تصدعات في أميركا تنذر بسقوط أكثر حدة من الأزمة المالية العالمية

08 اغسطس 2024
سمسار يتابع تحركات الأسهم في بورصة نيويورك، 24 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

لم يدخل الاقتصاد الأميركي بعد في الركود، لكن ثمة تصدعات تنذر بسقوط أكثر حدة من الأزمة المالية التي هزت أسواق العالم قبل نحو 16 عاماً، ما يجعل الهدوء الذي شهدته الأسواق العالمية في اليومين الماضيين بعد انهيارات مفزعة لا يدوم طويلاً.

عاد الهدوء، لكنه حذر، إلى الأسواق العالمية، بعد التراجع الذي غذته البيانات الاقتصادية الضعيفة في الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، ونتائج أعمال شركات التكنولوجيا المخيبة للآمال، لكن قد لا يدوم هذا الهدوء طويلاً في ظل الارتياب السائد لدى الأسواق الرئيسية بشأن تمكن الاقتصاد الأميركي من تفادي ركود محتمل.

ورغم استبعاد مسؤولين ومحللين أميركيين سقوط البلاد في الركود، إلا أن ثمة مؤشرات على حدوث تصدعات مقلقة بالفعل من شأنها تسليط الضوء على حدوث ركود بالفعل، وإن كانت الأسواق لم تدخل فيه حتى الآن، منها ارتفاع معدلات البطالة وتآكل مدخرات الأميركيين وتراكم الديون عليهم، لتتصاعد معها معدلات التخلف عن سداد القروض، فضلاً عن التقلبات التي قد يشهدها السوق مع قرب الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل والتي ستختبر الديمقراطية الأميركية إلى درجة لم تشهدها الدولة منذ 150 عاماً، في إشارة إلى الحرب الأهلية، وفق مؤسسات بحثية دولية.

فقد انتعشت الأسواق الرئيسية على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، مع عودة المستثمرين إلى السوق غداة عمليات بيع حادة، كما أسهمت تصريحات أدلى بها مسؤولون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في تهدئة المخاوف من تعرض الاقتصاد للركود. في نيويورك حققت جميع القطاعات الرئيسية في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفاعاً كبيراً، ما دفع المؤشر إلى الصعود بنسبة 1% ليغلق عند مستوى 5237.99 نقطة، بينما صعد المؤشر ناسداك المجمع بنسبة 1.03% إلى 16366.86 نقطة. وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي 0.74% إلى 38988.13 نقطة.

وواصلت الأسهم اليابانية، أمس، ارتفاعها الذي سجلته في جلسة الثلاثاء، بعد يوم "الاثنين الأسود" الذي شهدت المؤشرات خلاله انهياراً تخطت نسبته 12%، حيث تكبدت السوق أكبر خسائر يومية منذ انهيار عام 1987، إذ فرضت المخاوف من ركود محتمل في الولايات المتحدة وتصفية استثمارات ممولة بالين ضغوطاً على السوق، كما دق تحول بنك اليابان الأسبوع الماضي إلى سياسة التشديد النقدي ناقوس الخطر بشأن مدى سرعته في هذا الاتجاه.

وارتفع المؤشر نيكاي في ختام تعاملات، الأربعاء، بنحو 1.19% بعد صعود بلغت نسبته 10% الثلاثاء، ليحقق ثالث أكبر مكسب يومي له بالنسبة المئوية ويعوض معظم خسائره المسجلة، الاثنين الماضي. كما زاد المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 2.26%. كما صعدت الأسهم الأوروبية عند الفتح، أمس، مع تحسن المعنويات بفضل سلسلة من نتائج إيجابية للشركات، حيث ارتفع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.5%.

