أثار القبض على طائرة قادمة من القاهرة إلى مطار لوساكا عاصمة زامبيا محملة بملايين الدولارات والذهب، مخاوف لدى المواطنين، من تحولها إلى ظاهرة، في ظل أنباء قاتمة عن الاقتصاد، وشروع عدد كبير من المستثمرين في الخروج من السوق، والعمل بالخارج، وسط شح الدولار وفرض قيود على المستثمرين والموردين.
وتبادل مواطنون أنباء عن وجود عصابات دولية تتولى تهريب أموال بعض رجال الأعمال إلى الخارج، والسيطرة على تحويلات المصريين المقيمين بالدول الأجنبية والخليج، واستبدالها بالجنيه، عبر قنوات خاصة يقودها سماسرة محليون، في إطار بحثهم الآمن عن الخروج بأموالهم، أو تحقيق ثروات طائلة، بعيدا عن عيون السلطات الرسمية.
وأظهرت رسائل المواطنين التي تحولت إلى ظاهرة، على وسائل التواصل الاجتماعي، معاناة المواطنين من الارتفاع المتصاعد بقيمة الدولار، وتدهور معيشتهم مع تراجع القوة الشرائية للجنيه، وتبرمهم من قدرة بعض الشخصيات على تهريب الأموال بملايين الدولارات إلى الخارج، عبر المنافذ الرسمية بالبلاد.
ساحة البرلمان
تحولت قضية طائرة الأموال المهربة، إلى ساحة البرلمان بتقدم النائبة سميرة الجزار بسؤال عاجل لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزراء الدفاع والداخلية والطيران، لتبيان الحقائق أمام المواطنين الذين فوجئوا من قبل بخروج آثار من الموانئ، عقب حالات قطع التيار الكهربائي، من عصابات تخصصت في تهريب ثروات مصر، بما له من عواقب وخيمة على الاقتصاد وتهدد الأمن القومي.
دعت الجزار رئيس الوزراء والوزراء المعنيين، بالرد على الأسئلة كتابة، وفتح تحقيق بالواقعة، وعرض النتائج على الشعب. وأصبحت طائرة تهريب الأموال إلى زامبيا القصة الأكثر تداولا على صفحات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الدولي، بينما حظرت الأجهزة السيادية، النشر بالإعلام المحلي، عدا البيان الذي وزعته وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية نقلا عن مصدر رسمي مجهول الهوية، ينفي علاقة مصر بطائرة التهريب.
الرد الحكومي
اكتفت السلطات بنشر البيان في بعض الصحف، تعلن فيه أن الطائرة التي أثير حولها الكثير من اللغط، حول خروجها من القاهرة، باتجاه زامبيا، هي طائرة خاصة، هبطت ترانزيت في مطار القاهرة في وقت سابق، وخضعت للتفتيش والتأكد من استيفائها لكافة قواعد السلامة والأمن، التي تطبق بأعلى المستويات، داخل كافة المطارات والموانئ المصرية، ولا تحمل الجنسية المصرية.
أضاف البيان أن السلطات المصرية تجري اتصالات على أعلى مستوى مع نظيرتها الزامبية للوقوف على حقيقة وملابسات الواقعة.
كما رفضت سلطات الطيران والجهات الحكومية الرد على تساؤلات أجهزة الإعلام حول الواقعة، التي انتشرت أنباؤها الثلاثاء الماضي، عقب إعلان المدير العام للجنة مكافحة المخدرات بدولة زامبيا، عن القبض على عشرة أشخاص من بينهم ستة مصريين، وزامبي، وهولندي وإسباني، ولاتفي، لحيازتهم بضائع خطرة، عقب تفتيش الطائرة التي كانت تقلهم من القاهرة إلى لوساكا العاصمة، مساء الاثنين الماضي.
تتبع مسار الطائرة
أضاف المسؤول الزامبي أن الطائرة الخاصة من طراز Global Express T7-ww، ضبطت مع طائرة أخرى تابعة لشركة طيران محلية، يعتقد أنها جزء من العملية.
أكد المسؤول مصادرة 5.7 ملايين دولار و5 مسدسات و7 مخازن للذخيرة، و126 طلقة ذخيرة، و602 قطعة ذهب تزن 127.2 كيلوغراما وجهاز لقياس الذهب. أوضحت التحقيقات لاحقا أن 100 كيلوغرام من المضبوطات عبارة عن ذهب مخلوط بالنحاس والزنك والقصدير والنيكل.
تتبعت إحدى منصات الاستقصاء رحلات الطائرة، وبينت أنها تابعة لشركة فلاينغ غروب ميدل إيست في جبل علي بدبي.
ودلت بيانات موقع تتبع مسارات الطائرات المدنية، عن سفر الطائرة بين مطار القاهرة ودبي وطرابلس ليبيا عشرات المرات، وأن وقوفها للمرة الأخيرة، بالقاهرة، استهدف حمل عدد من الأشخاص. لم تتوصل أية جهة إلى المكان الذي حملت منه الأموال أو الذهب والسلاح التي رصدتها سلطات زامبيا بداخل الطائرة.
تهريب متكرر
قالت مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" إن عمليات التهريب للأموال والآثار من القضايا المتكرر حصولها عبر المنافذ المصرية بالمطارات والموانئ، منذ سنوات.
أوضح المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن عمليات التهريب عبر المطارات تحديدا، تجريها شخصيات تعمل بالمنافذ قادرة على المرور بأجهزة الكشف الرسمية واستغلال مساحات لديها داخل المناطق المحظورة لتخزين ما تريد تهريبه، لأوقات طويلة، ليتم تحميل المهربات داخل الطائرات على الرحلات العادية أو الخاصة في الوقت المناسب.
