يخيم شبح الانهيار الاقتصادي على السودان وسط الغموض الذي يكتنف المشهد السياسي، ورغم الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير صباح أمس الأربعاء، هنالك كثير من النقاط المبهمة التي لا تزال تحتاج إلى توضيح وعلى رأسها القصاص من مرتكبي مجزرة الثالث من يونيو/ حزيران.
وسط هذا المشهد انخفضت مبيعات المراكز التجارية الخمسة التي يملكها رجل الأعمال السوداني هاشم أبو الفاضل بنسبة تصل إلى 40% على وقع الاضطرابات السياسية بالسودان، وهو يخشى مع آخرين أنّ يؤدي استمرار الغموض السياسي الى انهيار اقتصاد بلاده.
وشهد السودان توترات كبيرة منذ السادس من إبريل/نيسان، وهو تاريخ بدء الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الذي أطاح بالرئيس عمر البشير، وتسلم المجلس العسكري الحكم. ووعد المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين ولكنه لم يف بوعده ثم ارتكب مجزرة فض الاعتصام بالقوة في الثالث من يونيو/حزيران، وهو ما تسبب بسقوط عشرات القتلى والجرحى.
وبعد وساطة مكثفة من الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا، وقع قادة الجيش وقوى الحرية والتغيير بالأحرف الأولى صباح الأربعاء، اتفاقاً لتقاسم السلطة. لكن التظاهرات الشعبية مستمرة وتطالب بالقصاص من مرتكبي مجزرة القيادة وضحايا ما يسمى بقوات الدعم السريع ومليشيات نظام البشير.
ويقول أبو الفاضل لوكالة فرانس برس في مكتبه بالخرطوم "انخفضت المبيعات إجمالاً من 20 إلى 25% وبنسبة تصل إلى 40% في قطاعات محددة في نشاطي التجاري" لبيع المنتجات المنزلية والأثاث المكتبي.
ويملك أبو الفاضل خمسة مراكز تجارية في العاصمة باستثمارات يصل حجمها إلى مليون دولار. ويعتمد في غالبية نشاطه على الاستيراد. وقد عمد أخيرا إلى شراء بضائع أقل سعراً أو وقف الاستثمار في البضائع غير الأساسية. ويؤكد أن "حجم الاستيراد عموماً تراجع. وأوقف عدد كبير من التجار الاستيراد".
ويشير إلى أنه في ظل عدم وجود حكومة "تعلن سياستها الاقتصادية، أنا كمستثمر لا أستطيع اتخاذ القرار في حالة الغموض الحالية".
ويتفق معه رجل الأعمال محمد حسين مضوي الذي يملك شركات في القطاعين الزراعي والصناعي توزع الورق والبلاستيك. ويقول "بسبب ضعف الإقبال وتراجع قيمة الجنيه، خفضتُ نسبة الاستيراد ما بين 20 و30%"، مشيراً إلى أن الحركة "شبه متوقفة".
وفقد الجنيه السوداني حوالى 70% من قيمته منذ نهاية 2018 في السوق السوداء. وبلغت معدلات التضخم 47.78% في يونيو/حزيران الماضي بعد أن وصلت إلى 73% في ديسمبر/كانون الأول، حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء.
من جانبها تقول هنادي محمد، وهي أم لسبعة أطفال بينما تتسوق في مركز أبو الفاضل في شمال الخرطوم "لا أستطيع الشراء لأنه لا توجد سيولة. ولا أعرف كم من الوقت يمكن أن نعيش هكذا؟"، فيما تتكدس أدوات منزلية على الرفوف رغم الحسومات الكبيرة.
ورغم عودة الحياة لطبيعتها في الخرطوم وفتح المحال التجارية أبوابها مجدداً، يلاحظ تراجع الإقبال وضعف حركة البيع والشراء في الأسواق.
ويقول عماد بابكر، وهو ربّ عائلة، فيما يدفع بعربة تسوق خاوية أمامه، "الأسعار تضاعفت ثلاث مرات منذ نهاية 2018. نذهب فقط للمحال التي تعلن عن حسومات، لكنّ قدرتنا الشرائية ضعيفة جدا".
ويقول الصحافي الاقتصادي خالد التيجاني إنّ "الحركة التجارية تعمل في الحد الأدنى أساسا منذ يناير الفائت"، مشيراً إلى أن هناك قطاعات لا تزال تعمل مثل "الكهرباء والوقود والمواد الغذائية، لكن لو استمر الوضع الحالي حتى هذه الأشياء لن تكون موجودة".
وينقطع التيار الكهربائي في شكل متكرر ولساعات طويلة منذ بداية العام الجاري. ويتابع التيجاني: "يعاني الاقتصاد من حالة عدم يقين بسبب عدم وجود سلطة تهتم بالاقتصاد".
وليس هنالك اتفاق نهائي بعد، إذ إن المجلس العسكري يرغب في ضمانات تمنعه من المحاكمات في حال إدانته على جرئام فض الاعتصام، فيما يرى قادة الحرية والتغيير أن مثل هذا الطلب ليس من حقهم وإنما من حق أهالي الشهداء الذين سقطوا قتلى. وبالتالي لا يمكن التفاوض عليه.
وما يعقد المشهد السياسي تدخل دول الجوار التي تدعم الوجود العسكري في السودان، على خلفية ما حدث في مصر بعد الثورة.
وتعاني البلاد من نقص حاد في العملات الصعبة والمواد التموينية، ولا يعرف على وجه التحديد حجم احتياطي النقد الأجنبي الحالي في السودان. ويستنزف الاقتصاد السوداني المعتمد على الاستيراد والذي يعاني عجزاً في الميزان التجاري منذ سنين، هذا الاحتياطي. وتراكمت الديون الخارجية ووصلت إلى أكثر من 55 مليار دولار.
(العربي الجديد، فرانس برس)