أنهى الفلسطينيون في قطاع غزة عامهم الخامس عشر من الحصار الإسرائيلي المشدد الذي فُرض عليهم في يونيو/ حزيران 2007، وبدأ العام السادس عشر بمزيد من التراجع والتردي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية. ومنذ بداية الحصار، لجأ الاحتلال لاتخاذ سلسلة من الإجراءات تمثلت في إغلاق المعابر التجارية واللجوء للتضيق على إدخال البضائع والمواد الاستهلاكية إلى جانب المواد الخام التي وضعت على قوائم الاستخدام المزدوج. وعزز الحصار الإسرائيلي من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة بعدما كانت قبل الحصار في مستوى يتلاءم مع الواقع المعيشي والاقتصادي للسكان الذين يعيشون في مساحة جغرافية لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً.
وأغلق الاحتلال المعابر التجارية ولم يبق إلا على معبر كرم أبو سالم التجاري وهو آخر المنافذ التجارية المتبقية للغزيين، والتي تربطهم بالأراضي المحتلة عام 1948، بعدما أغلق الاحتلال ثلاثة معابر، من أصل ستة تربط غزة بالعالم الخارجي. إذ دمّر، أواخر شهر مارس/آذار 2011، معبر المنطار (كارني)، وكان يعتبر من أكبر المعابر التجارية، ومعبر الشجاعية، (ناحل عوز)، الذي أغلق في الأول من شهر إبريل/نيسان 2010، ومعبر صوفا.
وإلى جانب ذلك، فقد فرض الاحتلال طوقاً بحرياً على القطاع منع من خلاله تجاوز الصيادين مساحات الصيد التي نصت عليها اتفاقيات أوسلو والتي تتجاوز 22 ميلاً بحرياً، وعزز من ملاحقتهم وانتهاك حريتهم في العمل ضمن المساحة المخصصة للصيد.
وقصف الاحتلال الإسرائيلي محطة توليد كهرباء غزة الوحيدة وهو ما فاقم من أزمة التيار الكهربائي، حيث وصلت ساعات التقنين في أحيان كثيرة إلى نحو 20 ساعة، وهو ما انعكس سلباً على المشهد الاقتصادي.
وعند بداية الحصار الإسرائيلي، لم تكن نسبة البطالة في غزة تتجاوز 25 إلى 26 في المائة فيما قفزت لتصل إلى 47.8 في المائة وفقاً لآخر الإحصائيات المسحية الصادرة عام 2021، في وقتٍ ترتفع بين صفوف الشباب إلى 60 في المائة.
ويقول الباحث المختص بالشأن الاقتصادي أسامة نوفل، إن غزة كانت تساهم بنسبة 40 في المائة من الناتج المحلي الفلسطيني قبل الحصار الإسرائيلي، غير أن نسبة المساهمة في الناتج المحلي بعد الحصار وصلت إلى 17 في المائة فقط.
ويضيف نوفل لـ "العربي الجديد" أن البطالة كانت 26 في المائة قبل الحصار الإسرائيلي وتجاوزت وفق آخر الإحصائيات 47 في المائة، في حين كانت معدلات الفقر أقل من 30 في المائة تتجاوز حالياً 60 إلى 70 في المائة. وبحسب الباحث في الشأن الاقتصادي، فإن نسبة انعدام الأمن الغذائي وصلت إلى 79 في المائة بين صفوف السكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، إلى جانب انخفاض أعداد العاملين في الأراضي المحتلة من 70 ألفاً إلى ما لا يزيد حالياً عن 12 ألف عامل فقط.
ويشير نوفل إلى تراجع التحويلات المالية من خارج قطاع غزة إلى داخله بنسبة 90 في المائة مقارنة بالفترة التي سبقت الحصار الإسرائيلي، إضافة إلى التراجع الملموس في القطاعات الإنتاجية نتيجة للحروب وجولات التصعيد المختلفة.
وأسهم المنع الإسرائيلي المتعلق بإدخال المواد الخام في تعطيل المصانع التي حافظت على نفسها بالرغم من الحصار، إذ لا تزيد إنتاجية هذه المصانع عن 20 إلى 30 في المائة في أفضل الأحوال، نتيجة للقيود الإسرائيلية المفروضة.
وبشأن تصدير البضائع للخارج، يؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي نوفل أن إجمالي نسبة التصدير لا يزيد عن 2 إلى 3 في المائة مقارنة بما كان يتم السماح به في السابق وقبل الحصار الإسرائيلي من ناحية الكميات وعدد الشاحنات. من جانبه، يشير الباحث في الشأن الاقتصادي رائد حلس إلى أنّ تداعيات الحصار الإسرائيلي أثرت على مجالات الحياة المختلفة وحولته إلى بقعة جغرافية غير صالحة للسكن، فيما فرض الاحتلال إجراءات أسس فيها لمنظومة الحصار الشامل.
ويوضح حلس لـ "العربي الجديد" أن من بين الإجراءات التي قام بها الاحتلال إقامة منطقة عازلة على القطاع تمثل 17 في المائة من المساحة الكلية للقطاع، وتدخل في نطاقها 37 في المائة من الأراضي الزراعية التي يمنع الوصول إليها وتسمى مناطق مقيدة الوصول.
وبحسب الباحث في الشأن الاقتصادي، فإن الاحتلال منع الفلسطينيين من استيراد ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف سلعة تحت ذريعة الاستخدام المزدوج ثم سمح باستيراد 18 سلعة قبل أن تتم زيادة هذه السلع في السنوات الأخيرة إلى 67 سلعة فقط.
ويشير حلس إلى أن تكلفة الحصار الإسرائيلي على غزة وفقاً لتقديرات بعض المنظمات الدولية تتجاوز 16.7 مليار دولار أميركي، ما يعني أن حصة الفرد في الحصار الإسرائيلي تتجاوز 9 آلاف دولار خلال سنوات الحصار.
ولا يتجاوز متوسط دخل الفرد اليومي في القطاع أكثر من دولار حالياً، في الوقت الذي يعتمد نحو 80 في المائة من السكان على المساعدات الإغاثية التي تقدمها وكالة غوث اللاجئين "أونروا" وغيرها من المؤسسات.