هل تنجح الصين في انتشال الاقتصاد من الهاوية؟

13 نوفمبر 2015
الصين تعوّل على حجم الاستهلاك المحلي لـ1.2 مليار نسمة(Getty)
+ الخط -
هل تنجح الحكومة الصينية في انتشال الاقتصاد من هاوية الركود، عبر الإجراءات العديدة التي اتخذتها وتتخذها منذ شهور؟
سؤال يحيّر العديد من الاقتصاديين الذين يتابعون أزمة الصين التي باتت تؤرق المستثمرين في أنحاء العالم.
تواصل الحكومة الصينية مساعي إخراج الاقتصاد الصيني من مخاطر التباطؤ الذي يهدد مستقبل البلاد، ويرفع من محاذير الكساد العالمي، وسط تدهور أسعار السلع العالمية وهزات أسواق الأسهم، على رأسها النفط والمعادن التي تستخدم بكثافة في التصنيع.
ومن بين مؤشرات أزمة الاقتصاد الصيني الخسائر الكبرى التي تكبدتها أسواق العالم خلال الربع الثالث من العام الجاري، حيث فقدت الصناديق السبعة الكبرى في العالم أكثر من 700 مليار دولار.
وحسب تقارير مالية بريطانية، فإن الصناديق الكبرى، التي من بينها صناديق تابعة لمصرف "جي بي مورغان" و"بنك أميركا ـ ميريل لينش" ومصرف "بي إن بي باريبا"، خسرت 727.7 مليار دولار في الأشهر الثلاثة بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول من العام الجاري. وعلى صعيد هروب أثرياء الصين، تشير المعلومات الرسمية الصينية التي نشرتها وكالة شينخوا الرسمية إلى أن هناك أكثر من 150 مليار دولار هربت من الصين خلال شهر أغسطس/آب وحده، وأن حجم الأموال التي حولت من اليوان إلى حسابات بالعملات الأجنبية، حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول، بلغ حوالي 600 مليار دولار.
من هذا المنطلق تسعى الحكومة الصينية، عبر إجراءات رفع قيمة سعر صرف اليوان وضخ استثمارات مباشرة في الاقتصاد، إلى تهدئة خواطر الأثرياء الصينيين والمستثمرين الأجانب، وإثبات أن ما حدث من هزة في سوق المال وقيمة صرف اليوان هزة عابرة، وأن السوق الصيني لا تزال غنية بالفرص.
وأظهرت بيانات من وزارة المالية، أمس الخميس، أن النفقات في ميزانية الصين قفزت 36.1% في أكتوبر/تشرين الأول، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، وهي أكبر زيادة من حيث النسبة المئوية منذ يوليو/تموز 2012، في حين ارتفعت الإيرادات 8.7%.
وتأتي هذه القفزة في الإنفاق في أعقاب زيادة بلغت 26.9% في سبتمبر/أيلول، وهو ما يبرز مساعي بكين لدفع عجلة النمو الاقتصادي الذي يشهد تباطؤا منذ بداية العام الجاري.
وأشارت البيانات، التي نشرتها وكالة شينخوا الصينية شبه الرسمية، إلى أن نفقات الميزانية في الأشهر العشرة الأولى من العام ارتفعت بنسبة 18.1% عن الفترة نفسها من العام الماضي، في حين زادت الإيرادات بنسبة 7.7%.
وذكرت وزارة المالية، أمس، أن معدل الإيرادات المالية في الصين زاد بنسبة 8.7% على أساس سنوي، ليصل إلى 1.44 تريليون يوان (227 مليار دولار) في شهر أكتوبر.
ولكن رغم هذه الخطوات، يرى خبراء أن السوق الصينية لا تزال تعتمد على الحكومة الصينية وضخها لليوان في السوق، أكثر من اعتمادها على التقييم الحقيقي لثمن الأسهم، إذ إنها لا تزال سوقاً غير ناضجة ولم يكتمل فيها تحرير الأسواق ورأس المال، وإنما تعتمد على التخطيط المركزي.

مشاريع جديدة

قال مسؤول صيني، أمس الخميس، حسب ما نقلت وكالة شينخوا، إن أعلى جهاز للتخطيط الاقتصادي في الصين وافق على 237 مشروعاً استثمارياً في الأصول الثابتة، مع بلوغ إجمالي الاستثمار 1.89 تريليون يوان (298 مليار دولار) خلال العشرة أشهر الأولى من العام الجاري.
وقال شي تسي هاي، مدير مكتب الدراسات السياسية التابعة للجنة الدولة للتنمية والإصلاح، خلال مؤتمر صحافي، في بكين، إن اللجنة وافقت في أكتوبر على 19 مشروعاً للاستثمار بقيمة 86.4 مليار يوان تغطي مجالات الري والمواصلات والتكنولوجيا والطاقة. وأشار شي إلى أن هذه المشاريع ستساعد في تنسيق التنمية الإقليمية وتوفير المياه وتحسين نمط المعيشة.
وقد خفضت الحكومة أسعار الفائدة ونسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك عدة مرات في العام الجاري، فيما خفضت الضرائب وشددت على الدور الرئيسي الذي يلعبه الاستثمار في ضمان النمو المستقر.
وحسب الإحصائيات الرسمية الصينية، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 6.9% على أساس سنوي خلال الربع الثالث، مسجلاً أدنى نمو فصلي منذ ستة أعوام. وأظهرت الإحصاءات الرسمية، أمس، أن القروض المقومة باليوان بلغت، في أكتوبر، حوالي 514 مليار يوان (حوالى 80.8 مليار دولار)، بزيادة 48 مليار يوان عن العام السابق.
وتعمل الحكومة الصينية لتعزيز الاستهلاك والطلب الداخلي، وسط ضغوط الانخفاض على الاقتصاد، وفقا للبيان الصادر عن اجتماع للحكومة يوم الأربعاء. ومن بين الخطوات التي تنفذها الحكومة، الإسراع في الإصلاحات والتجديدات التي ستساعد في دفع عجلة نمو الاستهلاك المحلي، حيث تتمتع الصين بأكثر من 1.2 مليار نسمة.
ومع تحسن معدل الدخل وانتقال عدد كبير من المواطنين إلى المدن، فإن ارتفاع معدل الاستهلاك المحلي الصيني سيكون أحد المرتكزات الرئيسية لإخراج الاقتصاد من بركة التباطؤ.

