هل يتدحرج الدولار نحو الهاوية؟

07 أكتوبر 2020
ضغوط متزايدة على الدولار (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يوم الإثنين الماضي، نشر ستيفن روتش، أستاذ الاقتصاد في جامعة يال الأميركية مقالاً صادماً بصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، خلص فيه إلى أن "الدولار دخل المراحل الأولى لما يبدو أشبه بالهبوط الحاد في ظل انهيار معدلات الادخار المحلية بالولايات المتحدة، واتساع عجز الحساب الجاري، وانكماش الاقتصاد بمعدلات غير مسبوقة، وصعود العملتين الصينية والأوروبية الموحدة كبديلتين قابلتين للاستخدام"، سواء من قبل البنوك المركزية العالمية أو من بنوك الاستثمار وكبار المضاربين. 
إضافة إلى عوامل أخرى ستسرع تهاوي الدولار لم يرصدها "روتش" بالتفصيل، مثل وصول الدين العام الأميركي لأرقام غير مسبوقة، حيث تجاوز 26 تريليون دولار للمرة الأولى في تاريخه، مع ضخامة الديون التي اقترضتها إدارة ترامب لتمويل حزم إنقاذ الاقتصاد الأخيرة والبالغة قيمتها نحو 6 تريليونات دولار، وفشل ترامب في إعادة فتح الاقتصاد بشكل كامل في ظل المخاوف المتزايدة من مخاطر الموجة الثانية من وباء كورونا، واتجاه الشركات الكبرى نحو الاستغناء عن العمالة في حال عدم حصولها على حزم مالية جديدة.
كما تضغط على الدولار عوامل أخرى منها تراجع الإيرادات الأميركية من النقد الأجنبي خاصة مع اتساع العجز التجاري، وتراجع الصادرات إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2009 بفعل الجائحة، وتراجع صادرات النفط الأميركية خاصة مع اغلاق العديد من مواقع إنتاج النفط الصخري بسبب ضعف الطلب وتهاوي الأسعار.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وخلص أستاذ الاقتصاد في مقاله إلى أمر صادم أيضا هو توقعه أن يفقد الدولار 35% من قيمته بنهاية العام المقبل 2021 مقارنة بقيمته قبل 9 سنوات، وأن تتراجع سطوة العملة الأميركية في الأسواق الدولية، لتحل بدلا منه اليوان واليورو، قائلا أيضا إنه " حتى مع الهبوط المتواضع الأخير، يظل الدولار العملة الرئيسية الأكثر مبالغة في تقدير قيمتها في العالم، حيث لا يزال سعر صرفه الفعلي الحقيقي أعلى بنحو 34% من أدنى مستوى بلغه في شهر يوليو 2011.

الدولار يعاني من أزمة حقيقية ربما لم يتعرض لها من قبل، خاصة مع التدهور السريع في مؤشرات الاقتصاد الأميركي الكلية، وعدم وجود أفق في المدى القريب وربما المتوسط لتحسن هذه المؤشرات في ظل استمرار مخاوف كورونا وعدم التوصل إلى لقاح للجمه.
إضافة إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، والأهم تراجع سعر الفائدة على الدولار لأدنى مستوياتها حيث تقترب من الصفر، وهو ما يجعل العملة الأميركية غير جذابة للاستثمار في ظل ضعف العائد وزيادة المخاطر.
صحيح أن بعض الدول وكبار المستثمرين والمضاربين الدوليين، وحتى الأفراد، سارعوا نحو البحث عن أدوات استثمارية آمنة في ظل استمرار مخاطر كورونا، وقد وجد البعض ضالته في الذهب والمعادن النفيسة والسلع، كما وجد آخرون ضالتهم في عملات أخرى، منها اليورو والفرنك السويسري والين الياباني والجنيه الإسترليني.
كما جذبت العملة الصينية أنظار المستثمرين، خاصة مع تغلب الصين على جائحة كورونا، وتغلبها كذلك على مخاطر النمو الاقتصادي وتحقيق البلاد نموا إيجابيا مع عودة إنتاج المصانع، وزيادة الصادرات المورد الأساسي للنقد الأجنبي في البلاد. 

لكن ورغم كل هذه الاعتبارات وغيرها سيظل الدولار، ولسنوات مقبلة، هو العملة الأكثر تداولاً حول العالم، فالبنوك المركزية العالمية لا تزال تعتبره عملة الاحتياطي الأجنبي الأساسية والأولى، ولا تزال المواد والسلع الأساسية يتم تسعيرها بالدولار مثل النفط والغاز والمعادن. 
وتظل الصين نفسها، التي تحوز أكبر احتياطي من النقد الأجنبي في العالم، أكبر مستثمر في الدولار والسندات وأذون الخزانة الأميركية. 
كما أن المتاعب التي تعاني منها الاقتصادات الكبرى، سواء الأوروبية واليابانية وغيرها تجعل المستثمرين يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى في حيازة عملاتها. أضف إلى ذلك أن غموض طريقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي تجعل المستثمرين مترددين في حيازة الجنيه الإسترليني خاصة مع تذبذب سعره في الفترة الماضية.

المساهمون