استمع إلى الملخص
- **ضغوط صندوق النقد الدولي:** تستجيب الحكومة لضغوط صندوق النقد الدولي الذي حدد سقفاً لتمويل الاستثمارات العامة، مع التزامات ديون تصل إلى 1.6 تريليون جنيه وارتفاع الدين العام إلى 6 تريليونات جنيه.
- **زيادة الموارد وبيع الأراضي:** لجأت الحكومة لزيادة موارد الشركات برفع أسعار الخدمات وبيع الأراضي والعقارات، مع التعاقد لإدارة وتشغيل وصيانة المرافق العامة، وسط أزمة مالية وتوسع في مشروعات الطاقة.
في ظلّ صعوبة تنفيذ برنامج وثيقة الملكية العامة وطرح شركات الحكومة في البورصة المصرية، تدفع الأزمة المالية الهيئات والشركات العامة والمحافظات إلى التخلي عن أصولها قطعة قطعة بالبيع أو التأجير بحق الانتفاع لمدد زمنية طويلة. تستهدف الشركات توفير السيولة النقدية، بعضها لسداد الديون وأخرى لدفع أجور والتزامات مالية، لا توفرها الخزانة العامة.
وتُجرى البيوع بمزادات معلنة بالصحف وتعلق بأماكن البيع، بينما تظل بعيدة عن الرقابة البرلمانية والشعبية، في ظل رغبة جامحة لدى كبار المسؤولين بجمع المال الذي ينفد من خزائن الجهات الحكومية، بسبب تراكم الديون المحلية والخارجية.
تهرول الجهات الحكومية نحو البيع بعدما توقف منح الهيئات والشركات العامة قروضا بفوائد مخفضة، ومنع تمويل الاستثمارات العامة من خارج مخصصات الموازنة العامة ومنع بنك الاستثمار القومي، عن ممارسة دوره في دعم المشروعات المدرجة بالخطط الحكومية، وتجهيزه للبيع خلال الفترة المقبلة.
ضغوط صندوق النقد على مصر
تستجيب الحكومة لضغوط صندوق النقد الدولي الذي حدد للحكومة سقفا لتمويل الاستثمارات العامة بحد أقصى تريليون جنيه (الدولار = 48.5 جنيهاً)، خلال العام المالي الجاري، مع حظر دعم الفائدة من البنك المركزي، لأي مشروعات أو جهة بالدولة للحفاظ على مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعاملين، وعدم تحميل الموازنة العامة أي أعباء مالية إضافية، لا تمكنها من الوفاء بالتزاماتها تجاه الجهات الدائنة.
تصل قيمة القروض المحلية والأجنبية الواجب سدادها خلال العام المالي الجاري 2024/ 2025 إلى نحو 1.6 تريليون جنيه، بما يقارب إيرادات الدولة، بينما ارتفع إجمالي الدين العام إلى ما يعادل 6 تريليونات جنيه، بنهاية 2023/ 2024.
رغم بداية موسم الأعمال والزخم التي تشهدها بورصة الأوراق المالية، أحجمت الشركات العامة عن طرح أصولها للبيع، بسبب حالة الترقب لسعر الدولار والتراجع المتوقع بقيمة الجنيه أمام العملات الرئيسية، وضبابية المشهد المحيط بالمنطقة، في ظل تصاعد أحداث الحرب الإسرائيلية بغزة والضفة الغربية وتصاعد التوتر العسكري بالبحر الأحمر ولبنان. توقفت البنوك عن منح تمويلات جديدة لشركات عامة، من بينها شركات عقارية وأسمدة، خشية "مخاطر تعثر محتملة".
تراجعت شركة العاصمة عن موعد طرح أصولها، خلال الربع الأخير من العام الجاري، وفقا لتعهدات مسبقة لرئيس الشركة خالد عباس، استهدفت الحصول على 300 مليار جنيه من عوائد بيع من أصول يتوقع أن تبلغ نحو تريليون جنيه، يستهدف توظيفها في تطوير وتوسعة المشروعات المعلقة بالعاصمة، ودفع ديون تحملتها الموازنة العامة تقدر بنحو 600 مليار جنيه. أسندت الحكومة إدارة عشرات من المستشفيات العامة لشركات محلية وأجنبية، للتخلص تدريجياً من أعباء نفقات القطاع الصحي، مع رفع نسب علاج المواطنين على نفقة الدولة، وقيمة الأدوية، دون زيادة بالحد الأقصى المقرر لتغطية النفقات لكل فرد.
