تتجه مصر إلى المزيد من التوسع في نظام الري الحديث للزراعة بالمحافظات، سواء الرش أو التنقيط، والاستمرار في تبطين الترع لعدم إهدار المياه، نتيجة عدم إيجاد حلول لأزمة سد النهضة الإثيوبي، وتأثير السد الكبير في حصة مصر من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.
ويعترض الكثير من المزارعين على نظام الري المستحدث، لتكلفته المالية الكبيرة وعدم دراية الفلاحين به، فضلاً عن عدم ملائمته لعدد من الزراعات، وهو ما يؤدي إلى خسائر في الإنتاج.
وقال مسؤول في وزارة الري، إن وزير الري محمد عبدالعاطي، سيعقد اجتماعاً مع وزير الزراعة، السيد القصير، الأسبوع المقبل، للتنسيق بين الوزارتين بشأن التوسع في مشروع الانتقال إلى نظام الري الحديث، في ضوء التحديات المائية التي تواجه مصر، سواء للزراعة أو مياه الشرب، في ظل الزيادة السكانية وثبات حصة مصر من المياه.
وأضاف المسؤول في تصريح لـ"العربي الجديد": "هناك اتجاه لتقليل مساحة الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه على رأسها الأرز وقصب السكر، واستنباط زراعات تتناسب مع طرق الري الحديث".
وتابع: "الاتجاه العام داخل الحكومة، هو إنهاء نظام الري بالغمر نهائياً مهما كانت الخسائر الزراعية، وتشجيع المزارعين على التحول إلى نظم الري الحديثة".
وأشار إلى أن الفقر المائي فرض على الحكومة ضرورة تبني خطوات وسياسات فاعلة، لترشيد المياه والحفاظ عليها، لافتاً إلى أن من الإجراءات الأخرى التي يجري العمل عليها مشروع تبطين الترع، رغم كلفته المالية الكبيرة.
وتوقع ألا يتم تبطين جميع الترع الموجودة بكل المحافظات، والاكتفاء بالعمومية والكبيرة منها لتقليل التكلفة المالية، والاتجاه إلى تطهير بعضها من الحشائش فقط، لسرعة توصيل المياه إلى نهايات الترع لري الزراعات، خاصة بعدما كُشف عن انهيار بعض الأحجار خلال الأسابيع الماضية بعد تبطين عدد من الترع، بسبب عيوب فى التربة والتبطين، وهو ما يُعَدّ إهداراً للمال العام.
وسبّب توسع الحكومة في نظم الري الحديثة، حالةً من السخط وسط الكثير من المزارعين، وخاصة في محافظات الصعيد (جنوب مصر)، حيث أكد ممدوح أحمد، وهو مزارع من محافظة سوهاج لـ"العربي الجديد" أن الرى الحديث غير مجدٍ للمزارعين في محافظات الصعيد، لكون التربة طينية تحتاج للمياه بالغمر، لا بالرش أو التنقيط.
وأضاف أحمد أن الري بالرش أو التنقيط سيؤدى في النهاية إلى ضعف الإنتاج الزراعي، وبالتالي إلى خسائر كبيرة على المزارع، وخاصة زراعة قصب السكر الشهيرة في محافظات الصعيد.
وأعرب سلامة محمود، مزارع من محافظة الأقصر، عن رفضه نظام الري الحديث، مشيراً إلى أن هذه الأنظمة ستسهم في تقليل مساحة الرقعة الزراعية.
وتساءل المزارع يوسف طنطاوي عن جدوى استنباط سلالات زراعية جديدة وفق التصريحات الحكومية، قائلاً: "قد تكون هذه السلالات ضعيفة في الإنتاج وتضر بالأراضى الزراعية".
