أثار الارتفاع الكبير في أرباح المصارف التجارية الليبية، البالغ نحو 1.6 مليار دينار (الدولار = 4.8 دنانير)، حتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة بـ668 مليون دينار للفترة نفسها، خلال العام الماضي، جدلاً في الأوساط الاقتصادية حول دلالات هذه الأرباح، وأثرها بالقطاع المصرفي.
ووفق عاملين في القطاع المصرفي، فإن هذه الأرباح تعكس تطوراً إيجابياً في أداء البنوك، مشيرين إلى أن زيادة العمولات والرسوم تُعد مكوناً طبيعياً لدخل المصارف في ظل انخفاض الأنشطة الائتمانية، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، كما اعتبروا أن هذه الأرباح قد تساهم في تعزيز قدرة المصارف على دعم الاقتصاد وتمويل المشاريع المستقبلية، شريطة تحسين الإدارة المالية ومواجهة المخاطر المرتبطة بالسيولة والديون المتعثرة.
في المقابل، أبدى آخرون تحفظهم على زيادة الأرباح، مثل الخبير المصرفي محمد أبوسنية، الذي أشار إلى فجوة مخصصات بلغت 41.4% لتغطية الديون المتعثرة، معتبراً أن هذه النسبة تستدعي توجيه جزء أكبر من الأرباح لمعالجة هذه الفجوة، وتعزيز الاستقرار المالي. وأكد أن نسبة الديون المتعثرة، التي تفوق 20% من إجمالي المحفظة الائتمانية، تُعد تحدياً يجب معالجته لضمان استدامة الأرباح، والمحافظة على أموال المودعين.
كما أشار تقرير المصارف إلى أن الأصول المولدة للدخل ما زالت تشكل أقل من 20% من إجمالي الأصول، ما يعكس ضعفاً نسبياً في توظيف الأموال، حسب أبوسنية، الذي لفت إلى ارتفاع رصيد الحسابات المكشوفة لدى المصارف الخارجية بنسبة كبيرة.
من جانبه، يرى المحلل المالي، صبري ضوء، أن الأرباح المرتفعة للمصارف ليست بالضرورة سلبية إذا جرت إدارتها بشكل صحيح. وأكد أن فجوة المخصصات يمكن معالجتها تدريجياً دون الحاجة إلى خفض الأرباح بشكل فوري، وقال لـ"العربي الجديد" إن تحقيق أرباح حتى من مصادر غير أساسية يعتبر إنجازاً، في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد.
وفي السياق نفسه، قال المصرفي الليبي، معتز هويدي، لـ"العربي الجديد" إن المصارف نجحت في تنويع مصادر دخلها، مؤكداً أن الرسوم والعمولات جزء أساسي من نشاط المصارف التجارية حول العالم، ولا يمكن التقليل من أهميتها في ظل تذبذب النشاط الائتماني بسبب الظروف الاقتصادية. وأضاف: "في بيئة غير مستقرة مثل ليبيا، من الطبيعي أن تركز المصارف على التحوط وتقليل المخاطر بدلاً من المغامرة بتوظيف أموال كبيرة في أصول قد تكون عالية المخاطر والأرباح".
مصارف ليبيا والديون المتعثرة
وأكد المحلل الاقتصادي، طارق الصرماني، أن هذه النتائج تحتاج إلى تقييم شامل يأخذ في الاعتبار الحسابات الختامية للمصارف، ومدى انعكاس الأرباح على واقعها المالي الفعلي.
وأوضح لـ"العربي الجديد" أنّ رؤوس أموال المصارف الليبية تُعد ضعيفة جداً عند احتسابها وفقاً لسعر الصرف الحالي، مما يستدعي رفع رؤوس أموالها، لتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية. وأضاف أن معالجة الديون المتعثرة، التي لا تزال مرتفعة، تمثل اختباراً حاسماً لقدرة القطاع المصرفي على الحفاظ على استقراره المالي.
وفي ما يتعلق بأنشطة المصارف، أكد الصرماني أن أداءها حالياً يقتصر بشكل كبير على المرابحة الإسلامية، مع غياب التنوع في الخدمات والمنتجات المصرفية، مما يحد من قدرتها على توسيع قاعدة عملائها وتعزيز مصادر دخلها. كما شدد على أن المصارف الليبية بحاجة إلى مواكبة التطور التكنولوجي والتحول الرقمي، الذي يُعد عاملاً أساسياً في تحسين الكفاءة، وتقديم خدمات مبتكرة تساهم في تعزيز دورها الاقتصادي.
وذكرت بيانات صادرة عن مصرف ليبيا المركزي تحقيق المصارف العاملة في الدولة نمواً ملحوظاً في أرباحها خلال الربع الثالث من عام 2024، بزيادة بلغت 145.4%، حيث ارتفعت الأرباح إلى 1.639 مليار دينار ليبي مقارنة بـ 668 مليون دينار ليبي في الفترة نفسها من عام 2023.
كما أظهرت البيانات المالية المجمعة للمصارف نمواً في إجمالي الأصول، التي صعدت من 145.2 مليار دينار بنهاية الربع الثالث من 2023 إلى 180.2 مليار دينار في الفترة نفسها من عام 2024، مسجلة نسبة زيادة 24.1%، نتيجة لتوسع المصارف الكبرى في تقديم التمويلات.