الشركات الأهلية في تونس... هل يُحيل سعيد حل أزمة البطالة إلى الشعب؟

27 ديسمبر 2021
من تظاهرة ضد البطالة في تونس (Getty)
+ الخط -

أضحت معدلات البطالة الآخذة في التصاعد في تونس مثار قلق بالغ في البلد الذي يشهد اضطرابات اجتماعية واقتصادية كبيرة، ما دعا الرئيس التونسي إلى طرح مقترح لتأسيس شركات أهلية يكون المساهمون فيها من سكان المنطقة، بينما قوبلت الدعوة بانتقادات من خبراء اقتصاد، مؤكدين أن حل الأزمة يتمثل في إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية حقيقية.

وفشلت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ عام 2011، في إيجاد حل جذري لمعضلة البطالة، التي ارتفعت إلى 18.4% في الربع الثالث من العام الجاري 2021 حسب البيانات الصادرة عن المعهد التونسي للإحصاء (حكومي) في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مقابل 17.9% في الربع الثاني و17.8% في الربع الأول، بينما كانت 14.9% في الربع الأخير من عام 2019.

استعادة الأموال المنهوبة أولاً

في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن الرئيس قيس سعيد، أنه "من المقاربات التي يجب العمل عليها لتشغيل الشباب المعطل عن العمل وأصحاب الشهادات العليا الذين طالت بطالتهم، استعادة أموال الشعب المنهوبة".

ويريد سعيد بعد استعادة الأموال المنهوبة، تأسيس شركات جديدة، بنظام الشركات الأهلية، يكون فيها المساهمون من سكان المنطقة وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية.

لكن الخبير الاقتصادي التونسي، عز الدين سعيدان، قال لوكالة الأناضول إن "المقترح لا يمكن أن يساهم في حل معضلة البطالة، باعتبار أن هذه الشركات غير موجودة أساسا في القانون التجاري التونسي".

وأكد سعيدان أنه "لخلق هذه الشركات لا بد من وضع إطار قانوني جديد وهذا يتطلب الوقت"، مضيفا: "ما الفائدة من هذه الشركات التي هي غير موجودة أساساً في العالم، باستثناء بعض البلدان مثل البرازيل".

 في سبعينيات القرن الماضي، عاشت تونس لسنوات تجربة الاقتصاد التعاضدي سنوات، غير أنّ هذه التجربة فشلت سريعاً لأسباب تتعلق بطريقة التنفيذ

وأضاف: "لدينا إطار قانوني وهو شركات الاقتصاد التضامني والاجتماعي التي تفي بالحاجة، أيضا، لدينا الإطار القانوني للتعاضديات (الجمعيات)، على الرغم من أن التونسيين لديهم تجربة غير ناجحة قبل عقود مع التعاضد، ولكن في ذلك الوقت كانت مفروضة من طرف السلطة".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتساءل سعيدان عن جدوى اقتراح هذا الحل الآن، مشددا على أن "هذا لن يخلق الثروة أو مواطن الشغل (فرص العمل) بالسرعة والكمية المطلوبة الآن في تونس".

وأكد الخبير الاقتصادي أن الحل لهذه المعضلة، هو أشمل من ذلك بكثير، مشيرا إلى أن "الأطر القانونية الموجودة حاليا ممكن أن تعطينا نتيجة أفضل بكثير من التفكير في أنواع أخرى من الشركات غير موجودة أساسا في القانون".

وقال "نحن في حاجة إلى إصلاح الاقتصاد التونسي والمالية العمومية والمؤسسات العمومية، وكل هذه الإصلاحات التي تحدثنا عنها منذ سنوات عديدة ولم ندخل فيها إلى حد الآن، هي الطريق الوحيد الذي يُمكّن تونس من الخروج من هذه الأزمة".

حل جزئي لكن صعب

في المقابل، يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا قويعة، أن مقترح الشركات الأهلية يُمكن أن يمثل حلّا جزئيا لمعضلة البطالة في تونس.

وأكد قويعة: "أعتقد أنه حلّ ممكن ولكن في نفس الوقت صعب، نظرا للصعوبات التي تعترض تكوين مثل هذه الشركات".

وقال "من الصعب خلق هذه الشركات في تونس، في ظل ما يحدث الآن من تجاذبات سياسية أو أمنية.. هذا النوع من الشركات الأهلية يكون وسيلة لتنشيط الاقتصاد خاصة في الجهات الداخلية حيث نسب البطالة مرتفعة جدا".

وأضاف قويعة: "هذا الحل يجب أن يتزامن مع جملة من الحلول الأخرى أهمّها إعطاء أكثر ما يمكن من التحفيز للمستثمر التونسي والأجنبي، وتقليص المشاكل الإدارية لبعث أكثر شركات في الجهات الداخلية".

ويمنع ضعف نمو الاقتصاد في تونس من تحريك سوق العمل، حيث تسمح كل نقطة نمو بإحداث نحو 10 آلاف وظيفة جديدة.

 البطالة ارتفعت إلى 18.4% في الربع الثالث من العام الجاري 2021 حسب البيانات الصادرة عن المعهد التونسي للإحصاء في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مقابل 17.9% في الربع الثاني

ويخشى خبراء الاقتصاد من استنساخ الرئيس التونسي لتجارب فاشلة لحلّ معضلة البطالة، مطالبين بمزيد من التوضيحات حول مفهوم الشركات الأهلية التي ينوي إطلاقها.

وفي سبعينيات القرن الماضي، عاشت تونس تجربة شبيهة بالاقتصاد التضامني في شكله التعاضدي سنوات، غير أنّ هذه التجربة فشلت سريعاً لأسباب تتعلق بطريقة التنفيذ.

وشهدت تونس في 2021 إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية التي عرفتها منذ الاستقلال، وفاقمتها التجاذبات السياسية وتداعيات انتشار جائحة كورونا.

اللجوء إلى صندوق النقد

ورغم تعافي دول عديدة من تبعات الجائحة، وعودة النشاط الاقتصادي إلى سالف نشاطه، فإن تونس لم تستفد من هذه الوضعية بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته منذ بداية العام.

وأمام هذه الوضعية، ارتفع الدين العام مستويات قياسية، مسجلا 35 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول وفق بيانات صادرة عن وزارة المالية في ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

كما ساهم عدم الاستقرار السياسي في تصاعد عجز الموازنة العامة، ما يدفع الحكومة إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي من أجل توفير تمويلات لموازنة 2022.

وكان محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، قد رجح أخيراً، أن تتوصل بلاده إلى اتفاق مع الصندوق في الربع الأول من العام المقبل، بعد تقديم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتعيّن على الحكومة تنفيذه في السنوات الأربع المقبلة.

المساهمون