سباق توفير الموارد
لجأت الحكومة إلى زيادة موارد الشركات برفع أسعار الكهرباء والمحروقات والمياه والنقل بنسب تصل إلى 46%، مع زيادة هائلة بقيمة الخدمات الحكومية، بما يضمن توفير سيولة هائلة لمنفذي تلك الخدمات من المستهلكين، مع إلزام الجهات الحكومية بترشيد الاستهلاك، وسداد فواتير الاستهلاك الفعلية، عبر الدفع النقدي وعمل مقاصة بين الجهات المدينة، تستقطع من المنبع عبر قنوات وزارة المالية.
طلبت وزارة السياحة، السبت الماضي، من شركات السياحة سرعة توريد الرسوم السنوية المقررة لمصلحة صندوق دعم السياحة والآثار، على وجه السرعة، مهددة بإيقاف تعامل الشركات المتأخرة عن سداد الرسوم لعامي 2023 و2024، على بوابة الإدارة المركزية للشركات، التي تتيح لهم تنظيم رحلات الحج والعمرة، وإنهاء اعتماد الأوراق الرسمية التي تحتاج إليها الشركات في التعامل مع الأجهزة المعنية بالدولة.
يتولى صندوق السياحة الصرف على حملات الترويج السياحي لمصر بالخارج والداخل، ويتحمل نفقات المؤتمرات وإعاشة ومكافآت الوزير والشخصيات الكبرى بالوزارة والضيوف الأجانب، وتمويل المهرجانات المحلية والدولية التي يشارك قطاع السياحة في دعمها. للوزير المختص سلطات مطلقة في توجيه إيرادات الصندوق، التي تأتي من الرسوم المقررة على شركات السياحة والنقل والمنشآت الفندقية ودخول المناطق الأثرية و25% من حصيلة صالات القمار بالفنادق الكبرى، والغرامات التي تفرض على الجهات التابعة للوزارة.
رفعت هيئة المجتمعات العمرانية الإعفاء للمتأخرين عن سداد الأقساط المستحقة على الوحدات السكنية والإدارية والتجارية وقطع الأراضي بمختلف أنواعها ومساحاتها، والفيلات والوحدات الشاطئية، عن السنوات الماضية، بنسبة 70% من قيمة غرامات التأخير، مقابل السداد الكامل للمتأخرات، خلال شهري سبتمبر/أيلول الجاري وأكتوبر/تشرين الأول المقبل.
بيع أراضٍ وعقارات
حصلت الهيئة على موافقة مجلس الوزراء ببيع قطع من الأراضي المخصصة لتجمعات سكنية وتجارية وصناعية وللخدمات وصيانة السيارات، لنحو 17 شركة أجنبية بالدولار، بقرار خاص من مجلس إدارتها في 17 يوليو/ تموز الماضي.
أعلنت شركة مصر لإدارة الأصول العقارية وهي إحدى الشركات التابعة لشركة مصر القابضة للتأمين المملوكة للصندوق السيادي، عن بيع بالمزايدة العلنية بالمظاريف المغلقة، أمام المستثمرين والشركات، 20 أغسطس/ آب الماضي، ولمدة أسبوعين، لعدد من العقارات والأراضي بمنطقة وسط القاهرة، التي آلت للدولة عن طريق التأميم وإعادة هيكلة القطاع العام، على مدار عقدين.
طرحت مؤسسة الأهرام الصحافية، المملوكة للدولة، الأحد أول سبتمبر/ أيلول الجاري، بيع أرض مملوكة للمؤسسة بالمزاد العلني، عند الكيلو 68.5 بالساحل الشمالي، على طريق إسكندرية- مرسى مطروح، تقع على البحر مباشرة، على مساحة 501 ألف متر مربع، سبق أن حصلت عليها المؤسسة لتقديم خدمات للعاملين بها.
