العلاقة ما بين ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والإعلام، قصة طويلة ومعقدة، إذ إنه مع اندلاع شرارة الثورة الأولى، وامتدادها بعد ذلك، اندلعت شرارات إعلامية موازية كثيرة حاولت مواكبة الحدث واستغلاله في تحقيق الانتشار، وفي الوقت نفسه انطفأت منصات إعلامية أخرى، وتوارت بعيدًا.
قصص صعود وهبوط كثيرة لمنصات إعلامية، ارتبطت بانفجار الثورة الشعبية التي أطاحت حكما ديكتاتوريا استمر لثلاثين عامًا، وجعلتها محط أنظار العالم، بينها قصص لمؤسسات نشأت خصيصًا لمواكبة الحدث ومحاولة التأثير فيه سلبًا أو إيجابًا، انتهى بعضها إلى التلاشي، بينما حظر البعض الآخر، وآلت البقية الباقية إلى قبضة النظام الذي أضحى يتحكم في أغلب وسائل الإعلام في مصر.
"دريم"
كانت مجموعة قنوات "دريم" التي أسسها رجل الأعمال الراحل أحمد بهجت، أولى القنوات المصرية الخاصة، والتي كانت تبثّ من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي، وهي الميزة التي لم يتمتع بها الآخرون، ضمن وسائل إعلامية أخرى خاصة، بحسب ما يراه خبراء، سببًا من أسباب اندلاع الثورة على مبارك. إذ كانت تقدم برامج ذات نبرة معارضة، وكانت تستضيف كوادر في تيارات سياسية معارضة، لعرض وجهة نظرها من النظام، الأمر الذي ساهم في تشكيل الوعي لدى الجماهير، وذلك من خلال برنامج مثل "العاشرة مساءً" والذي كانت تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، وبرامج أخرى.
ولكن مع اندلاع الثورة، اتخذت قناة "دريم" موقفًا محايدًا وأخذت في تخفيف النبرة ضد نظام مبارك، وظهر ذلك حتى في برنامج "العاشرة مساءً" والذي كان يعتبر برنامج الـ"توك شو" الأول في مصر، عندما بكت المذيعة منى الشاذلي بعد "خطاب مبارك" الشهير الذي تعهد فيه بعدم الترشح للرئاسة مرة أخرى، في محاولة لإخماد الثورة.
احتفظت "دريم" ببعض قوتها من خلال برنامج "صباح دريم" التي كانت تقدمه المذيعة دينا عبد الرحمن، المحسوبة على ثورة يناير 2011، لكنها انتقلت إلى قناة "التحرير" لفترة بسيطة، ومنها إلى قناة "سي بي سي".
أخذت "دريم" بعد ذلك في الخفوت تدريجيًا، مع ترك المذيعين الرئيسيين للقناة وانتقالهم لقنوات أخرى، ومع الضغط الذي مارسه نظام السيسي على رجل الأعمال أحمد بهجت قبل وفاته للاستحواذ على القناة، حتى أصبحت الآن قناة ضعيفة دون مشاهدات.
"أون تي في"
بينما كانت قناة "دريم" تتراجع تدريجيًا بعد ثورة يناير، أخذت قناة "أون تي في" المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، في الصعود، لا سيما مع انضمام شخصيات محسوبة على الثورة مثل المذيعين يسري فودة، وريم ماجد وغيرهما، ما أعطى زخمًا للقناة في مواكبة أحداث الثورة، وتبني موقف القوى الليبرالية في مواجهة المجلس العسكري الحاكم آنذاك، لكن الأمر لم يستمر كثيرًا، حيث خففت القناة من حدة النقد، وغادرها نجومها من المذيعين بالتدريج. وكان من بين أشهر مذيعي القناة أماني الخياط، وجابر القرموطي، ويوسف الحسيني، وإبراهيم عيسى.
كما عملت القناة على استقطاب شباب من نجوم من الميدان وقتها لتقديم برامج مثل عضوي ائتلاف شباب الثورة، ناصر عبد الحميد، وخالد تليمة. وأطلقت مجموعة قنوات "أون" لمناسبة الثورة أيضًا قناة "أون لايف" والخاصة بالتغطيات الحية من كل محافظات مصر، ونجحت القناة في تغطية أحداث مهمة كحادث قطار الصعيد 2012، لحظة بلحظة، ما أكسبها زخمًا وتأثيرًا بالشارع.
