استمع إلى الملخص
- تعمل الحكومة على تحسين النظام الضريبي وتوفير موارد للخزينة دون إرهاق المكلفين، مع توقعات بعودة رجال الأعمال للاستثمار. وزير الاقتصاد أكد تطبيق النظام الجديد في 2025.
- رغم التحديات، هناك ارتياح في قطاع الأعمال بسبب التسهيلات وتثبيت سعر الصرف، مع التركيز على دعم الإنتاج وتخفيف العبء الضريبي لتعزيز الاقتصاد وتشجيع الاستثمار.
يتبدل وجه سورية الاقتصادي، مع تكليف الحكومة الانتقالية، برئاسة محمد البشير، بعد هروب بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ليطاول التغيير نهج التفرد السائد سابقاً، من خلال الأسد ومن حوله من تجار الحرب ومشغلي أموالهم، وعبر أقنية محددة ومعروفة للسوريين، ربما أبرزها المكتب السري بالقصر الرئاسي الذي كان يديره، الهارب إلى روسيا، يسار إبراهيم، وكانت تُشرف عليه زوجة بشار، أسماء الأخرس، الذي كان يركز على الإتاوات وابتزاز وجمع الأموال من السوريين، لتهريبها إلى الخارج.
وبدأت السلطة الجديدة التحوّل إلى نظام يتعاطى مع وصفه مراقبون بنمط دولة ومؤسسات تنظم مختلف الأنشطة الاقتصادية وتُنهي حالة الفوضى في الأسواق، ولا سيما في ما يتعلّق بفرض الضرائب.
قواعد مالية جديدة
يأتي ما يصفه السوريون بنظام التشبيح المالي وفرض الإتاوات في مقدمة ما تسعى الحكومة الانتقالية إلى تغييره، عبر وضع أسس وقواعد مالية جديدة، وفق قرارات واضحة، من شأنها تحقيق العدالة الضريبية وموارد للخزينة العامة، من دون أن ترهق كاهل المكلفين، لأن زيادة الإنتاج لكفاية السوق الداخلية ومن ثم التصدير هي الهدف الأساس والمعلن في سورية الجديدة.
ويؤكد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية باسل عبد العزيز عبد الحنّان أن القطاع الاقتصادي يسير نحو الأفضل، سواء على صعيد تحسين البنى التحتية وتعديل الأنظمة والقوانين، خصوصاً ما يتعلق بالنظام الضريبي.
ويشير عبد الحنّان، خلال لقائه بقطاع الأعمال بمدينة حلب، الموصوفة بعاصمة سورية الاقتصادية، إلى أن جميع الأنظمة والقوانين تحتاج إلى تعديل، وخصوصاً ما يتعلّق بالنظام الضريبي الذي وصفه بأنه مرفوض تماماً بشكله الحالي، لافتاً إلى وجود دراسة متكاملة للضرائب.
ويكشف الوزير، خلال لقائه ممثلي الصناعيين والتجار بحلب قبل أيام، أن صدور النظام الجديد وتطبيقه سيكونان في بداية عام 2025، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل على العديد من الملفات لتلبية كل متطلبات الصناعيين وإزالة مخاوفهم، معرباً عن تفاؤله بعودة قريبة لمعظم رجال الأعمال السوريين من الخارج لمعاودة الاستثمار في سورية.
انتهاء عصر الابتزاز في سورية
في هذا السياق، يقول الصناعي السوري فاروق جود إن قطاع الأعمال بسورية، وعلى مدى سنوات، كان عرضة للابتزاز والتضييق، ففضلاً عن صعوبات استيراد المواد الأولية وندرة حوامل الطاقة والقدرة الشرائية للمستهلكين، كانت هناك ضرائب، مباشرة وغير مباشرة، تفرض خارج القانون، وربما أخطرها ما كان يحدث بعد دخول دوريات "أمنية وتفتيشية مالية" إلى المنشآت، ضمن ما كان يسمّى "الاستعلام الضريبي" الذي تُنظّم على إثره الغرامات وتُفرض مبالغ طائلة ملزمة الدفع وإلا يُعتقل صاحب المنشأة أو تُضاعف المبالغ بتهمة التهرب الضريبي.
ويقول نائب رئيس غرفة صناعة وتجارة اللاذقية (مدينة ساحلية غربي سورية) إنه لا بد من إعادة النظر في كامل النظام الضريبي بسورية، لتعديل أو إلغاء كل ما يُعيق الإنتاج والتصدير للانتقال بسورية الجديدة نحو الصناعة وتقوية النشاط الاقتصادي.
ويؤكد جود لـ"العربي الجديد" أن "ضريبتي الدخل والأرباح التصاعدية المرهقة تختلف عن الإتاوات الكثيرة التي كانت تُفرض سابقااً، وكأن ما كان يرمي إليه نظام الأسد المخلوع هو تهجير قطاع الأعمال".
