هروب الدولار الكبير وسقوط دول

29 يونيو 2021
قفزة في أسعار الخبز في لبنان (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

ما يحدث في لبنان حالياً هو صورة مصغرة لما يمكن أن يحدث في دول ناشئة أخرى خلال السنوات المقبلة، خاصة مع زيادة تكلفة القروض وصعوبة الحصول عليها، وتضخم أسعار السلع والأغذية والنفط، وانتعاش الاقتصادات الكبرى.
لبنان تعجز عن سداد ديونها الخارجية في ذروة تفشي وباء كورونا في العام 2020، وتصادر بنوكها أموال مودعيها، وبعدها تغرق في أزمات مالية واقتصادية غير مسبوقة، وتشهد زيادات قياسية في معدلات الفقر والبطالة وتضخم أسعار السلع الغذائية والوقود والكهرباء والغاز وتهاويا للعملة المحلية.
دولة عربية لا تجد مؤسسات مالية دولية توفر لها قروضا جديدة، أو دولة تمد يدها لها لانتشالها من حالة الغرق تلك، خاصة في ظل وجود حكومة لبنانية فاشلة ترعى الفساد وعمليات تهريب الأموال إلى الخارج بامتياز وتدافع عن مصالحها الضيقة وأموالها في بنوك سويسرا وتمارس دور السمسار والتاجر، متخلية عن دورها الأساسي وهو توفير السلع والخدمات للمواطن بأسعار مناسبة.

10 مليارات دولار تهرب من الأسواق الناشئة في شهر واحد، ومن المتوقع زيادة موجة الهروب عقب زيادة سعر الفائدة على الدولار وانتعاش الاقتصاد العالمي وارتفاع التضخم

وربما لن يجد لبنان أيضا ضوءا "خارجيا" في نهاية النفق المظلم ليمده بالنقد الأجنبي والدولارات المطلوبة لتمويل واردات البلاد من القمح والأغذية والوقود والأدوية وحليب الأطفال والملابس والمواد الخام والسلع الوسيطة، أو يسدد عنه الديون الخارجية المستحقة والمتأخرة، أو يقنع المقرضين الدوليين بإعادة ضخ ديون ومساعدات ومنح جديدة مرة أخرى في شرايين الاقتصاد اللبناني وقطاعه المصرفي المتعطش للسيولة النقدية وميزانيته الخاوية. 
ويتوارى هذا الضوء الخافت في لبنان والدول المشابهة له يوما بعد يوم في ظل التطورات الأخيرة المتسارعة التي تشهدها حركة رؤوس الأموال والاستثمارات وسعر الفائدة حول العالم. 

موقف
التحديثات الحية

فهناك موجة هروب للأموال والدولارات من الأسواق الناشئة متجهة نحو اقتصادات الدول المتقدمة. ووفق بيانات معهد التمويل الدولي في واشنطن الصادرة الأسبوع الماضي، فإن المستثمرين الأجانب باعوا أصولاً صافية في الأسواق الناشئة تقدر بنحو 10.8 مليارات دولار في شهر مايو/ أيار الماضي.
أسباب هروب الدولارات من الأسواق الناشئة معروفة وترتبط بالتطورات الإيجابية الأخيرة التي شهدها العالم من حيث تراجع الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، وعودة الحركة للأنشطة الاقتصادية في العديد من دول أوروبا، والولايات المتحدة، وآسيا.

وبالتالي دفع تراجع خطر كورونا الدولارات نحو العودة للأسواق والاقتصادات قليلة المخاطر مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وغيرها، والهروب من الأسواق عالية المخاطر مثل المنطقة العربية والأسواق الناشئة في آسيا وأفريقيا.

تصاحب موجة هروب الاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة زيادة في تكلفة الديون الخارجية، وارتفاعا في سعر الفائدة على القروض الدولارية

تصاحب موجة هروب الاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة زيادة في تكلفة الديون الخارجية، وارتفاعا في سعر الفائدة على القروض الدولارية، كما تصاحبها أيضا قفزة في أسعار الغذاء والسلع والمعادن والوقود في الأسواق الدولية.

وهو ما يرهق أكثر ميزانيات الدول الناشئة والفقيرة التي تعاني أصلا من عجز حاد وتستورد أغلب احتياجاتها الغذائية، وربما يغرقها في أزمات مالية قد تعجز معها عن سداد أعباء ديونها، وبالتالي الإفلاس، وما دول أميركا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين وفنزويلا ودول عربية أخرى بعيدة عن هذا المشهد المأساوي المتوقع.

المساهمون