كيف سيصبح العالم لو توقف البشر عن الكذب؟ هنا أجوبة علمية

01 ابريل 2019
ينخرط بعض الناس في سلسلة من الكذب المرضي المدمر(Getty)
+ الخط -
قبل نحو 500 عام، بدأ الناس في فرنسا الاحتفاء بكذبة 1 إبريل/نيسان، حيث اعتادوا على خداع بعضهم بعضاً عبر اختلاق الأكاذيب، في تقليد شعبي غزا فيما بعد العديد من بلدان العالم. إذا كان تاريخ الاحتفاء بالكذب معروفاً، فمتى عرفت البشرية الكذب؟ وهل تتخيلون كيف تكون الحياة من دونه؟...إليكم بعض الأجوبة التي قدّمها لنا العلم.


يعتقد الكثير من الباحثين أن البشر بدأوا الكذب على بعضهم، منذ اختراع اللغة، كضرورة تطورية لحماية أنفسهم من الأذى، أو لاكتساب السلطة بطريقة سهلة، ويستخدمه البعض اليوم كنوع من المراوغة المهذبة لعدم جرح مشاعر الآخرين، ما جعله جزءًا مقبولًا من الحياة اليومية، على الرغم من أن بعض الفلاسفة يعتقدون أن الالتزام بعدم الكذب، ضرورة أخلاقية تفوق عدم الإضرار بمشاعر الآخرين، فما دور الكذب في حياتنا؟ وما الذي سيحدث إذا اتبع الجميع فجأة وصفة صارمة للصدق، أو تمكنوا من اكتشاف كذب الآخرين عليهم؟!

 

لماذا نكذب؟

وتشير سيسيلا بوك، من جامعة هارفارد، إلى دور الكذب في اكتساب السلطة: "سيكون الكذب على شخص ما من أجل الحصول على ماله، أسهل بكثير من ضربه على رأسه أو سرقة بنك ما".

في حين يقول مايكل لويس، أستاذ الطب النفسي في جامعة روتغرز: "استخدم الناس الكذب على مر التاريخ البشري، لحماية أنفسهم من الأذى والاضطهاد، وقد تتعرض حياة كثيرين حول العالم للخطر، بمن فيهم المثليون جنسيًا أو من يتبعون ديانات معينة، إذا تمكنا من اكتشاف جميع الأكاذيب فجأة"، وفقًا لموقع "بي بي سي".

ويفيدنا الكذب أحيانًا بالتقليل من الخسائر في حياتنا، كما يحدث في العمل، عندما لا نخبر مديرينا عن السبب الحقيقي لعدم تسليمنا المهام في الموعد المحدد، لنتجنب احتمال تعرضنا للطرد أو خفض الراتب، ويشير كانغ لي، أستاذ علم النفس التطبيقي بجامعة تورنتو، إلى أن الكذب أيضًا يساعدنا أحيانًا لنبدو بصورة أفضل ونحافظ على جو من الاحترام، ويقول: "تأخرت مرة عن موعد اجتماع، وقلت إن ميترو الأنفاق كان بطيئًا، لأن اعترافي بأن تأخري لخطأ شخصي، لن يكون جيدًا مهنيًا بالنسبة إليّ مع زملائي".

 

هل يحتمل البشر عالمًا بلا كذب؟

يعتقد كلارك فريشمان، أستاذ القانون بجامعة "كاليفورنيا هاستينغز"، أن معرفة الناس الحقيقة التي تهمهم دائمًا، ستجعل العالم مكانًا أفضل، أقل تمييزًا وأكثر إنصافًا، إذ سيتمكن الناس الذين ينتمون للأقليات على سبيل المثال، من الحصول بسهولة على رواتب ووظائف على قدم المساواة، مع نظرائهم من الأغلبية، في حين لا يتفق معه دان أريلي، أستاذ علم النفس السلوكي في جامعة ديوك، إذ يعتقد أن العالم من دون كذب، سيوجه ضربات قاضية لصورتنا الذاتية، وسيكبدنا المزيد من المشاعر المؤلمة.

ويقول أريلي: "إن التعايش مع الحقيقة بشكل مستمر سيكون مؤلمًا، لأن ردود الفعل الأكثر صدقًا ستكون وحشية، حيال عملك وطريقة لباسك، وكيفية تقبل الناس لك، والأشياء الأخرى المشابهة، ستدرك فجأة أن الناس قد لا يولون لك اهتمامًا، وأنك لست مهمًا ومؤهلًا بدرجة كافية، كما تعتقد أنت"، ويضيف: "ستوفر ردود الفعل الصادقة من جهة أخرى، فرصة أفضل لنا لتحسين الذات والتعلم، ولكني لست متأكدًا مما إذا كانت هذه المقايضة جديرة بالاهتمام، وتستحق ما سيترتب عليها من نتائج قاسية".