بدوره، قال ضياء القوصي، خبير المياه ومستشار وزير الري الأسبق، إن الاقتصاد المصري يعتمد كثيراً على نهر النيل، ويعتبر تقريباً المصدر الوحيد للمياه العذبة لديها، بينما تواجه الدولة تحدياً كبيراً في ظل إصرار إثيوبيا على ملء السد وتشغيله دون اتفاق مع مصر والسودان.
وأشار القوصي إلى أن مشروع تبطين الترع التي تصل إلى ما يقرب من 7 آلاف كيلو متر على مستوى المحافظات، يهدف إلى ترشيد المياه، في ظل التحديات المحيطة بموارد المياه وزيادة الكثافة السكانية، ولا سيما أن قطاع الزراعة من أكبر القطاعات المستهلكة للمياه.
وبدأت إثيوبيا فعلياً التمهيد للملء الثاني لسدّ النهضة، رغم التلويح المصري بالحرب، والتصعيد في اللهجة السودانية، فقد شرعت أديس أبابا، قبل أيام، في فتح البوابات العليا للسدّ، تمهيداً لعملية الملء، المقرر أن تكتمل بحلول يونيو/ حزيران المقبل، ما يمثل تحدياً لدولتي المصبّ، مصر والسودان.
وترفض مصر السيطرة الإثيوبية المطلقة على السدّ، من دون اتفاقيات أو قيود حول تشغيله وضمان حصة مصر والسودان، ما يمثل تهديداً وجودياً للشعب المصري، فالمخاوف متصاعدة من دمار الرقعة الزراعية المصرية الضئيلة في الأساس، وانخفاض حصص المياه المخصصة للشرب، إذ تعتمد مصر بأكثر من 90% على نهر النيل مصدراً للمياه في الحياة اليومية والأنشطة المختلفة.
ويخشى السودان من تأثر سدّ "الروصيرص"، أحد أهم مصادر الري والتوليد الكهربائي بنقص الموارد المائية التي تصل إليه عبر إثيوبيا، إلى جانب التأثيرات المتوقعة على القطاع الزراعي الحيوي في الدولة التي تعاني من أزمات معيشية حادة بالأساس.
وبدأت حدة اللهجة في التصاعد خلال الأيام الماضية، إذ قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نهاية مارس/ آذار الماضي: "لا يستطيع أيّ أحد أخذ نقطة مياه من مصر (..) وإلا فستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد".
وأضاف: "لا يتصور أحد أنّه بعيد عن قدرتنا (..) مياه مصر لا مساس بها، والمساس بها خط أحمر، وسيكون ردّ فعلنا حال المساس بها أمراً سيؤثر في استقرار المنطقة بالكامل". في المقابل، أعلنت إثيوبيا أنّ كلّ الخيارات مفتوحة بالنسبة إليها، لتبدأ قبل أيام بفتح البوابات العلوية للتمهيد للملء الثاني، في تحدٍّ للتهديدات المصرية.
وزير الريّ المصري السابق، محمد نصر علام، كشف في حديث سابق مع "العربي الجديد" أنّ إثيوبيا تنشئ 5 سدود جديدة على النيل، في تعتيم شديد.
ورغم أنّ سد النهضة يستحوذ على الاهتمام الأكبر الظاهر في العلن، تمضي إثيوبيا قدماً في خطتها الرامية إلى إنشاء سدود جديدة على النيل الأزرق، بما يؤثر سلباً بحصة مصر من مياه نهر النيل، بل يجعل إثيوبيا تتحكم في كلّ قطرة ماء تذهب إلى دولتي المصب.
وتخطط إثيوبيا لبناء 3 سدود كبرى، بخلاف سدّ النهضة، وهي سدود "كارداوبة" و"بيكو أبو" و"مندايا"، التي تقدَّر سعتها التخزينية بحوالى 200 مليار متر مكعب من المياه، وستمثل خصماً لمخزون المياه في السدّ العالي، الذي يستخدم لسدّ العجز المائي لإيراد النهر في مصر، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى جفاف مائي لمصر بعد الانتهاء من إنشائها.