وعلى الرغم من تحسن السوق أخيراً، فإن المخاوف ما زالت قائمة من ردة فعل هبوطية أخرى خلال الأسابيع القليلة المقبلة، خاصة مع فرضية ظهور بيانات أميركية سلبية جديدة، مرتبطة بالبطالة أو التضخم، بينما محت فوضى الأسواق المستمرة منذ منتصف يوليو/تموز الماضي قرابة 6.4 تريليونات دولار من القيمة السوقية للأسهم العالمية. فقد لا يكون انهيار سوق الأوراق المالية قد انتهى، فلا يزال هناك الكثير من الشكوك حول استقرار الأسواق، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية، مشيرة إلى أن المتداولين تمكنوا فقط من التوقف لالتقاط الأنفاس والنوم لبضع ساعات، ولكن يلوح سؤال واحد كبير: هل الأسوأ لم يأت بعد؟

المبيعات العشوائية قد تعود مجدداً

يقول رئيس قسم استراتيجيات التداول في مجموعة سيتي غروب المصرفية، كريستيان راوت، إن المبيعات العشوائية قد تعود مجدداً، مشيراً إلى أن اتساع نطاق عمليات البيع في الفترة الأخيرة يشير إلى أن المستثمرين المحترفين تلقوا "تربيتة على الكتف" من أعلى، تأمرهم بتقليص مخاطرهم مهما كان ما يحتاجون إلى التخلص منه للقيام بذلك.

وبالنسبة للصناديق الضخمة، فإن هذا سوف يستغرق أكثر من بضعة أيام من المبيعات. وفي غضون ذلك، سوف تتردد المؤسسات الأخرى في شراء حتى الأصول التي تعتقد أنها أصبحت أقل من قيمتها الحقيقية، خوفاً من أن يكون هناك عملاق ما لا يزال لديه موقف كبير يمكنه التخلص منه في السوق. بعبارة أخرى، ربما تكون الانخفاضات المؤلمة بعيدة كل البعد عن الانتهاء، وفق راوت.

وفي الخامس من أغسطس/آب الحالي كانت الأمور تبدو مروعة في الأسواق العالمية. فخلال جلسة التداول الآسيوية، انخفض مؤشر توبكس القياسي للأسهم اليابانية بنسبة 12%، مسجلاً أسوأ يوم له منذ عام 1987. وانخفضت أسعار الأسهم في كوريا الجنوبية وتايوان بنسبة 9% و8% على التوالي، وكانت الأسواق الأوروبية تتراجع. وقبل بدء التداول في الولايات المتحدة، كان مؤشر فيكس، المعروف بـ"مؤشر الخوف" الذي يقيس مدى توقع المتداولين لتقلب أسعار الأسهم، عند مستوى لم يصل إليه إلا في وقت مبكر من جائحة كورونا وبعد انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008 خلال السقوط الذي أشعل فتيل الأزمة المالية العالمية.

وعندما سيطرت التقلبات على الأسواق العالمية بداية الأسبوع الحالي، تدخلت صناديق التحوط لشراء أسهم التكنولوجيا التي تراجعت بشكل كبير في السوق الأميركية، الأمر الذي أعاد الهدوء إلى مقصورات التداول. لكن بنك غولدمان ساكس قال إن الانتعاش الأخير للأسواق لا يعني انتهاء التقلبات بعد.

ورأى محللو البنك بقيادة بيتر أوبنهايمر، أن "حركة التصحيح التي شهدتها سوق الأسهم الأميركية مطلع هذا الأسبوع لم تستمر مدة كافية". وأوضحوا أنه رغم تعرض الأسهم في الولايات المتحدة لأسوأ أداء يومي في قرابة عامين، يوم الاثنين الماضي، لكن تقييمات الأسهم ما زالت مرتفعة، وفق ما نقل موقع ماركت ووتش. وأشار البنك إلى أن زيادة معدل البطالة في قراءة يوليو/تموز تنذر بأن السوق لم يتجاوز مرحلة الخطر بعد.

وسجل تقرير الوظائف الصادر عن وزارة العمل، يوم الجمعة الماضي، زيادة للشهر الرابع على التوالي في معدل البطالة، ليصل إلى 4.3% في يوليو/تموز من 4.1% في يونيو/حزيران و3.4% في العام الماضي، مما أدى إلى إطلاق قاعدة عامة شائعة تقول إن الولايات المتحدة في حالة ركود. لكن أوبنهايمر رأى أن تراجع أداء السوق لن يتحول إلى ركود على الأرجح، حيث كانت قراءة مديري المشتريات الخدمي في أميركا قوية، وهذا يُبشر بأن تدهور الاقتصاد ليس وشيكاً كما هو متوقع على نطاق واسع.

