تعاني إسبانيا، وهي من أكبر الدول في إنتاج الزيتون وزيته، مرة أخرى من موجة الحر الشديدة هذا العام. ورغم أن سكان أوروبا على حوض البحر الأبيض المتوسط معتادون على ارتفاع حرارة الصيف إلا أنها هذه المرة ليست اعتيادية، أي تستمر لأيام طويلة متجاوزة قدرة القطاع الزراعي على تحمّلها.
الأمر ليس محصورا في إسبانيا. فموجة الحر الشديدة تضرب عموم جنوب أوروبا، حيث ينطبق الأمر نفسه على منتجي الزيتون في إيطاليا والبرتغال، وعموم ضفتي المتوسط الجنوبية والشمالية.
ويتوقع لموسم القطاف الأوروبي القادم في سبتمبر/أيلول ألا يلبي الطلب على زيت الزيتون. وحتى مع ارتفاع الأسعار لا يبدو أن كل المزارعين قادرون على تعويض الخسائر.
ويعاني مزارعو الزيتون على وجه الخصوص من ارتفاع درجات حرارة ربيع وصيف العام الحالي 2023، حيث ضرب الجفاف أشجار الزيتون. ذلك يعني أنه من المحتمل أن يشعر المستهلكون بارتفاع سعر الزيتون وزيته، إلى جانب الآثار المدمرة على الفلاحين الذين أصابهم الجفاف في العام الماضي.
ووفق تصريحات صحافية للمدير التجاري لشركة كنسروة إيطاليا (Conserve Italia)، دييغو باريوتي، فإن موسم الحصاد الثاني لهذا العام، في أغسطس/آب، مهدد بسبب الحرارة الشديدة. وبالفعل تصيب موجة الحر معظم الجنوب الإيطالي الذي يحتوي على أكبر المزارع التي تنتج الطماطم.
وتوقع المجلس الدولي للزيتون، وهي منظمة دولية لمنتجي الزيتون وزيت الزيتون، أن يكون إنتاج إسبانيا من زيت الزيتون هذا العام 850 ألف طن. لكن تلك التوقعات كانت قبل أن تضرب موجة الحر موسم القطاف القادم، حيث انتشر الجفاف بصورة شبه مدمرة للمحصول، وخاصة أن تقييدات حكومية أُدخلت على مستوى استهلاك المياه في عموم إسبانيا، والأندلس تحديدا.
وفي العادة، يكون الموسم أكبر من الرقم الذي حدده المجلس الدولي بناء على حر الصيف الماضي، وكان يصل في الحالات الطبيعية إلى نحو 1.3 مليون طن في المتوسط السنوي. وانخفض في موجة حر صيف 2022 إلى 660 ألف طن، ما مثل أسوأ إنتاج خلال السنوات العشر الماضية، ويتوقع له أن ينخفض إلى دون ذلك في العام الحالي.
الأمر مؤثر نفسيا على سكان إقليم الأندلس وعموم جنوب إسبانيا، حيث يعمل تقليديا الكثير من الأسر الإسبانية في مجال إنتاج الزيتون وزيته على مدى أجيال. وتفيد شهادات بعضهم التي نقلتها وسائل إعلام أوروبية إلى وصولهم إلى مرحلة اليأس بعد أن أصبحت موجات الحر تتكرر خلال العقد الأخير، رابطين ذلك بقضية التغير المناخي والاحترار العالمي المتكرر. فمتوسط الحرارة في جنوب إسبانيا حطم الرقم القياسي الذي كان 38.8 درجة مئوية، إلى 43 درجة في المتوسط، مع توقع ازدياد الوضع سوءا في الأيام القادمة.
تسببت موجات الحر في إقليم الأندلس بتساقط ثمار الزيتون عن الشجر، حيث ستؤدي العملية إلى ارتفاع سعر زيت الزيتون عالميا مع انخفاض العرض، وحتى لو كان الإنتاج بنفس توقعات مجلس الزيتون الدولي بـ850 ألف طن، وهو أمر مستبعد، كما تنقل الغارديان عن أحد كبار مسؤولي قطاع إنتاج الزيتون في إسبانيا والتر زانري، فإن المستهلكين سيشعرون بزيادة السعر في نهاية المطاف.
وإذا كانت إسبانيا تستشعر الخسائر بفخر صناعتها من زيت الزيتون فإن إيطاليا هي الأخرى تعاني في إنتاجها للطماطم. ويخشى منتجوها أن يفسد موسمها بسبب موجة الحر المستمرة. ويأتي ذلك بعد أن قضى موسم الطقس البارد الماضي وفيضانات الربيع على أكثر من 15 في المائة من محاصيل زرعت لإنتاج العام الحالي.
في المجمل، يرفع السجال حول خسائر قطاع الزراعة في أغلب دول جنوبي أوروبا مستوى النقاش العام حيال حقيقة التغيرات المناخية وتكرر ظواهر تطرف الطقس (إما على شكل صقيع أو حرارة مرتفعة جدا).
فحتى في إسبانيا، كبقية مجتمعات أوروبا، ثمة من يعتقد أن الأمر مجرد "مؤامرة"، وبأنه لا توجد تغيرات مناخية. وفي نهاية المطاف جيوب المستهلكين، وسط أزمات اقتصادية وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، سيثقلها ارتفاع أسعار معظم الإنتاج الزراعي القادم من جنوب القارة.