"الذهاب إلى أميركا"... أفريقيا متخيلة برأس مال "أسود"

18 مارس 2021
كأننا أمام نوستالجيا لمكان غير موجود سوى في مخيلة أغنياء الولايات المتحدة (أمازون)
+ الخط -

بدأت مسيرة الممثل والكوميدي الأميركي، إيدي مورفي (1961) بالتراجع مع بداية العقد الجديد من الألفية الثانية، فأفلامه لم تعد تثير ضجة عالميّة، خصوصاً أن أسلوبه الكوميدي لم يتغير، بالرغم من أنه واحد من أشهر الأسماء، التي تعد قدوة للكثير من الكوميدييّن الحاليين.

أخيراً، بثت شبكة "أمازون برايم" فيلم "الذهاب إلى أميركا 2"، وهو الجزء الثاني من فيلم "الذهاب إلى أميركا"، الذي أنتج عام 1988، ومن بطولة مورفي أيضاً. أكثر من ثلاثين عاماً تفصل بين الفيلمين، لكن للأسف، وكأن شيئاً لم يتغير، فبعض المشاهد والنكات تبدو مبتذلة، ولا تتجاوز التهريج الذي ينتمي إلى الألفية الماضية.

تشبه حبكة الفيلم الحالي، تلك التي نراها في الجزء الأول، لكن عوضاً عن زيارة الأمير الأفريقي "أكيم" إلى كوينز -نيويورك في الولايات المتحدة، يأتي ابن أكيم غير الشرعي إلى مملكة زوموندا، ضمن حيلة يقوم بها أكيم لتزويج ابنه من ابنة غريم أكيم، وذلك درءاً للحرب الأهليّة التي قد تطيح بأكيم. وبالطبع، كما الفيلم الأول؛ فالحب الحقيقي لا يكون عبر زواج تقليدي مرتب له مسبقاً، بل عبر الاستماع إلى القلب.

لن نشير إلى كيف ينتهي الفيلم، لكن سنناقش العالمين اللذين يريد الفيلم وضعهما مقابل بعضهما بعضاً: عالم السود متوسطي الحال في نيويورك، وعالم ملوك أفريقيا الأغنياء والمزركشين، الذين يحاولون الانفتاح على العالم الجديد مع الحفاظ على تقاليدهم.

هذه النسخة من أمراء أفريقيا وممالكها، تشبه تلك التي شاهدناها في فيلم "البانثر الأسود"، وفيلم "الأسود ملكاً"، لكنها هذه المرة متخيّلة كليا، فنحن في مملكة معزولة وسط القارة السوداء، تتمتع بالغنى والخيرات، وتهددها الحرب الأهليّة، وأمراء الحرب الذين يمكن التصدي لهم بالنقاش والزواج العائلي المرتب، أي الحفاظ على النظام الملكيّ. 

هذه "المحمية" المتخيلة التي يزداد ظهورها في صناعة الترفيه، هي محاولة للاحتفاء بالثقافة الأفريقيّة، لكن حقيقة، نحن أمام ثقافة "أميركا السوداء"، لا الثقافة الأفريقية، أي لا وجود لأولئك الذين فعلاً يعيشون هناك ويختبرون الحياة وينتجون ثقافتهم، والأهم لا وجود لمشكلاتهم أو ثقافتهم أو حكاياتهم. 

ما يحصل، أن هناك نسخة متخيلة وتجارية تتم صناعتها من قبل رأس المال "الأسود" في الولايات المتحدة، تتجاهل كلياً "أفريقيا"، وكأننا أمام نوستالجيا لمكان غير موجود سوى في مخيلة أغنياء الولايات المتحدة. هذا العالم يصادر تمثيل السكان الأصليين لأفريقيا، ويفرض عليهم شكلاً يغربهم عن واقعهم وتاريخهم. 

سينما ودراما
التحديثات الحية

يمكن القول إن هناك غسيلاً أبيض يمارسه السود لتاريخ أفريقيا. قد تبدو هذه العبارات مبالغ بها، لكن المملكة المتخيلة، "زاموندا"، تحوي كل أشكال الصناعة الثقافية "الأميركيّة"؛ مسابقات الطبول، موسيقى الراب، الأزياء المبالغ بها خارج وظائفها الطقوسيّة، وغيرها من تلك العناصر التي لا نراها في أفريقيا، التي لم يصور فيها الفيلم. يتركنا هذا أمام سؤال: هل بإمكان جماعة ما إعادة امتلاك تاريخها وحرمان من ما زالوا يختبرون هذا التاريخ من التمثيل؟ 

لا نمتلك إجابة عن هذا السؤال، لكن نحن أمام فيلم رديء مصنوع برأس مال لا يستهان به (60 مليون دولار)، لكنه للأسف لا يحتفي حتى بماضيه، بل يقدم كوميديا هزيلة ومتوقعة، بل تتطابق أحياناً مع الفيلم الأول، ناهيك عن أن البعض وصفه بالكارثة، فلا حبكة ولا أي شكل من أشكال التشويق، وهذا ما يمكن أن نراه في الاستعراضات المتكررة في الفيلم: تهريج، غناء، طبول، أزياء، مشاهير يؤدون أدوارا مختلفة، والتي كلها لا تخدم الحبكة، بل تراهن على فضولنا ومقدرتنا على معرفة من ذاك الذي نألفه ويظهر في هذا الفيلم الرديء، كـ نواه تريفور في دور مذيع الأخبار الوطنية لمملكة زاموندا، أو مورغان فريمان الذي يظهر فجأة بوصفه القائم على عزاء الملك، الذي يموت أمامنا على الشاشة أثناء حفل تأبينه.

المساهمون