اقرأ أيضا: الدولار يهدد بأزمة مالية عالمية جديدة

وفي هذا الصدد، ذكر بيان صدر بعد اجتماع عادي لمجلس الدولة، برئاسة رئيس مجلس الدولة الصيني، لي كه تشيانغ، أن السلطات سوف توسع سبل النفاذ إلى السوق بالنسبة للمستثمرين من القطاع الخاص، وتدريجياً ستعمل على خفض القيود على رأس المال الأجنبي. كما ستعمل الحكومة أيضا من أجل تحسين الأعمال التجارية وبيئة الاستثمار، عن طريق تعزيز الرقابة وحماية أفضل لحقوق الملكية الفكرية، واتخاذ إجراءات صارمة ضد السلع المزورة. وهذه الخطوات تطالب بها الشركات الغربية، خاصة الشركات الأميركية واليابانية التي تستثمر بكثافة في الصين.
وقال البيان الصادر عن الاجتماع، الذي نقلته وكالة شينخوا، إن الصين سوف تشجع الشركات على تبني تكنولوجيا ومواد جديدة لتحسين نوعية منتجاتهم. كما تعهد مجلس الدولة بأن تسرع الحكومة في إصلاح تسجيل المنازل، وهو ما سيساعد أفراد الشعب على الانتقال إلى المدن، من أجل دفع مبيعات المنازل، وتعزيز الاستهلاك الخاص بالأجهزة المنزلية.
وبالإضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة على تشجيع الواردات من السلع الاستهلاكية، وفتح المزيد من المحال بدون رسوم جمركية، وتحسين سياسات إعادة الضرائب للسائحين الأجانب. وبسبب التباطؤ المستمر، فإن الصين تعتمد على استهلاكها المحلي ليحل محل المحركات الاقتصادية القديمة ويعزز النمو.



القروض

في خطوات تشجيع الاستهلاك المحلي، تعمل الحكومة الصينية على تشجيع الاقتراض، عبر ما تمنحه من ضمانات للبنوك التجارية. وفي هذا الصدد، ذكر بنك الشعب الصيني، في بيان منشور على موقعه الإلكتروني، أن مؤشر (إم 2) لقياس الكتلة النقدية، وهو مؤشر واسع النطاق لعرض النقود الذي يغطي النقد في التداول وكافة الودائع، ارتفع بنسبة 13.5% على أساس سنوي، ليصل إلى 136 تريليون يوان بنهاية أكتوبر.
وقال البيان إن المؤشر الضيق لعرض النقود (ام 1) الذي يغطي النقد في التداول، إضافة إلى الودائع تحت الطلب، ارتفع بنسبة 14% على أساس سنوي، ليصل إلى 37.6 تريليون يوان بنهاية الشهر الماضي.
ولكن رغم هذه الخطوات، يشكك خبراء في فاعلية إجراءات التحفيز النقدي، وسط القيود وإدارة الاقتصاد مركزياً، حيث إن الأعمال التجارية في الصين وحتى أسواق المال لا تزال تعتمد اليوانات التي يضخها البنك المركزي الصيني في السوق عبر التدخل المباشر في الصناديق الحكومية. ويرون أن هذه الإجراءات حققت حتى الآن نجاحاً محدوداً.

أهمية الصين للاقتصاد العالمي

من منطلق أهمية الاقتصاد الصيني الذي أصبح الماكينة المحركة للنمو الاقتصادي العالمي منذ عام 2007، كان تأثير الهزة المالية في أسواق الصين قاسيا على أسواق العالم التي فقدت حوالي 5 تريليونات دولار من قيمتها السوقية منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي، رغم أنها استعادت بعضها خلال شهر أكتوبر الماضي. 
ويرى اقتصاديون أن المشهد الاقتصادي في الصين سيتغير مع إصرار الحكومة الصينية على تحرير عملتها الوطنية اليوان، وتحرير الاقتصاد، وربما تكون له انعكاسات طويلة المدى.

اقرأ أيضا: في 24 ساعة..العزاب يدفعون 14.3 مليار دولار لـ"علي بابا"
المساهمون