ويؤكد أريلي أن الضربات القاضية لصورتنا الذاتية، إذا امتنع الناس عن الكذب، ستبدأ من مرحلة الطفولة، إذ سيكتشف الصغار مبكرًا وقائع الحياة القاسية، والتي لن تكون بالضرورة أمرًا جيدًا لهم، فسيضطر الآباء لإخبارهم أن رسوماتهم سيئة على سبيل المثال، كما ستضيع براءتهم ومتعتهم وخيالهم بدحض الكثير من القصص السحرية، مثل جنية الأسنان وسانتا كلوز، ويقول بول إيكمان، أستاذ علم النفس بجامعة "كاليفورنيا سان فرانسيسكو": "تعتبر أشياء كثيرة صعبة الفهم بالنسبة إلى الأطفال، لذا فإن إخفاءها من قبل آبائهم ليس أمرًا سيئًا دائمًا".

 


الكذب عند الأطفال

ويتعلم الأطفال أنفسهم القيمة الاجتماعية للكذب، منذ سن مبكرة للغاية، كإخبار جداتهم أنهم يحبونهنّ، لعدم إيذاء مشاعرهن والحصول في الوقت نفسه على الهدايا. ووجد الباحثون في إحدى الدراسات، أن الطفل كلما كان أكثر ذكاء ونضجًا عاطفيًا، زاد احتمال كذبه حيال استراقه النظر للعبة، طلب إليه عدم النظر إليها. كما وجدت دراسة أخرى أن تعلم فن الكذب المهذب، له فوائد معرفية للأطفال.

الكذب في العلاقات الشخصية

ويؤكد إيكمان أن الكذب ضروري لإضفاء إيجابية على العلاقات الشخصية، لأن الحقيقة المتواصلة ستجعل جميع العلاقات البشرية تنهار، بما فيها العلاقات الزوجية والعاطفية، حيث بينت إحدى الدراسات أن اثنين فقط من 67 مشاركًا في تجربة، لم يكذبا على شريكيهما على مدار أسبوع واحد، ويضيف: "أحب أن أمزح أحيانًا، بأن سبب استمرار زواجي لمدة 40 عامًا، هو أنني وزوجتي نمتلك حمامات منفصلة، وتنطوي هذه المزحة على جزء حقيقي، إذ إن هنالك أشياء خاصة بك، لا تود أن يعرفها الناس عنك، حتى زوجتك، وهو ليس سلوكًا متعلقًا بالحمام فقط".

 

الكذب المرضي

ولا بد أن ميزة كشف الكذب مفيدة أحيانًا بشكل لا لبس فيه، لأن بعض الناس ينخرطون في سلسلة من الكذب المرضي المدمر، الذي يفتقر لأية فائدة اجتماعية، ويكونون غالبًا من النرجسيين المدفوعين بالكراهية الشديدة، حتى أن العديدين منهم يصدقون كذباتهم الخاصة، حتى لو تعارضت مع حقائق صرحوا بها سابقًا، وتمكن ملاحظتها بسهولة من الآخرين، ويؤكد مايكل لويس، أن دونالد ترامب مثال كلاسيكي حي على الكاذب المرضي، ويقول: "خداعه لذاته كبير، إنه ببساطة لا يعرف أنه يكذب حتى".

 

الكذب في عالم السياسة:

وتقول فيان باكير، أستاذة الاتصالات السياسية بجامعة بانغور بويلز، إن الكذب في عالم السياسة ليس جديدًا، حتى أن أفلاطون اعترف بأهمية "كذب النبلاء"، كما تمّت الإشارة إلى "دور الخداع في القيادة السياسية" في كتاب "الأمير"، ويضيف: "السيئ في اللحظة الراهنة، أن بعض السياسيين البارزين مثل ترامب وبوتين، اتخذوا الوقاحة في الكذب عادة، ولا يهتمون على الإطلاق حيال اكتشاف أكاذيبهم"، في حين يقول فريشمان: "في عالم لا كذب فيه، سيتوقف الناس عن دعم السياسيين غير الشرفاء، وتقديم الأعذار لهم، بسبب ميلهم لتصديق الأشياء التي تتناسب مع نظرة كل منهم إلى العالم".

 

هل يمكن أن نتوقف عن الكذب؟

ويعتبر التنبؤ بجميع إيجابيات وسلبيات امتلاكنا قدرة على كشف الكذب، أمرًا مستحيلًا، إلا أن العالم وسط الحقائق المؤكدة سيكون مختلفًا حتمًا، عن العالم الذي نعيش به اليوم، ومع ذلك تؤكد باكير أن البشر قابلون للتكيف، وتقول: "ستتطور في واقع كهذا بالتأكيد، معايير جديدة للسلوك الاجتماعي المقبول"، في حين يقول كانغ: "أنا متأكد بشكل كلي، من أننا في ذلك الوقت سنطور طرقًا جديدة لخداع بعضنا، إنها ضرورة حياتية!".

 

 

 

دلالات
المساهمون