فاجأ عدد من مقدمي البرامج التلفزيونية (المنشّطين) المعروفين في المشهد الإعلامي الجزائري، الجمهور، بإعلان ترشحهم إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/حزيران المقبل، في خطوة تبدو متباينة الأهداف، بين محاولة لاستغلال متبادل للشعبية التي حصل عليها هؤلاء للحصول على مقعد في البرلمان، وبين رغبة أحزاب وقوائم مستقلة الاستفادة من شعبيتهم لإقناع الناخبين وزيادة حصتها في المقاعد. ويحاول عدد معتبر من الصحافيين ومراسلون في الولايات الجزائرية خصوصاً استثمار رأس مال رمزي تشكّل لديهم على مر سنوات عملهم في الصحافة من خلال الكتابة عن مشكلات الناس في القرى والمدن، للترشح للبرلمان. وبالنسبة إلى الكثير منهم فإنّ الفرصة مواتية والدوافع متوفرة حالياً.
وانتظر مقدم برنامج "ما زال الحال" الذي كان تنقل بين قنوات "الجزائرية" و"الشروق" و"لينا"، يونس صابر شريف، حتى بدء الحملة لإعلان خوضه الانتخابات البرلمانية في العاصمة الجزائرية عن حزب "جيل جديد"، والذي كان ينشط فيه قبل سنوات. وكتب "حان الوقت كنتو تستناو (كنتم تنتظرونني) ربما في برنامج تلفزيوني، لكن هذه المرة جيتكم ببرنامج مجتمعي وسياسي، أحتاج لمساندتكم ودعمكم لي في قائمة جيل جديد بالجزائر العاصمة". وقال في مداخلات تلفزيونية إنه "ليس عيباً أن يترشح هو وغيره من الإعلاميين والوجوه التلفزيونية، إذ يوجد من بينهم كفاءات عالية وعلاقاتها بالمواطن قوية جدا"، لافتاً إلى أنه "يفضل أن يترشح صحافي أو منشط تلفزيوني يعرف عن قرب هموم المواطن الجزائري في منطقته للبرلمان ويفوز بمقعد، أفضل من مترشحين يستخدمون الأموال الفاسدة".
يرى متابعون أنّ الترشيح يستثمر في الشعبية التلفزيونية
من جهته، أعلن المقدم التلفزيوني فيصل بوعروة، والذي يقدم برامج منوّعة في قناة "البلاد" المحلية بدء حملته الانتخابية. وقال في إعلان ترشحه أنه تقدم للمنافسة التشريعية عن قائمة مستقلة في العاصمة الجزائرية "البهجة"، بسبب "إيمانه بحراك مجيدٍ قام به الشعب الجزائري قبل سنتين ضد الأوضاع السائدة آنذاك في مختلف المجالات، وبفضل الله ومنّته تحقق العديد من النتائج الإيجابية"، على حد قوله. وأكد أنه ترشح "لإتمام الحراك المبارك الذي آن له الأوان أن يأخذ مساره الجديد نحو التغيير من الداخل، والطموح لتجديد في المؤسسات ونحو العمل لبناء الجزائر التي خرجنا من أجلها في 22 فبراير/ شباط 2019 وذلك بهدف أن تكون الجزائر أفضل وأرقى".
وفاجأت مقدمة برنامج فني يبث على قناة "الجزائرية 1"، أنيسة شايب، الجميع بإعلان ترشحها في قائمة لحزب إسلامي يمثل تيار الإخوان المسلمين في الجزائر، "حركة البناء الوطني". ويُعتقد أن يكون الحزب الإسلامي قد أقدم على ترشيحها في مسعى لتقديم صورة الحزب المنفتح وغير المتشدد. وكتبت أنيسة على صفحتها على "فيسبوك" في إعلان بدء الحملة الانتخابية أنها تدرك "قوة التغيير التي تتملكني للمساهمة في واقع أفضل للعيش في عاصمة آمنة مزدهرة نعيد لها بريقها". وذكرت أنها "حفيدة محمد مرزوقي رحمة الله عليه عضو مجموعة 22 المفجرة للثورة المباركة"، وأن عملها في الإعلام زادها اطلاعاً على هموم الشعب، متبنيةً انشغالاتهم لإيصالها إلى أعلى المستويات، ودعت الناخبين إلى مساندتها "لوضع خبرتها المهنية لتمثيلهم".
ويخوض منشط برامج سياسية في قناة "الحياة" المحلية زكي عليلات حملة انتخابية، بعد إعلانه الترشح للانتخابات في ولايته المدية، قرب العاصمة الجزائرية تحت لواء ائتلاف مدني يدعى "الحصن المتين". واعتبر عليلات أنّ خوضه هذه التجربة "سيكون فرصة سعيدة جدًا أن أحتك وأسمع ويسمعني أبناء وبنات ولايتي طيلة 21 يوماً من الحملة الانتخابية، وستكون تجربة بدون شك للتاريخ سواء نجحنا فيها أو لم ننجح، سنحاول أن نخاطب الراجحة عقولهم والمتفتحة أبصارهم، وستكون صدورنا أوسع من رأي يخالفنا او منافس يهاجمنا". ودعا الناخبين الى أن يكون لهم "واسع النظر فيمن هو الأصلح والأنفع للبلاد والعباد".
وتذهب بعض القراءات إلى أنّ ترشح الإعلاميين والمذيعين قد يكون تلاقياً بين رغبة شخصية لهم، مع توجهات أحزاب سياسيّة ورغبتها في الاستفادة مما تعتبرها شعبيّةً للمقدّمين يمكن استغلالها لكسب واستقطاب الناخبين، وهو ما يفسر أحياناً وجود المنشطين كمرشحين مع أحزاب لم تربط أغلبهم بها أية علاقة نضالية سابقاً.
وبغض النظر عن حق هؤلاء المنشطين في الترشح، فإن هناك من يعتقد أنّ بعضهم قد يحاول استغلال الشعبية التي يحظى بها والسمعة التي حصل عليها من خلال تنشيط القبول في البرامج التلفزيونية، للحصول على أصوات الناخبين ومقعد في البرلمان. ويعتبر الكاتب أحمد ملاح في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك تجارب لمنشطي برامج في التلفزيون ترشحوا للبرلمان، نذكر مثلاً منشط البرنامج الشهير ما بين الثانويات، عبد الحق كازيتاني عام 2012، والذي أصبح نائباً في البرلمان". وأضاف "أعتقد أن هؤلاء بصدد استغلال شعبيتهم نسبياً في السياق الانتخابي"، مضيفاً "ليس بالضرورة أن ينجح المنشط في تحويل رصيد شعبي من التلفزيون الى صندوق الانتخابات، الأمر مختلف تماماً، والناخب الجزائري ذكي ويمكن أن يفرق تماماً بين كونك منشطاً تلفزيونياً وبين أن تنوبه في البرلمان، هذا ناهيك عن الموقف العام للناخبين من القنوات وتعتبر أنها صدى لخطاب السلطة".