وكشف المصدر عن استغلال الشخصيات التي تدير تلك المنشآت ثقة الأجهزة الرقابية، في القيادات الأمنية المحالين للتقاعد، وتعيينهم بوظائف بشركات خدمات ودعم الطيران بمرتبات هائلة بالدولار لتستغل علاقاتهم في تسهيل خروج أو دخول ما يريدونه، دون اكتشاف جرائمهم المتكررة.
وأشار المصدر إلى أن تراجع الأوضاع الاقتصادية حاليا، يتزامن مع زيادة بمعدلات تهريب الدولار والآثار إلى الخارج، بينما يتسارع تهريب الذهب والهواتف والمعدات الكهربائية إلى الداخل عبر المطارات، وتأتي أغلب المخدرات عن طريق المنافذ البحرية.
وبين أن أغلب الأموال النقدية تتبادلها الدول، والتي يحملها الأفراد بأنفسهم تتم عبر الطائرات، مؤكدا أن ارتفاع قيمة الدولار والعملات الصعبة، يزيد من حجم الطلب على التهريب، كلما ظهرت مؤشرات سلبية عن الحالة الاقتصادية، والوضع السياسي بالبلاد.
ضبط عشرات المحاولات
ترصد الأجهزة الأمنية عشرات الحالات من محاولات التهريب للأموال وغيرها التي تجري على مدار اليوم، يعتبر المصدر أنها تمثل نحو 10% من إجمالي الحالات التي تحدث فعلياً، مبينا أن الأجهزة الحديثة لا يمكنها رصد عمليات تهريب الأموال بدقة، ليبقى الأمر مرهونا بخبرة المفتشين، وقدرتهم على مواجهة الفساد، وعدم المشاركة به.
واستبعد المصدر أن يكون تهريب السلاح داخل الطائرة وقع بالأراضي المصرية، لأن السلطات لديها إمكانات واسعة في مواجهة المفرقعات والذخيرة، بعد إجرائها تحديثات شاملة لكافة المطارات، عقب انفجار الطائرة الروسية في شرم الشيخ، أكتوبر/ تشرين الأول 2015، واستمرار عمليات التفتيش الدولية الدورية على قواعد الأمان داخل المطارات.
وأوضح أن أمر تهريب الأموال والآثار سيظل واردا ومرتبطا بيقظة القائمين على أمن المنافذ وعدم منح أفضلية للعسكريين والمتقاعدين من الأجهزة الأمنية، في الخضوع لإجراءات التفتيش التي تطبق بدقة على كافة الموظفين، مع خضوعهم لتقارير أمنية دورية، لاستبعاد المشكوك بأمره، من دخول المناطق الحساسة، والتعامل مع مناطق هبوط الطائرات ومناطق المخازن والدعم "كايترينغ".
قضايا عديدة
تتداول محكمة الجنايات بالقاهرة حاليا، محاكمة 12 متهما منهم 11 مصريا وأميركي، ألقت سلطات مطار جون كينيدي بنيويورك القبض عليهم، في واقعة تهريب 586 قطعة آثار من مطار القاهرة إلى الولايات المتحدة.
لم تملك السلطات أية معلومات في أكبر قضية تهريب للآثار تمت نهاية العام الماضي، إلا بعد تلقيها خطابا من السفارة الأميركية بالقاهرة، بعد القبض على المتهم الأميركي، في فبراير/ شباط 2022، من قبل سلطات الجمارك الأميركية، وبحوزته 360 قطعة أثرية في مطار جون كينيدي، مخبأة داخل ثلاث حقائب مسجلة برحلة مصر للطيران، من مطار القاهرة الدولي، مشيرة إلى أن العملية رتب لها على مدار 5 سنوات، وقد أدت إلى خروج عشرات القطع الأخرى، على فترات متباعدة، بيع بعضها في صالات المزادات خلال أعوام 2017 و2018 و2019.
وفي السياق، تداولت المحاكم المصرية أشهر قضية تهريب ضمت مئات القطع الأثرية، قام بها شقيق وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، تمت عبر شراكة مع قنصل إيطاليا الأسبق بمدينة الأقصر، واكتشفتها سلطات الأمن في مدينة نابولي الإيطالية عقب وصولها من ميناء ساليرنو قادمة من ميناء الإسكندرية في حقيبة دبلوماسية، غير أن السلطات المصرية نفت في حينه علاقة الشحنة بأي دبلوماسي مصري.
ومن جانب ثان، ألقت سلطات المطار القبض على أحد المسافرين وفي حوزته مليونا دولار مخبأة في 8 عبوات جبنة قديمة، وآخر حاول تهريب مليون دينار عراقي في 6 صواني "بسبوسة"، وثالث دس 45 ألف دولار داخل حلة محشي مغلفة بورق معدني و25 ألف دولار داخل حذاء. حتى إن أجهزة الأمن بمطار الأقصر قبضت على شاب حاول تهريب 97 عملة أثرية داخل أجهزة سمعية.
وأقرت محكمة النقض حكما بحبس رجل الأعمال حسن راتب 5 سنوات والنائب علاء حسنين عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن الحاكم، بالسجن 10 سنوات، لتزعمهما تشكيلا عصابيا يضم 18 متهما، يتولى تهريب آثار للخارج، بعد القبض عليهم متلبسين بحيازة 200 قطعة أثرية.
يعتبر خبراء أن قانون العقوبات الذي يحدد العقوبة بالحبس المشدد والغرامة على مهربي العملات الأجنبية، وفقا للمادة 126 من القانون، يدفع المهربين إلى المغامرة بجرائمهم، باعتبارها من أقل العقوبات التي تفرضها القوانين الدولية. ينص القانون على أن "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد عن 10 سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد عن 5 ملايين جنيه، أو المبلغ المالي محل الجريمة أو أيهما أكبر".