"آفنجرز: الحرب اللانهائية"... ملحمة متعجّلة

30 مايو 2018
ثانوس في فيلم "إنفينيتي وور" (يوتيوب)
+ الخط -
أيامٌ قليلة مرّت على بدء العروض الدولية لـ"آفنجرز: الحرب اللانهائية" (Avengers: Infinity War) لجو وأنتوني روسّو، الملحمة الأضخم لشركة "مارفيل"، والجزء الـ19 من نتاجاتها، وإذْ به يُحطّم أرقامًا قياسية عديدة: أعلى افتتاحية في شباك التذاكر (المحلي والعالمي) في تاريخ السينما، إذْ حقّق 257 مليونًا و698 ألفًا و183 دولارًا أميركيًا بين 27 و29 إبريل/ نيسان 2018؛ وأسرع فيلم تتجاوز عائداته مليار دولار أميركي (بين 27 إبريل/ نيسان و25 مايو/ أيار 2018، حقّق مليارًا و849 مليونًا و149 ألفًا و638 دولارا أميركيا كإيرادات دولية). 

لكن اللافت للانتباه، في الوقت نفسه، كامنٌ في الضجّة الجماهيرية الضخمة التي نالها، متجاوزاً بها كلّ فيلم آخر لـ"مارفيل"، وكلّ فيلم منتمٍ إلى سلسلة "الأبطال الخارقين" منذ The Dark Knight (2008) لكريستوفر نولان، إلى درجة أن "آفنجرز: الحرب اللانهائية" احتلّ المركز الـ12 ضمن لائحة أفضل 250 فيلمًا في تاريخ السينما ،المعتَمِدة على تصويت الجمهور، بحسب الموقع الإلكتروني IMDB.

فما هو المفاجئ في هذا الجزء، الذي أبهر جمهور السلسلة إلى هذا الحدّ؟ وهل الفيلم يستحق ـ فنيًا ـ هذا الاحتفاء كلّه؟

يتمثّل جانب من الإبهار في جمع "الأبطال الخارقين" جميعهم لـ"مارفيل" (باستثناء شخصية "الرجل النملة") في فيلم واحد للمرّة الأولى، والتقاء العوالم التي تم التأسيس لها على مدار 18 جزءًا، ومقابلات منتظرة بين "آيرون مان" و"دكتور سترانج" مثلاً، أو "حراس المجرة" حين يأتون إلى الكرة الأرضية بعد مقابلة "ثور"، وعودة "كابتن أميركا" إلى الواجهة بعد اختفائه، وذهاب الجميع إلى "واكندا" (حيث موطن "بلاك بانثر"، الذي حقّق بدوره نجاحًا كبيرًا في فيلمه المنفرد، قبل أشهر قليلة، إذْ بلغت إيراداته الدولية، بين 16 فبراير/ شباط و25 مايو/ أيار 2018، مليارًا و344 مليونًا و286 ألفًا و241 دولارا أميركيا). هذه كلّها تفاصيل جاذبة ومنتظرة للغاية، تمثّل جزءًا من حالة الترقّب، ومن الحملة الإعلامية المركّزة على كونه "أضخم فيلم سينمائي تمّ إنتاجه" (420 مليون دولار أميركي ميزانية إنتاجه).


غير أنّ للانبهار الجماهيري أسبابًا أخرى داخل الفيلم نفسه. فمن أهم مميزاته، القرار الجريء جدًا من شركة الإنتاج "استديو مارفيل" وكاتبي السيناريو كريستوفر ماركوس وستفن ماك فيلي، المتمثّل في جعل البطولة الحقيقية لـ"الأبطال الخارقين" معقودة على الشرير "ثانوس"، الرابط الدرامي الأساسي بين الأحداث كلّها، والشخص الذي يظهر على الكواكب والعوالم المختلفة التي تتنقّل بينها المعارك والمغامرات. كذلك، هناك الغوص في ماضيه وفلسفته ومنطقه، وهي أمور لا تتضمّن ـ كغالبية أشرار الـ"كوميكس" ـ تدمير كوكب الأرض. بل هي نظرة انتقائية جدًا تعتبر أن تدمير نصف الكائنات الموجودة في الكون يسمح للنصف الآخر في أن يعيش بسلام.