"التحرير" و"25"
مشهد الملايين في ميدان التحرير شجع عاملين بمجال الصحافة والإعلام على الاستثمار في الحدث، وإنشاء مؤسسات إعلامية تتحدث بلسان الثورة. وكان من بين هذه المشروعات قناة "التحرير الفضائية" وهي قناة تلفزيونية أسسها الصحافي والمذيع إبراهيم عيسى، بمشاركة بعض رجال الأعمال والصحافيين، ولكن سرعان ما باعها عيسى، وانتهت الآن إلى أن تكون قناة "تن" المملوكة لرجل الأعمال والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان.
مشروع آخر انتهى قبل أن يبدأ وهو قناة "25" التي أسسها الإعلامي محمد جوهر، والذي كان يطمح من خلالها إلى تقديم تجربة إعلامية جديدة، وكانت أولى القنوات التي تخرج من ميدان التحرير وتحمل روح الثورة في مبادئها ورؤاها، وكانت تعتمد في إدارتها الفنية والتنفيذية على شباب الثورة من ميدان التحرير والذين لم يسبق لهم العمل الإعلامي على الإطلاق. وقال جوهر وقتها إن "هدف القناة يرتكز على ضبط معايير التغيير في مصر بعد الثورة والتي تقوم على تحقيق مطالب الثورة وهي التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية".
"سي بي سي" و"النهار"
تأسست القناتان بعد الثورة مباشرة، الأولى على يد رجل الأعمال، المحبوس حاليًا بتهمة الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي على قاصرات، محمد الأمين، والثانية على يد رجل الأعمال علاء الكحكي. وكانت المؤسستان بمثابة ذراع المجلس العسكري لاختراق الثورة.
نجحت "سي بي سي" في إنتاج برامج زادت شعبيتها مثل البرنامج الساخر الذي كان يقدمه باسم يوسف، وبرنامج "أبلة فاهيتا"، وبرنامج أحمد أمين، وهو ما حقق لها شعبية كبيرة، لكنها كشفت عن وجهها الحقيقي قبل وأثناء الانقلاب، وما بعده، وانتهت أخيرًا إلى قبضة المخابرات بعدما أجبرت الأمين على بيع حصته فيها.
"الفراعين"
كانت القناة الرسمية الموحدة داخل جميع وحدات القوات المسلحة المصرية، بعد اندلاع الثورة، بشهادة الكثير من المجندين الذين خدموا بالجيش خلال تلك الفترة. وكان يديرها المذيع السابق بالتلفزيون المصري، توفيق عكاشة الذي شكل بحد ذاته معولًا لضرب أول تجربة ديمقراطية لانتخاب رئيس للجمهورية، عام 2012، إذ كان يستغل أسلوبه الشعبي في التقديم للتأثير على الطبقات الشعبية، والهجوم على حكومة الرئيس محمد مرسي.
اكتسب عكاشة شعبية، كما أخذ نفوذه في التوسع، حتى أنه بعد نجاح انقلاب الثلاثين من يونيو، أطلق على نفسه "مفجر ثورة 30 يونيو".
ظن عكاشة بعدها أنه أصبح مركز قوة داخل نظام الرئيس السيسي، فوصل به الحال إلى الهجوم في إحدى المرات خلال برنامجه، اللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة، والذراع اليمنى للسيسي، وبعدها مباشرة أغلقت قناة "الفراعين"، وبدأت المشاكل والقضايا تلاحق عكاشة لفترة طويلة.
البقاء لمشروعات المخابرات
لم يتبق تقريبًا على الساحة الإعلامية في مصر، بعد مرور 11 عامًا على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، سوى المنصات الإعلامية التي تتبع بشكل مباشر جهاز المخابرات العامة وتمتلكها المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للجهاز، إضافة إلى بعض المنصات المملوكة لجهاز الشرطة.
فعظم المشروعات الإعلامية القديمة قد انهارت سواء بالإغلاق أو التصفية أو الاندماج مع مشروعات أخرى، مثل قناة "التحرير" وجريدة "التحرير"، وقناة "دريم" التي تحولت إلى كيان ضعيف يبيع مساحات وساعات على الهواء بالإيجار. ولم يتبقَّ سوى المنصات الإعلامية التي أسستها الأجهزة الأمنية منذ اللحظة الأولى، ومنها "الراديو 9090" وموقع "مبتدا" اللذان تأسسا قبيل انقلاب الثلاثين من يونيو 2013، لدعم الانقلاب، من قبل الاستخبارات الحربية التي كان يديرها اللواء عبد الفتاح السيسي قبل أن يعين وزيرًا للدفاع، ثم بعد نجاح الانقلاب، توسعت الأجهزة الاستخباراتية في مشروعاتها وأسست قناة "دي أم سي"، لتصبح هي القناة الرسمية الأولى الآن لنظام السيسي.