كما أعرب محللون آخرون عن اعتقادهم بأن أكبر اقتصاد في العالم سيحقق هبوطاً ناعماً رغم ارتفاع معدلات البطالة، وذلك مع عودة التضخم إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% دون ارتفاع حاد في البطالة. وقال الخبير الاقتصادي السابق في البيت الأبيض، جيسون فورمان، وهو الآن أستاذ في جامعة هارفارد: "باستثناء معدل البطالة، فإن كل مؤشر للاقتصاد الحقيقي تقريباً ينمو، وبعضها ينمو بقوة". وأضاف فورمان لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية "أي شخص واثق من أننا نتجه نحو الركود يبالغ بشكل كبير في مدى فهمنا للاقتصاد".

كما قلل مسؤولو البنك الفيدرالي من إمكانية السقوط في الركود. ويوم الاثنين الماضي، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو وعضو اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أوستن جولسبي مازحاً إن سوق الأسهم "أكثر تقلباً" من البنك المركزي الأميركي.

تآكل مدخرات الأميركيين وتعثر عن سداد الديون

لكن ثمة مؤشرات أخرى تظهر أن هناك تصدعات ربما تباغت الاقتصاد الأميركي لا سيما ما يتعلق بمديونيات الأسر والتعثر عن سداد القروض الآخذ في الاتساع. ووفقاً لتقرير جديد صادر عن البنك الفيدرالي في نيويورك، فإن الأميركيين مدينون بمبلغ قياسي قدره 1.14 تريليون دولار على بطاقات الائتمان الخاصة بهم.

وتسبب الثنائي "التضخم وارتفاع أسعار الفائدة" في تآكل مدخرات الأميركيين، وتراكم الديون عليهم ليتخلف نحو 10% من مالكي بطاقات الائتمان في الولايات المتحدة عن سداد ديون بطاقاتهم. ومع تزايد ديون بطاقات الائتمان، فإن الشباب البالغين، الذين من المرجح أن تكون لديهم ملاءة مالية أفضل من كبار السن، يتخلفون بشكل متزايد عن سداد الديون وهو ما قد يمثل مشكلة كبيرة مستقبلاً مع زيادة حالات التعثر. وارتفعت أرصدة ديون بطاقات الائتمان بمقدار 27 مليار دولار في الربع الثاني من العام الجاري، بزيادة بلغت نسبتها 5.8% عن العام الماضي، بحسب التقرير الصادر الثلاثاء.

ووجد بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أن معدلات تأخر سداد بطاقات الائتمان كانت أعلى أيضاً خاصة بين البالغين الأصغر سناً، أو المقترضين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و39 عاماً، والذين من المرجح أن يكونوا أكثر تضرراً من جائحة كورونا. وفي نهاية الشهر الماضي، أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي على معدلات الفائدة دون تغيير عند مستوى بين 5.25% و5.5%، وهو أعلى مستوى للفائدة في أكبر اقتصاد بالعالم منذ نحو 22 عاماً.

وتسارع التضخم في الولايات المتحدة منذ عام 2022 وسجل مستويات تصل لنحو 8%، ليبلغ أعلى مستوياته منذ 40 عاماً، وهو ما دفع الفيدرالي للقيام بسلسلة من رفع أسعار الفائدة منذ ذلك الحين. لكنه بدأ في التراجع منذ العام الماضي، وخلال مايو/أيار الماضي انخفض التضخم إلى 3.3%، ما دعم توقعات المستثمرين بخفض أسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول المقبل.

وتضررت الأسر ذات الدخل المنخفض، التي اضطرت إلى تمديد فترات السداد لتغطية زيادة الأسعار، وبشكل خاص بعد سلسلة من 11 زيادة في أسعار الفائدة قام بها الاحتياطي الفيدرالي، رفعت متوسط نسبة الفائدة الخاصة ببطاقات الائتمان إلى أكثر من 20% لتقترب من أعلى مستوى لها على الإطلاق.

المساهمون