ذلك البناء المعتَمِد على فلسفة الشرير ـ وهذا تشابه آخر مع "فارس الظلام"، المعتمد على الـ"جوكر" ـ مفاجئ وقوي فعليًا، خصوصًا مع الأداء الرائع لجوش برولين في شخصية "ثانوس".

السبب الثاني للانبهار حاضرٌ في النهاية الصادمة للفيلم، التي لم تجعل الشرير فقط بطل الأحداث، بل أيضًا المنتصر على أبطال "مارفيل" جميعهم بشكل غير متوقع. صحيح أن الجانب الأكبر من ذلك يتعلق بكون الحكاية كلّها منقسمة إلى جزئين (يصدر الجزء الثاني من "الحرب اللانهائية" عام 2019)، لكن ذلك لا يغيّر من أثر الصدمة المرتسمة على وجوه مشاهديه، وهم يرون النهاية المأساوية للأبطال الذين صاحبوهم أعوامًا مديدة، مع بعض الأثر العاطفي القوي لشخصيات كـ"الرجل العنكبوت" أو "بيبي غروت".

من ناحية أخرى، يعاني الفيلم عيوبًا قاتلة في جوهره. فهو استفاد من جمع الشخصيات كلّها في عمل واحد، لكن ذلك أضرّه بشدّة على المستوى الدرامي، وصنع حالة دائمة من العجلة والتقافز، لأن هناك تفاصيل وعلاقات تحتاج إلى ضعف المدة الزمنية المتاحة لها على الأقلّ، فبدا الأمر كما لو أن شخصًا واحدًا يسرد الملخّص، ولا أحداث تجري. مثلاً: هناك حدث محوري وضخم كموت "لوكي"، لكنه يمرّ عابرًا في الدقائق الأولى. "ثور" يتعرّف إلى "حراس المجرة"، الذين يتوزّعون مهمة كونية في دقائق قليلة ومشهد واحد فقط. هذا ينطبق على المشاهد التأسيسية أو الدرامية كلّها تقريبًا، بل إن بعض نقاط التحوّل الكبير يحدث بسذاجة بالغة، كاللحظة التي يضرب فيها بيتر كويل الشرير "ثانوس"، نتيجة التسرّع والشعور الدائم أن هناك مدة قليلة للانتقال من معركة إلى أخرى.

أمر آخر يتمثّل بقرار غير موفّق فنيًا، وإن يكن فعّالاً جماهيريًا: دمج كوميديا "مارفل" والإصرار على تواجدها مع مأساوية الأحداث. أبرز مثل على ذلك: عدم منطقية ردود فعل "ثور"، الخارج لتوّه من صدمة موت أخيه ودمار شعبه. وفي مشاهد "حراس المجرة" بعد دقائق، يتم التركيز على التفاعل الكوميدي بينهما. وبشكل موازٍ، فإن حضور "دكتور بانر" أو "هالك" فاترٌ جدًا في هذا الجزء بعد غَلبة الكوميديا طوال الوقت. وفي لحظة ملحمية كاقتحام "واكندا"، يحدث شيء مضحك (مفصول عن الدراما تمامًا)، كتعثره بحجر ووقوعه على الأرض؛ وغيرها من الشخصيات والمشاهد التي تمتلك دفعة درامية حادة وخطرة، لكن الإصرار على "النكتة" والإضحاك يقلّل من أثرها، ويجعل الفيلم نفسه طفوليًا إلى درجة كبيرة، رغم ضخامة ما يجري.

نتيجة هذا؟ "الحرب اللانهائية" فيلم ملحمي وكبير وضخم واستثنائي بالفعل. لكن، من أجل ضخّ 23 شخصية رئيسية في ساعتين ونصف الساعة فقط، فإن قرار "مارفيل" والأخوين روسو، مخرجي الفيلم، كامنٌ في التضحية بالمنطق الدرامي في أحيانٍ كثيرة، فإذا بالفيلم ملحمة متعجلة لم تُطبخ على نار هادئة أبدًا.
المساهمون