استمع إلى الملخص
- **استثمارات ضخمة وآفاق واعدة**: تستثمر السعودية ما بين 900 مليار إلى تريليون دولار في السياحة، مع توقعات بزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 3.5% إلى 10% وارتفاع عدد العاملين إلى 1.6 مليون بحلول 2030.
- **تحديات وفرص في السياحة السعودية**: يواجه القطاع تحديات مثل العادات الراسخة، الحاجة إلى كوادر مؤهلة، والتحديات البيئية. تأهيل الشباب وتطوير البنية التحتية واستثمار عائدات النفط ضروري لتحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية.
عندما عاد الشاب السعودي، خالد القحطاني، إلى بلاده بعد غياب خمس سنوات للدراسة في الخارج، بدا مبهوراً بالمشهد السياحي الذي استقبله في مطار الرياض الدولي، إذ كان مختلفاً تماماً عما تركه في 2019.
لاحظ القحطاني تنوعاً كبيراً في جنسيات السياح، ولافتات ترحيبية بلغات متعددة، ومراكز معلومات سياحية متطورة، ما وصفه، لـ"العربي الجديد"، بأنه "تحول جذري يشهده القطاع السياحي بالمملكة".
وحسب تصريحات سابقة لوزير السياحة السعودي أحمد الخطيب، نما عدد السياح في السعودية بنسبة 10% في الربع الأول من 2024، فيما زاد إنفاقهم 17%.
وأكد الوزير في 28 إبريل/ نيسان الماضي، أن المملكة تطمح إلى جذب 150 مليون زائر بحلول عام 2030. ويأتي هذا التحول في إطار رؤية المملكة 2030 لتنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على النفط، إذ تخطط الحكومة السعودية لتتصدر دول الخليج والمنطقة العربية بـ 450 ألف غرفة فندقية بحلول عام 2030، حسبما أورد تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ في مارس/آذار الماضي.
وجهة عالمية
في هذا الإطار، يؤكد الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ "العربي الجديد"، أن القطاع السياحي في المملكة العربية السعودية يشهد تحولاً جذرياً، إذ يمثل أحد أهم مظاهر التطوير في البلاد، ويعكس التغير الهائل في إدارة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، ما ينقل المملكة إلى مرحلة جديدة تختلف تماماً عما كان سائداً في السابق.
وفي سياق التخطيط لتعزيز مكانة السعودية وجهة سياحية عالمية، يشير عايش إلى حجم الاستثمار الضخم في صناعة السياحة السعودية، الذي يتراوح بين 900 مليار إلى تريليون دولار، ويتوقع أن يكون العائد على هذا الإنفاق الهائل كبيراً.
ومن المتوقع أن ترتفع مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 3.5% حالياً إلى 10% في المستقبل القريب، حسب تقدير عايش، مؤكداً أن هذا القطاع سيصبح أحد أهم القطاعات الجاذبة للأيدي العاملة السعودية، حيث ارتفع عدد العاملين في القطاع إلى 880 ألفاً في عام 2022، مع توقعات بمضاعفة هذا العدد إلى 1.6 مليون بحلول عام 2030.
وفي ما يتعلق بالبنية التحتية السياحية، يشير الخبير الاقتصادي إلى أن السعودية ستتصدر دول الخليج بـ 450 ألف غرفة فندقية بحلول عام 2030، ويتوقع أن يرتفع إنفاق الزائرين في المملكة من 36 مليار دولار في عام 2023 إلى ما يقارب 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.
وتراهن المملكة على تنويع منظومة الصناعة السياحية، حيث تشمل قطاعات الضيافة، والترفيه، والاستجمام، والأنشطة الرياضية، والحج والعمرة، والسياحة البيئية والعلاجية، والتسوق، وقطاع الأعمال، والثقافة والمهرجانات، وسياحة المغامرات، ولذا يرى عايش إمكانية لتطوير قطاع سياحة العقار، بما يتيح الفرصة لأصحاب الثروات للاستثمار في القطاع السياحي السعودي.
سياحة النخبة
رغم هذه التوقعات الإيجابية، يشير عايش إلى وجود تحديات تواجه القطاع السياحي السعودي، من بينها العادات والتقاليد الراسخة، والحاجة إلى كوادر بشرية مؤهلة ومدربة قادرة على التعامل مع التقنيات الحديثة، إضافة إلى التحديات المتعلقة بالبيئة، والتغيرات المناخية، وارتفاع تكلفة المرافق السياحية.
ويلفت عايش إلى أن التركيز على "سياحة النخبة" قد يشكل تحدياً، في ظل المنافسة الخليجية والعالمية، ولذا يقترح التفكير في أنشطة سياحية موجهة لأصحاب الدخول المتوسطة، للمساهمة في نهضة السياحة السعودية، مشدداً على ضرورة زيادة اهتمام رجال الأعمال السعوديين بقطاع السياحة، وتعزيز الثقافة السياحية والوعي بأهميتها في مجتمع المملكة.
فرص واعدة في سياحة السعودية
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، مصطفى يوسف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن السعودية تشهد خلق فرص واعدة في قطاع السياحة، مع تنوع في مجالاتها الاستثمارية لأول مرة.
فالسياحة الدينية تحتل مكانة بارزة في السعودية، إذ تضم المملكة المقدسات الإسلامية كالكعبة المشرفة والمدينة المنورة، ما يتيح فرصة لتنظيم الزيارات الدينية على مدار العام بشكل أكثر حداثة، خاصة مع التطوير الذي تشهده البلاد، بحسب يوسف، مضيفاً أن هناك إمكانية لتطوير السياحة الثقافية، التي تشمل الجولات التعريفية بتاريخ الإسلام والمسلمين.
ويرى يوسف أن هذا النوع من السياحة يمكن أن يخلق فرص عمل كثيرة، يقدر عددها بنحو مليون فرصة حتى عام 2030، لافتاً إلى أن السياحة العلاجية تمثل مجالاً واعداً آخر، خاصة في ظل تميز النظام الطبي السعودي بمنطقة الخليج.
ويشمل هذا النوع من السياحة فرص تنشيط سياحة المؤتمرات، عبر تنظيم المؤتمرات العلمية والاستفادة من وجود جامعات مرموقة في السعودية، مثل جامعة الملك عبد الله وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، بحسب ما يرى يوسف.
وفيما يتعلق بالتحديات، يشدد يوسف على أهمية تأهيل الشباب السعودي للتعامل مع الثقافات الأخرى واحترامها، ورفع مستوى الوعي لدى الأجيال الجديدة، ويؤكد ضرورة التركيز على هذا الجانب في المناهج الدراسية، إذ يصعب اكتسابه في مراحل متأخرة من العمر.
وفي الإطار ذاته، يشير يوسف إلى أهمية تطوير البنية التحتية للسياحة، بما في ذلك توفير المرافق اللازمة من مطاعم، وخدمات عامة، ومنشآت فندقية، ومتاجر، تقدم سلعاً بأسعار منافسة وجودة عالية، ويستشهد بنجاح تجارب سياحية في دول مثل المغرب وتركيا وماليزيا، التي تمكنت من تحقيق نهضة سياحية ساهمت في مكافحة البطالة ورفع الدخل القومي.
ويخلص يوسف إلى أن استثمار عائدات النفط في تطوير القطاع السياحي ذو أهمية بالغة للسعودية، نظراً لكونه مصدراً متجدداً للدخل من جانب، ولأن النهضة السياحية يمكن أن تساهم في تصحيح الصورة النمطية للسعودية، التي ترسخت غربياً، من جانب آخر، بما يعود بالنفع على المملكة اقتصادياً واجتماعياً.