استمع إلى الملخص
- الأسباب الرئيسية للهجرة تشمل سوء توزيع الثروة والخطاب السياسي الأوروبي المتشدد، مما أدى إلى تصاعد العنصرية والإسلاموفوبيا.
- تنقسم الهجرة إلى نوعين: هجرة الأفراد من دول جنوب الصحراء وهجرة المواطنين المغاربيين، ويُقترح تعزيز التنمية الاقتصادية وإحياء الاتحاد المغاربي للحد من الظاهرة.
تواجه الدول المغاربية في السنوات الأخيرة موجة لافتة من الهجرة غير النظامية تنخرط فيها بشكل أساسي فئة الشباب، نتيجة ضعف معدلات النمو، ومحدودية فرص العمل، وغياب الاندماج الإقليمي بين دول المنطقة. ورأى باحثون أن العمل على تحقيق مستوى أعلى من التنمية الاقتصادية من أهم سبل مواجهة ظاهرة الهجرة المتفاقمة بالدول المغاربية (المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا، وليبيا)، إلى جانب إحياء الاتحاد المغاربي ما سيمثل فرصة لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للشباب.
وفي عام 2023، سجلت منطقة المغرب العربي زيادة كبيرة في الهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر عدة طرق بحرية وبرية، وفق "الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل" (فرونتكس). وقد بلغ العدد الإجمالي لعمليات الكشف عن العبور غير النظامي عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي من المنطقة المغاربية حوالي 380 ألف حالة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2016، ويمثل زيادة بنسبة 17% مقارنة بعام 2022.
بين الهجرة والنمو
الباحث المغربي المهتم بقضايا الهجرة عبد الفتاح الزين قال، في حديثه لوكالة "الأناضول"، إن "نسب النمو المنخفضة وسوء توزيع الثروة بالدول المغاربية من بين الأسباب الرئيسية للهجرة غير النظامية" بهذه الدول. وبحسب أرقام صندوق النقد الدولي، سجلت الدول المغاربية معدلات نمو منخفضة في 2023، تراوحت بين 0.4% في تونس و3% في المغرب.
ويتوقع الصندوق أن يكون النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (بما في ذلك الدول المغاربية) عند 2.9% في عام 2024، صعودًا من 1.9% في 2023.
سبب ثان لتفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية بالدول المغاربية أشار له الزين، وهو "غياب الاندماج الإقليمي بين تلك الدول، والذي يجعل من الصعب عليها استيعاب الأعداد المتزايدة من اليد العاملة الشابة". وتطرق الزين إلى المشاكل التي يواجهها المهاجرون المغاربيون في أوروبا. وقال إن الخطاب السياسي الأوروبي بات يتمحور حول الخوف من "الآخر"، ويربط الهجرة بالجرائم العابرة للحدود والاتجار بالبشر.
وتابع: "منذ تسعينيات القرن الماضي، تحول ملف الهجرة إلى أداة انتخابية في يد الأحزاب اليمينية، التي استغلته لزيادة شعبيتها وفرض سياسات أكثر تشددا تجاه المهاجرين". ونتيجة لذلك، "أصبح المهاجرون، بمن فيهم المقيمون الشرعيون، غير مرغوب فيهم، وتفاقمت مظاهر العنصرية والإسلاموفوبيا بحقهم"، بحسب الزين.
نوعان من المهاجرين
من جانبه، أوضح الباحث الموريتاني المتخصص في الهجرة سليمان حمدي، أن الهجرة غير النظامية من البلدان المغاربية نوعان؛ الأول يتعلق بالمهاجرين من دول جنوب الصحراء، والثاني يهم المواطنين المغاربيين. وفي حديث مع الأناضول، اعتبر حمدي أن "هجرة الأفراد المنحدرين من دول جنوب الصحراء، هي الأكثر نشاطا في هذه المنطقة بالنظر إلى الحروب السائدة بعدد من بلدان القارة السمراء، والظروف الاقتصادية الصعبة.
ولفت إلى أن "هذه البيئات طاردة؛ مما يجعل شباب المنطقة يركبون قوارب الموت مضطرين". وأوضح أن المنطقة المغاربية أصبحت كذلك معبرًا رئيسيًا للمهاجرين من دول جنوب الصحراء ودول آسيوية أخرى، بسبب قربها الجغرافي من أوروبا وسهولة العبور بالقوارب، سواء عبر سواحل شمال أفريقيا أو عبر المحيط الأطلسي باتجاه جزر الكناري (جزر الخالدات) الخاضعة للإدارة الإسبانية.
وبخصوص هجرة المواطنين المغاربيين، اعتبر حمدي أن "الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الدول المغاربية، بالإضافة إلى إغراءات الدول الغربية تجعل الهجرة حلمًا يسعى الكثير من الشباب لتحقيقه، رغم صعود أحزاب اليمين والعنصرية بأوروبا".
وأوضح أن "الهجرة لم تعد مقتصرة على الفئات الفقيرة، بل باتت تشمل أيضًا الشباب من الطبقات المتوسطة". ولفت إلى أن "أوروبا أو أميركا اللاتينية قد تشكل أيضا منطقة عبور للبعض من هؤلاء المهاجرين، حيث أصبحت الولايات المتحدة وكندا هي هدفهم النهائي".
وحول سبل مواجهة ظاهرة الهجرة المتفاقمة، قال الباحث المغربي عبدالفتاح الزين إن السياسات المغاربية تعتمد بشكل كبير على المقاربة الأمنية للحد من تدفق المهاجرين لها، إلا أنه يرى أن هذه السياسة "ليست كافية". ودعا الزين للنظر إلى الهجرة بوصفها "وضعًا إنسانيًا واجتماعيًا يجب التعامل معه بطرق أكثر شمولية". ورأى أن "إحياء الاتحاد المغاربي سيكون فرصة لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للشباب؛ مما يقلل سعي الشباب المغاربي للهجرة".
واعتبر أن أوروبا "لا ترغب في رؤية فضاء مغاربي موحد وقوي؛ الأمر الذي يعمّق الفجوة بين دول المنطقة". وتأسس الاتحاد المغاربي عام 1989 بهدف فتح الحدود بين الدول الأعضاء وتسهيل حرية التنقل للأفراد والسلع، إلا أن الخلافات السياسية بين بعض الدول حالت دون تحقيق هذا الهدف. ولم تُعقد أي قمة على مستوى القادة منذ قمة 1994؛ مما ساهم في تجميد فعلي للاتحاد.
وأكد الزين ضرورة "فتح المجال للمثقفين والخبراء من أجل تنوير الساسة والمساهمة في وضع بدائل". فيما دعا الباحث الموريتاني المتخصص في الهجرة سليمان حمدي، إلى تعزيز التنمية الاقتصادية وتنمية الموارد البشرية بالدول المغاربية للحد من ظاهرة هجرة شبابها. كما دعا إلى توفير برامج التدريب المهني للشباب وعدم تركهم للفراغ.
(الأناضول، العربي الجديد)