"حوازيق"... فلنتخيّل أنّ الكوسا محشوّ باللحم

05 ابريل 2022
حتى إعلام النظام لم يعد يتجاهل أوضاع الناس السيئة (محمد سعيد/الأناضول)
+ الخط -

في اليوم الأول من شهر رمضان، تبدأ التلفزيونات والمنصات العربية ببث عدد كبير من الأعمال الدرامية دفعة واحدة، ليجد المشاهد نفسه أمام عدد كبير من المسلسلات، لا يمكن لوقته أن يستوعبها جميعاً. هكذا، يضطر المشاهد إلى المفاضلة بين هذه الأعمال، واختيار عدد محدود منها بالاستناد إلى جولة سريعة يجريها في أول يومين، للتعرف إلى هذه الأعمال واختبارها. لذلك، يولي صنّاع المسلسلات الدرامية اهتماماً بالغاً في الحلقات الأولى، لأنّ المسلسل سيخرج من السباق الرمضاني سريعاً إذا فشلت بدايته بجذب الجمهور، حتى وإن كان يحمل قيماً جمالية وفنية وأفكاراً مهمة في الحلقات اللاحقة.
هذه المعادلة البسيطة التي يمكن لأيّ شخص أن يستنتجها، لا يراعيها عدد كبير من صنّاع الدراما السورية في السنوات الأخيرة، التي تنطلق أعمالها ببدايات باهتة، وتخسر الجمهور وتخرج من السباق في الأمتار الأولى، بسبب الوقت الطويل الذي يُستغرق في التعريف بشخصيات العمل. بالمقابل، فإنّ بعض المسلسلات السورية تفقد الجمهور بسرعة فائقة بسبب البدايات الكارثية التي تُفتتح بها؛ مثال على ذلك مسلسل "حوازيق" للكاتب زياد ساري والمخرج رشاد كوكش. عمل يُقدّم باعتباره مسلسلاً كوميدياً من السياق المتصل – المنفصل، وأضاع الحلقة الأولى بالتعريف بالشخصيات الرئيسية في العمل، التي ستستضيف في نزلها مستأجراً في كل حلقة لتدور حوله الحكاية. هكذا، خلت الحلقة الأولى من أي حدث درامي، واكتفت باستعراض الشخصيات التي لم تتوقف عن الثرثرة.

المشكلة الحقيقية في بداية "حوازيق" تكمن بمضمون الثرثرة والرسائل المباشرة التي تقف خلفها

المشكلة الحقيقية في بداية "حوازيق" تكمن بمضمون الثرثرة والرسائل المباشرة التي تقف خلفها. ففي المشهد الأول، تجلس العائلة في فناء البيت الكبير، أمام مائدة طعام يزينها طبق الكوسا المحشي، لتبدأ الحوارات بامتعاض أحد الأبناء من طبخ الكوسا المحشي من دون لحمة، لتكون هذه الكلمات مدخلاً لتوجيه النقد إليه، لأنه شخص لا يقبل بالموجود، ولتنصحه العائلة بأن يستخدم خياله، ليتخيل بأنّ الكوسا المحشي يحتوي لحماً، بدلاً من "النق"! وتشير إلى أنّ كلّ شيء قد يُفقد بسبب الظروف الصعبة التي يجب أن نتحملها، ومن الممكن أن يضطروا إلى طبخ الكوسا في المستقبل من دون أرزّ أيضاً.
هذا الحوار الذي يدور حوله المشهد الافتتاحي من المسلسل، يحمل رسائل مباشرة للشارع السوري، الذي بدأ صوته يعلو في الفترة الأخيرة بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية، التي أدت إلى سقوط ما يزيد عن 80 في المائة من الشعب السوري تحت خط الفقر؛ لتكون الرسالة إلى الجمهور أن يسكتوا، ويتوقفوا عن "النق" والشكوى، مهما ساءت الأوضاع، التي ستسوء لا محالة. وينتهي المشهد باقتناع الابن المعترض بهذا الرأي، ليبدأ بترديد الكلمات وتحويلها إلى أغنية يدندنها.

سينما ودراما
التحديثات الحية

الرسالة التي يقدمها "حوازيق" بافتتاحيته تتطابق مع التوصيات التي يتفوه بها رجال الدولة على محطات التلفزيون السوري الرسمية، التي باتت غير قادرة على ضبط أصوات الناس في الشارع؛ ليبدو واضحاً أنّ النظام يعود لاستثمار الدراما لتوجيه رسائله وتوجيهاته للمواطنين. لكن، هذه المرة، تبدو الرسالة أقسى من كلّ مرة؛ إذ يطالب الناس بأن يموتوا من الجوع بصمت، من دون أن يشتكوا أو يتمردوا، في الوقت الذي باتت كاميرات إعلام النظام نفسه عاجزة عن تجاهل صور الناس الذين يبحثون عن قوت يومهم في مكبات القمامة.

المساهمون