ويرى جود أن الضرائب من أهم موارد الخزينة العامة، ولا بد من دفعها، ولكن وفق آلية ونسبة لا ترهقان قطاع الأعمال ولا تفوّتان حقوق الدولة، مقترحاً اقتطاع ضريبة الدخل أثناء استيراد المواد الأولية، لأن ذلك يضع الصناعي بصورة التكاليف الحقيقية ويساعده في تحديد السعر للسوق الداخلية والسعر التصديري، لافتاً إلى أخذ القدرة التنافسية للإنتاج بالأسواق المجاورة في الاعتبار، لأن معظم الدول، وتركيا أولاً، تدعم صادراتها عبر مبالغ مباشرة تسترد بعد التصدير.
ويضيف جود أن نسب الضرائب تختلف من بلد إلى آخر على حسب السياسة العامة للدول وتوفر موارد، ولكن في حالة كما السورية اليوم، يرى أن اعتماد "قانون ماريشال" الذي يركز على إعادة بناء الاقتصاد وإعمار البلد ربما يكون الأنسب، فهو مشجع للأعمال ولا يغبن حقوق الدولة.
وفي حين يؤكد جود ضرورة دعم دول الجوار سورية خلال مرحلة البناء والإنتاج بعد تهديم الأسد البلاد وهروبه، يرى أن كل ما يجرى اليوم هو مشجع للإنتاج وعودة الرساميل ورجال الأعمال الذين هجرهم الحكم البائد، مستشهداً بتعميم المصرف المركزي أول من أمس، الموجّه إلى المؤسسات المالية المصرفية العاملة في سورية كافة بتحرير سقف السحب اليومي من حسابات التجار الخاصة بتنفيذ عمليات الدفع الإلكتروني.
ورغم المشكلات الكبيرة التي تواجهها الحكومة الجديدة في سورية، فإن الارتياح يسود قطاع الأعمال، بعد التسهيلات وتثبيت سعر الصرف وبدء تأمين مستلزمات الإنتاج تباعاً، فضلاً عن اللقاءات المستمرة مع اتحادات غرف الصناعة والتجارة بالمحافظات.
تحديات ضخمة
رغم أن الحكومة الجديدة يعترضها تحديات ضخمة في ظل تدهور البنية التحتية ونقص الموارد، إلا أن الإصلاحات الاقتصادية ضرورة ملحة، إلى جانب البحث عن حلول فعالة لتوفير الخدمات الأساسية بشكل مستدام، حسب مراقبين.
وتسلمت الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير، مقاليد السلطة في التاسع من الشهر الجاري، بعد إسقاط نظام الأسد وعقد جلسات مع رئيس الوزراء في النظام السابق لنقل السلطة بشكل سلمي.
ولكن تبقى مطالب قطاع الأعمال في مقدمة هواجس الحكومة الحالية، إلى جانب السلم والأمن وتوفير الخدمات للسوريين، وربما تأتي قضايا تخفيف العبء الضريبي في مقدمة المطالب.
وتشير مصادر سورية إلى أن النهج الضريبي تبدّل قٌبيل الثورة السورية بقليل (عام 2010) وقت بدأت عائدات النفط تتراجع وتؤثر على موارد الخزينة، ما دفع نظام الأسد المخلوع لرفع الرسوم بهدف تعويض العجز في الموازنة.
لكن الإيرادات الضريبية تراجعت، بحسب أستاذ المالية، فراس شعبو، بالتدرّج بعد الثورة، بسبب تراجع الإنتاج والتصدير وهجرة الشركات وهروب أصحاب الأعمال، ولكن كقيمة زادت التحصيلات بسبب الإتاوات، لكنها لم تكن تذهب للخزينة العامة.
وحول أنواع الضرائب في سورية، يقول شعبو لـ"العربي الجديد": هناك ضرائب مباشرة تُفرض على الأفراد أو المؤسسات، مثل الدخل، والشركات، والعقارات، وضرائب غير مباشرة تُدفع من قبل المنتج للسلعة أو المتجر أو بائع التجزئة، وتُحتسب على المستهلك النهائي كجزء من ثمن السلعة أو الخدمة، وبالتالي فإن المستهلك النهائي هو الذي يدفع الضريبة ويتحمّل أعباءها مقابل حصوله على السلع أو الخدمات، مثل ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية وضريبة القيمة المضافة التي فرضت قبل الثورة مباشرة.
ويشير أستاذ المالية السوري إلى أن الضرائب في سورية، متعددة وكثيرة، منها ضريبة الممتلكات "تفرض على قيمة الممتلكات العقارية أو المنقولة التي يملكها الأشخاص أو الشركات" وضريبة المبيعات "تفرض على قيمة السلع والخدمات التي تُباع أو تُشترى في السوق" وضريبة الدخل "تفرض على دخل الأشخاص أو الشركات من مصادر مختلفة، مثل الأجور والأرباح والفوائد والإيجارات". ويضيف: "هذه الضرائب تأتي عدا الرسوم الجمركية التي تفرض على السلع التي تدخل أو تخرج من الحدود الجمركية للدولة، أو حتى رسم الإنفاق الاستهلاكي الذي يفرض على بعض السلع كالكمالية والتبغ والمشروبات الروحية".