وافق مجلس الوزراء على طلب وزير التعليم بالتعاقد مع شركة مصر للإدارة التعلمية لإدارة وتشغيل وصيانة مدارس النيل المصرية الدولية، بفروعها الخمسة بمدن العبور وأكتوبر وقنا والمنيا وبورسعيد لمدة عام، للتخلص من أعباء شرائها الكتب الدراسة ومستلزمات الدراسة التي تحتاج شراءها بالدولار من الأسواق الدولية.
استبقت وزارة الكهرباء إجراءات المصالحة التي تمت بين الحكومة ومرتكبي 2.1 مليون حالة مخالفة لقانون البناء، بإصدار قرار وزاري يسمح بتركيب عدادات كهرباء مسبقة الدفعة بسعر موحد لبيع التيار عن أعلى شريحة، بقيمة 2.3 جنيه للكيلوواط، مستهدفة تقليل خسائر شركات التوزيع من الفاقد المتسرب من الشبكات وزيادة الإيرادات، لمواجهة أزمة مالية طاحنة تمر بها الشركات. ألزمت شركات الكهرباء العاملين المقيمين بالوحدات السكنية داخل المحطات والمستعمرات السكنية التابعة لها، بدفع إيجار شهري بمتوسط 900 جنيه للوحدة وتركيب عداد كهرباء مسبق الدفع، مع تقسيط مستحقات نهاية الخدمة على فترات زمنية تصل إلى ثلاث سنوات، لمواجهة عجز السيولة.
تعرضت الشركات للأزمة المالية، مع توسع الحكومة في بناء مشروعات توليد فوق طاقة احتياجات الشركات، بلغت قيمتها نحو 32 مليار دولار، دفعتها إلى اقتراض نحو 530 مليار جنيه من البنوك المحلية والدولية، بضمان وزارة المالية، تعاظمت خطورتها من ارتفاع معدلات الفوائد على الديون، وزيادة أسعار الوقود، وتراكم المديونيات المستحقة لهيئة البترول، بمبالغ تفوق 150 مليار جنيه.
تستهدف الشركات سداد نحو 100 مليار جنيه للجهات الدائنة العام الجاري، عبر قروض من البنوك الحكومية بقيمة 50 مليار جنيه، وتوفير نحو 50 مليار جنيه أخرى من حصيلة الدفع المسبق للتيار، وسدادها لشركات الكهرباء وإمداد القطاع بمستلزمات التشغيل.
يعرض البنك الزراعي الحكومي بيع المخازن التابعة له، الواقعة على أراضٍ زراعية وداخل الكتل السكنية، بمزاد علني مع تسهيلات في السداد، بمحافظات المنيا بمساحات تبدأ من 628 متراً إلى 1050 متراً وفي سوهاج بإدارات البنك بمدن أخميم وساقلته وطهطا والمراغة والعدوة ودار السلام والبلينا، وبمحافظة الدقهلية، وقطعة أرض بمساحة 18 ألفاً و958 متراً بمدينة القنطرة غرب في الإسماعيلية.
يسير بنكا مصر والأهلي التابعان للدولة على نهج البنك الزراعي، حيث كُلف عدد من خبراء التثمين بيع عشرات القطع من الأراضي الزراعية والسكنية والتجارية بالمحافظات للبيع بمزادات عاجلة، خلال الأسبوعين الماضيين.
توفير الأجور
لجأ محافظون إلى بيع أراضٍ بحق الانتفاع، لمدة 25 عاماً قابلة للتجديد، للحصول على عوائد البيع في الإنفاق على مرتبات المعلمين والموظفين المدرجين بمشروعات الخدمات العامة داخل المدن، والتي ترفض الحكومة دمجهم ضمن حسابات المصروفات بالموازنة العامة للدولة. وظفت محافظة الغربية الأراضي التي نتجت عن تغطية الترع والمصارف بمدن المحافظة، بعرضها للبيع بحق الانتفاع لمدة 26 عاماً، بمدن طنطا وزفتى وغيرها وفقا لأحكام القانون رقم 182 لسنة 2018، بمساحات تصل إلى 28 فداناً.
