مشهد روسي معقد ... هل ينجو بوتين هذه المرة؟

28 فبراير 2022
يحاول بوتين أن ينجو بجريمة غزو أوكرانيا/ Geety
+ الخط -

بدا المشهد الاقتصادي الروسي، اليوم الإثنين، بالغ التعقيد والارتباك ويتسم بالتشاؤم الشديد، في ظل فرض مزيد من العقوبات الغربية القاسية على روسيا وامتدادها لأصول البنك المركزي الروسي، واحتياطيات البلاد من النقد الأجنبي والتي تتجاوز 640 مليار دولار، إضافة إلى انسحاب شركات وصناديق استثمار عالمية كبرى من روسيا.

في سوق الصرف، خسرت العملة الروسية، الروبل، اليوم نحو 41% من قيمتها قبل أن تتراجع النسبة إلى 30%، وسط ذهول الأسواق والمتعاملين والمدخرين، وسارع البنك المركزي الروسي إلى محاولة احتواء التهاوي وامتصاص الصدمة، عبر زيادة سعر الفائدة على العملة المحلية بنسبة 10.5% مرة واحدة، لتقفز من 9.5% إلى 20%، وذلك للمرة الأولى منذ شهر سبتمبر/ أيلول 2013.

لكن ذلك لم يقلل حالة الهلع المتنامية في أوساط المستثمرين ورجال الأعمال على حد سواء، خاصة أن العقوبات الغربية تستهدف شل حركة البنك المركزي في دعم الروبل وإعادة الاستقرار لسوق العملة.

اندفع الروس نحو البنوك وأجهزة الصراف الآلي في طوابير طويلة لسحب أموالهم منها، تحسبا لحدوث أزمة سيولة حادة وندرة في الدولار

وفي قطاع البنوك، استمرت حالة الذعر داخل القطاع المصرفي، واندفع الروس نحو البنوك وأجهزة الصراف الآلي في طوابير طويلة لسحب أموالهم منها، تحسبا لحدوث أزمة سيولة حادة وندرة في الدولار، وفرض قيود على عمليات السحب النقدي في حال استمرار العقوبات الغربية، والحيلولة دون وصول البنوك الروسية إلى أصولها في الخارج وتسييلها.

أو أن تؤدي العقوبات الغربية الجديدة إلى حدوث نقص شديد في السيولة النقدية، وتعطيل أنظمة المدفوعات، والحيلولة دون استخدام الروس لشبكة المدفوعات العالمية وبطاقات الائتمان المختلفة الصادرة عن الشركات الأميركية، ومنها فيزا وماستر كارد.

قطاع النفط الروسي تلقّى ضربات قوية، حيث قررت اثنتان من شركات النفط العالمية الكبرى، هما بي بي البريطانية وإكوينور النرويجية، سحب استثماراتهما من روسيا، وهي خطوة لها دلالة خطيرة بالنسبة لروسيا، خاصة إذا ما علمنا أن استثمارات "بي بي" وحدها تتجاوز 14 مليار دولار.

وفي خطوة أخرى لا تقل خطورة، أعلنت حكومة النرويج أن الصندوق السيادي النرويجي، الأكبر في العالم، يعتزم تجميد استثماراته في روسيا ومغادرة البلاد بشكل كامل، في إطار حزمة عقوبات غربية ضد موسكو.

قطاع النفط الروسي تلقّى ضربات قوية، حيث قررت اثنتان من الشركات العالمية الكبرى، هما بي بي وإكوينور، سحب استثماراتهما من روسيا

واكب هذه التطورات الخطيرة صدور تحذيرات قوية من بنوك استثمار عالمية، منها "جي بي مورغان" الاستثماري الأميركي بحدوث انكماش داخل الاقتصاد الروسي بنسبة 20% في الربع الثاني من العام الجاري، وهو ما يعمق أزمات الاقتصاد الذي عانى في الفترة الماضية من جائحة كورونا والحرب النفطية التي جرت في عام 2020، ويضغط على المواطن والأسواق.

في الجهة المقابلة، لم تتوقف العقوبات الغربية المفروضة على روسيا عند استبعاد بعض المصارف الروسية من نظام سويفت الدولي، والحيلولة دون وصول الشركات والبنوك الروسية إلى أسواق المال والديون العالمية، وتجميد أموال بوتين ووزير خارجيته ودفاعه ورموز نظامه وكبار رجال الأعمال.

بل امتدت العقوبات لتطول البنك المركزي الروسي والاحتياطيات النقدية، حيث بدأ، صباح اليوم، سريان العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على البنك، وقرر الاتحاد الأوروبي حظر أي تعاملات معه.

وأعلنت بريطانيا كذلك، أنها بصدد اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد البنك المركزي الروسي. كما يبحث الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على بعض أباطرة الأغنياء في روسيا وعدد من كبار المسؤولين في الشركات المملوكة للدولة ووسائل الإعلام، في تصعيد جديد للعقوبات الموجهة ضد غزو موسكو لأوكرانيا.

في ظل هذا المشهد المعقد، وتعثر المفاوضات الجارية بين موسكو وكييف، ومرور روسيا بأسوأ أزمة مالية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991، وتجميد الدول الغربية نحو 40% من أصول البنك المركزي الروسي المقدرة بنحو 640 مليار دولار، فإن السؤال المطروح: هل ينجو الاقتصاد الروسي من الانهيار مع توسيع دائرة العقوبات الغربية وزيادة معاناة المواطن وقفزات الأسعار، كما يحاول أن ينجو بوتين بجريمة غزو أوكرانيا في وضح النهار؟

المساهمون