعطي نتيجة إيجابية بنسبة عالية للجمل الصحيحة، وسلبية للجمل غير الصحيحة، وبعد تدريب طويل نسبياً تصل إلى القدرة على التمييز بين الجمل غير الصحيحة لغوياً، أو منطقياً، والجمل الصحيحة والتي تشبه ما نكتبه إلى حد كبير جداً. ويضيف أنه يمكن ملاحظة أن تلك المصفوفات، لن تستطيع أن تتنبأ بما سوف نكتبه في المستقبل، حيث إن التعلم يحدث بالجمل الموجودة والتي تمّت تغذية المصفوفات بها من قبل، من دون وجود قدرة على "ابتكار" جمل جديدة. ويتابع: "ليس ذكاء أو فهماً بالعرف الإنساني، لكنه حفظ وتركيب من أمثلة قدمناها للجهاز، والتي هي أمثلة من صنع الإنسان".

أما بخصوص الشق الفني، فيرى أبو النجا أن الذكاء الاصطناعي يبسّط ويسهّل عمل الكاتب، ويقلل وقت بداية الكتابة حيث يقدم محتوى مبدئياً للكاتب إن شاء، إلا أن هذا المحتوى لن يكون " ابتكاراً" أو خلقاً أصيلاً للكاتب، بل بالعكس قد يكون هذا المحتوى الذي قدمه الذكاء الاصطناعي أسهم في تقليل الخيال، "فلا بد أن نتذكر دائماً وأبداً، أن المحتوى الذي يقدمه للكاتب ما هو إلا تراكيب مختلفة لما كتبه كتاب من قبله، الذكاء الاصطناعي يقدم أدوات لتغيير قواعد اللعبة لتبسيط البحث والتحرير وتوليد الأفكار، لكنه غير قادر على تكرار الذكاء العاطفي والإبداع لدى البشر". لهذا يعتقد أبو النجا أن المستقبل بيد الإنسان وليس الآلة.

السيناريست المصري هشام هلال يؤكد أنه لم يستخدم الذكاء الاصطناعي، ويرى أن البرمجيات في تطور دائم ومستمر، وأنها قد تكون مساعداً قوياً وفعّالاً، وفي الوقت نفسه يذكّر أنه "في البدء كانت الكلمة" أو الفكرة لدى الكاتب، قائلاً "في استطاعتنا الاستفادة من هذه التقنيات، عن طريق طلب المساعدة في تطوير الفكرة وتنقيحها، أو طلب اقتراحات لتطوير السيناريو، أي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل عدد كبير من الكتاب في ورش الكتابة مثالاً، نظراً إلى السرعة والقدرة على تقديم أفكار كثيرة". ويضيف: "لكن البداية والنهاية هي عند العنصر البشري أي الكاتب، دور الآلة لاحق للفكرة نفسها، لأنها لن تستطيع تقديم فكرة أصلية من تلقاء نفسها، فلا بد من مدخلات حتى يقوم الذكاء الاصطناعي بتشغيلها".

السيناريست محمد إسماعيل يعترف أنه يتعامل مع الذكاء الاصطناعي أحياناً، يستخدمه بأسلوب "العصف الذهني" كما في ورش الكتابة، أي وسيلة لطرح خطوط وأفكار وتطوير للفكرة الأصلية للعمل الدرامي. ولا يخشى على مصير العنصر البشري، بل يعتقد أنه لن يستطيع أن يحل محله، "فقط سيتم تقليل الأعداد في ورش الكتابة"؟

بينما يعتبره، السيناريست وائل حمدي، عنصراً جاذباً للمنتجين كونه الأكثر توفيراً، لكنه يطرح علامات استفهام حول حدود تطوّر الذكاء الاصطناعي وقدراته. لكن آفاق هذه البرمجيات تبدو حتى الساعة قليلة التأثير على العنصر البشري بحسب رأيه، "الصحافيون والكتّاب لا يزالون يبحثون ويجمعون المعلومات، ويدقّقون فيها، من ثم لا أرى أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على مهنة الكتابة. مثلاً سبق أن قرأت سيناريوهات كتبتها الآلة، وأؤكد أنها لا تزال منتجات ركيكة ورديئة، ومستواها يشبه مستوى كتابة الأطفال، أي قص ولصق، وأظنّ أن الوضع سيبقى هكذا".

ولعلّ التخوفات الكبيرة من الذكاء الاصطناعي في العالم العربي، تعود إلى عدم وضوح استخداماته، وغياب أي ورش عمل وتدريبات حول الموضوع في عالم الفن، سواء في الإنتاج الدرامي أو السينمائي أو حتى العالم الموسيقى. وبينما تعمل الجهات المختصة والوزارات والنقابات في الغرب على وضع قوانين تخلق توازناً بين العنصر البشري وتدخّل الآلة، ما يتيج الاستفادة من التطور التكنولوجي من دون الاستغناء عن الإنسان، لا تزال القوانين في العالم العربي بعيدة تماماً عن تأطير عمل هذه التقنيات.

المساهمون