تخطو شركة مياه الشرب بالقاهرة الكبرى على نهج المحافظين، إذ عرضت مزايدة تجري في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، على بوابة المشتريات الحكومية، بتخصيص مساحات واسعة أمام المستثمرين، تقع وسط العاصمة، لإقامة منشآت رياضية واجتماعية عليها بحق الانتفاع لمدة 15 عاماً، بنظام BOT.
وأعلنت شركة إسكندرية للزيوت والصابون عن بيع بالمزاد العلني، في أغسطس الماضي، لأرض المجمع السكني لعمالها، بما عليها من عمارات وفيلات، بمدينة كفر الزيات وسط الدلتا.
وتيرة غير مسبوقة لبيع الأصول
أكد عضو مجلس النواب السابق عبد الحميد كمال أن عمليات البيع والتأجير للأصول العامة، تجري بوتيرة غير مسبوقة في ظل تفاقم الأزمة المالية، التي تواجه المؤسسات العامة، مشيراً إلى رغبة الوزراء والمحافظين في دعم ميزانية الجهات التي يديرونها على حساب المواطنين وشفافية إنفاق المال العام.
يبين الخبير في الإدارة المحلية أن عدم دمج الصناديق الخاصة بالموازنة العامة للدولة يشجع الوزراء والمحافظين على التخلص من الأراضي والعقارات والأصول لمصلحة تلك الصناديق، والصرف منها كما يشاؤون، مستشهدا بتخصيص موارد "صندوق الخدمات والتنمية" بالمحافظات، لصرف مبالغ هائلة على حوافز ومكافآت للمحافظين وسكرتير العموم ومساعديهم والقيادات الأمنية والتنفيذية، مع ضمانهم أن تلك النفقات ستظل بعيداً عن الرقابة.
يوضح كمال أن غياب المجالس الشعبية، منذ إبريل/ نيسان 2008، التي كانت تضع المخططات العامة لاستخدامات وبيع الأصول بكل قرية ومدينة، أطلق يد المحافظين والمسؤولين في بيع ما يريد وفقاً لأهوائه وقدرته على ممارسة الفساد، بالمخالفة للقوانين والمخططات المركزية المعتمدة من البرلمان أو الحكومة، والتي تشمل التعدي على الحدائق العامة، وهدم المساكن، من أجل إقامة محلات تجارية أو مواقف للسيارات تجلب أموالا هائلة، لصندوق الخدمات الذي يخدم مصالح المسؤولين على حساب الخدمات الصحية والبيئة والترفيهية التي يحتاجها المواطنون.
يستعرض كمال نتائج أطروحته للدكتوراه، حصل عليها من كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، التي أظهرت أن سرعة تغيير وزراء الإدارة المحلية بمعدل وزير سنويا والمحافظين كل ثمانية أشهر خلال العقد الماضي، أدت إلى توقف مشروعات التنمية وبحْث المسؤولين عن بيع الأراضي والأصول العامة، باعتبارها مصدر دخل مربح، تساعدهم على الترويج لأنفسهم، واعتبارها أنشطة مربحة للدولة، بغض النظر عن ابتعاد ذلك عن تحقيق الصالح العام.
أكد عضو مجلس النواب السابق عبد الحميد كمال أن عمليات البيع والتأجير للأصول العامة، تجري بوتيرة غير مسبوقة في ظل تفاقم الأزمة المالية، التي تواجه المؤسسات العامة
ويشير "دفتر أحوال الفساد" الذي تصدره مؤسسة شركاء من أجل التنمية، إلى تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد وقائع الفساد خلال شهر يوليو 2024، بنسبة 15.4%، بقطاعات التعليم والتموين والمالي والمصرفي والزراعة والكهرباء والشرطة، عن المعدلات المسجلة في شهر يونيو/حزيران الماضي. يأتي قطاع التعليم على قمة القطاعات الأكثر فساداً، بواقع 30 حالة، من بين 97 حالة فساد مسجلة رسمياً، بينما احتلت العاصمة القاهرة المرتبة الأولى في وقائع الفساد على المستوى الجغرافي، خلال تلك الفترة، تأتي بعدها محافظات الإسكندرية والمنيا والغربية والإسماعيلية وأسيوط وسوهاج والدقهلية والشرقية والمنوفية وبني سويف والجيزة والبحيرة وأسوان.