رفض المجلس الشعبي الوطني، الغرفة السفلى للبرلمان في الجزائر، جملة تعديلات أدرجت خلال مناقشة قانون الموازنة العامة للبلاد لسنة 2025، لاستيراد المركبات المستعملة أقل من خمس سنوات، بدل ثلاث سنوات حالياً، وإمكانية إدخالها من طرف المغتربين بالخارج، ما يؤشر إلى مزيد من التأزم بسوق السيارات في البلد العربي الذي يعاني منذ سنوات من ندرة وأسعار خيالية فاقت كل المنطق الاقتصادي.
في هذا السياق، جاء في تقرير تكميلي عن مشروع قانون الموازنة العامة الجزائري لسنة 2025، أعدته لجنة المالية والميزانية بالغرفة السفلى للبرلمان، اطلعت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن التعديل المقدم من طرف النواب للترخيص للمقيمين على التراب الجزائري، حتى لو كانوا أجانب، باستيراد سيارات مستعملة أقل من خمس سنوات تم إسقاطه.
وكما هو معلوم، فقد سمحت السلطات الجزائرية منذ بداية 2023، للأفراد المقيمين داخل البلاد، باستيراد سيارات مستعملة أقل من ثلاث سنوات، وفق جملة من الشروط تتعلق بسعة المحرك والوقود المستعمل (تم استثناء الديزل)، وجرى تخفيض الرسوم الجمركية الواجب دفعها من 39.24% إلى 19.62% (تخفيض بواقع 50%).
شروط للمركبات المستعملة المستوردة
وفق الوثيقة ذاتها، تم إسقاط بند آخر يهدف إلى إلغاء مادة جاء بها نص قانون الموازنة الجديد، تنص على منع بيع أو التنازل عن المركبات المستعملة أقل من ثلاث سنوات المستوردة من الخارج، وتم بالمقابل اقتراح جملة من الشروط لبيع هذا النوع من المركبات القادمة من الخارج في السوق المحلية.
في تبريرها لإسقاط هذا التعديل، ذكرت لجنة المالية والميزانية أن الهدف من إدراج هذا التدبير هو الحد من ممارسات المضاربة التي يقوم بها بعض السماسرة والأفراد الذين شوّهوا وحولوا الهدف المرجو من الترخيص باستيراد السيارات المستعملة أقل من ثلاث سنوات، ولا سيما أنه يتم استيرادها مع إقرار مزايا جبائية وجمركية.
وشددت على أنه بغرض مجابهة هذه الممارسات الهادفة إلى التحايل على الهدف من إقرار الامتيازات الجبائية والجمركية، يمكن اقتراح إمكانية التنازل وفق شروط معينة تتعلق باسترداد المزايا الجبائية والجمركية.
ومقابل ذلك اقترحت اللجنة تعديلات ببرنامج زمني يدفع بموجبه صاحب السيارة رسوماً لخزينة الدولة في حال أراد بيع السيارة أو التنازل عنها قبل انقضاء فترة 36 شهراً المحددة بموجب قانون المالية لسنة 2025.
وفي التفاصيل ورد أنه يمكن التنازل عن هذا النوع من المركبات بعد دفع امتياز جبائي من ثلاثة مستويات.
تداعيات على الأسعار
في هذا السياق، أفاد رئيس المنظمة الجزائرية للدفاع عن المستهلك المعروفة اختصاراً بـ"حمايتك" محمد عيساوي بأن المنظمة كانت تأمل في أن تأخذ الغرفة الأولى للبرلمان ببعض المطالب والتعديلات.
واعتبر عيساوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المنظمة ترى أن من التداعيات المحتملة لهذه التطورات هو الأثر المباشر على سوق السيارات، الذي سيستمر في حالة عدم الاستقرار والأسعار المرتفعة، وقال في هذا الصدد: "كوننا منظمة نطالب أعلى السلطات في البلاد بالتدخل من أجل توفير سيارة بسعر مقبول للمواطن الجزائري، وهذا لكون التنقل حقاً وهو مكفول دستورياً".
وأضاف: "ننتظر من السلطات أن تعتمد إجراءات من شأنها أن تحدث توازناً في السوق بين الطلب والعرض حتى تكون الأسعار في متناول المواطن الجزائري".
وشدد المتحدث على أن الشيء الإيجابي في تعديلات الغرفة السفلى للبرلمان هو قطع دابر السماسرة وجعل السيارة موجهة للمواطن فقط، وليس استغلال الوضع من طرف هؤلاء لإعادة بيع هذا النوع من المركبات بأثمان باهظة.
تجميد إصدار الوثائق
في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي جمّدت السلطات بشكل مفاجئ إصدار وثائق ترقيم السيارات المستعملة أقل من ثلاث سنوات المستوردة من الخارج، في إجراء دفع العديد من الجزائريين إلى الإحجام عن جلب هذا النوع من المركبات.
ولم يصدر أي تعليق من السلطات على هذا الإجراء حتى الآن، لكن تسلسل الأحداث وما تضمنه مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل، كشف أن التدابير المتخذة تتعلق بمنع بيع هذا النوع من السيارات أو التنازل عنها إلا بعد مرور ثلاث سنوات من تاريخ اقتنائها، ما يعني أن السيارات التي لم يستطع مالكوها استخراج بطاقات ترقيمها الجديدة في 2024، ستكون معنية بإجراء عدم إمكانية التنازل عنها إلا بعد مرور ثلاث سنوات.
ويمر قطاع السيارات في الجزائر، سواء الجديدة أو المستعملة، بحالة عدم استقرار مزمن منذ نحو عشر سنوات، بسبب إجراءات حكومية متعاقبة لضبط الواردات وكبح نزيف النقد الأجنبي، كسر خلالها هذا السوق كل القواعد الاقتصادية العالمية، ووصل الأمر بالمركبة المستعملة لأن تباع بضعف السعر الذي اشتُريت به بعد سنوات من السير في ظل ندرة غير مسبوقة وأسعار خيالية.
وعمدت السلطات حينها لتسقيف الواردات بمنح حصص محددة سلفاً لكل علامة، بعدما بلغت الفاتورة ذروتها عامي 2013 و2014 بإنتاج أكثر من 600 ألف سيارة جديدة بما يزيد عن ستة مليارات دولار.
واعتباراً من 2017 أوقفت الحكومة استيراد السيارات الجديدة، وأطلقت مشاريع جديدة لتركيب وتجميع المركبات لعدة ماركات عالمية، على غرار رينو الفرنسية وهيونداي وكيا الكوريتين وفولكس فاغن الألمانية وسوزوكي اليابانية.
وحسب مراقبين، فإن تركيب وتجميع السيارات في الجزائر مني بالفشل بدليل وجود العديد من أصحاب المشاريع في السجن بتهم فساد، وعدم بلوغ نسب الإدماج التي استهدفتها السلطات، وهي المشاريع التي وصفت حينها بـ"نفخ العجلات"، في إشارة إلى جلب المركبات شبه مكتملة من الخارج وتركيب العجلات فقط في الجزائر.
وحالياً يوجد مصنع واحد قيد النشاط لتركيب وتجميع السيارات بالجزائر، يعود لعلامة "فيات" الإيطالية المملوكة لمجموعة ستيلانتيس العالمية، وهو موجود بولاية وهران، غربي البلاد.