يستعد العاملون التونسيون في القطاع السياحي إلى الالتحاق مجددا بصفوف العاطلين عن العمل، بعد أن سمح لهم موسم الصيف بالاستفادة من الانتعاش النسبي للقطاع مع عودة فتح النزل أمام نزلاء الفنادق المحليين، فيما يتواصل الغموض بشأن الموعد الجديد لعودة الأسواق الخارجية وقدوم السياح الأجانب.
وخلال موسم الذروة الصيفي، استعادت فنادق تونسية حيويتها التي نتجت عنها حركية في سوق العمل بالقطاع الذي نزف أكثر من 200 ألف فرصة عمل خلال موسمين بسبب الجائحة الصحية العالمية، إلا أن القطاع يستعد للعودة إلى الركود مجدّدا.
دراسة محلية أصدرها المرصد التونسي للاقتصاد (منظمة بحثية غير حكومية) في سبتمبر/أيلول الماضي، كشفت أن القطاعات الاقتصادية الكبرى خسرت قدرتها التشغيلية بسبب الإضرابات السياسية في البلاد خلال السنوات الماضية، وأنها فقدت قدرتها على خلق فرص العمل لفائدة قطاعات أخرى أقل قدرة على استيعاب العاطلين عن العمل.
وخلصت الدراسة إلى أن أكبر قطاعات التوظيف في تونس تجد صعوبة لخلق مزيد من فرص العمل، بل إنها تعتبر الأكثر تضررا من عدم الاستقرار المحلي والدولي.
ويرى الخبير الاقتصادي خالد النوري، أن استعادة صناعة السياحة لعافيتها وقدرتها على خلق الوظائف قرار سياسي بحت، مؤكدا أن الأسواق السياحية الأجنبية لا تزال تعتبر تونس بلادا عالية المخاطر، بسبب تواصل الاضطرابات السياسة، ومواقف بعض الدول الأجنبية مما يحصل في البلاد من مستجدات على الساحة السياسية.
وأضاف النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تحريك وكالات الأسفار الكبرى لرحلاتها نحو تونس يحتاج إلى قرارات سياسية من تلك الدول، وجهود دبلوماسية يتعيّن على الحكومة بذلها، غير أن البلاد الغارقة في خصوماتها السياسية غير قادرة في الوقت الحالي على إيجاد حلول لمشاكل قطاعاتها الاقتصادية المتعثرة، وفق قوله.
وأكد الخبير الاقتصادي أن النزل والمنتجعات السياحية تتجنب الغلق النهائي بسبب الكلفة العالية لهذا القرار، ما يجعلها تعمل بالحد الأدنى من الموارد البشرية، مشيرا إلى أنه ما لا يقل عن 200 ألف عامل في قطاع الفنادق غادروا نهائيا العمل في هذا النشاط، والتحق جزء منهم بالعمل في قطاعات المطاعم والمقاهي.
وتواصل الحكومة دعم العاملين في القطاع السياحي عبر مساعدات ظرفية بقيمة 200 دينار (نحو 72 دولارا) يتم صرفها شهرياً لفائدة العمال المسرّحين أو المحالين على البطالة الفنية لمدة 6 أشهر على أقصى تقدير.
تعتبر جامعة السياحة والنزل أن تراكم الأزمات الظرفية في القطاع سببه عدم الاستقرار السياسي والأمني بالبلاد منذ عام 2011
وتعتبر جامعة السياحة والنزل أن تراكم الأزمات الظرفية في القطاع سببه عدم الاستقرار السياسي والأمني بالبلاد منذ عام 2011.
وأكدت الجامعة في بيان لها، في يوليو/تموز الماضي، أن عدم وضوح الرؤية وعدم قدرة الدولة على إدارة الأزمة بالشكل الذي يسمح بعودة المياه إلى مجاريها، يكبد القطاع سنة بيضاء ثانية على التوالي، متسببا في أزمة غير مسبوقة للسياحة التونسية.
وعلى امتداد موسم الصيف، استعانت الفنادق السياحية بجزء من العمال الذين سبقت إحالتهم على البطالة الفنية أو من جرى تسريحهم بعقود ظرفية توشك على النهاية، مع اقتراب دخول السياحة في فترة ركود جديدة.
ويقول سفيان الأخضر إن النزل الذي يعمل فيه بمحافظة المهدية دعا جزءا من موظفيه السابقين، في شهر يونيو/حزيران الماضي، إلى العمل بعقود لا تتجاوز الثلاثة أشهر، ثم جرى تمديدها لشهر إضافي، مؤكدا أن الفندق قام بتوظيف نحو 60 بالمائة من عماله السابقين بعقود مؤقتة تنتهي في شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأكد سفيان لـ"العربي الجديد" أن إدارة الفندق لم تُعلم بعد العمال عن مآلهم بعد انتهاء العقود، مرجحا أن يتم الاستغناء مجددا عن أكثر من 80 بالمائة منهم، بعد تراجع الحجوزات في الأسابيع الأخيرة وعدم قدوم أي وفود سياحية أجنبية.
وأضاف المتحدث: "نحن في رحلة كر وفر مع لقمة العيش"، بسبب تراجع صناعة السياحة في البلاد، وتحوّل فنادق كانت تعج بالسياح الأجانب إلى مدن أشباح بسبب تواصل تداعيات فيروس كورونا، وتوقف تدفق الوافدين سياح السوق الأوروبية الجزائريين.
وقال سفيان إنه ينوي البحث عن عقد ظرفي جديد في أحد نزل المحافظات الجنوبية التي لا يزال فيها العمل ممكنا، بعد تحوّل وجهة السياح المحليين في هذه الفترة إلى المدن الصحراوية ومدينة جربة التي تترقب موعدا دوليا مهما، باحتضان القمة الفرنكوفونية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
بالتزامن مع الجائحة الصحية، رجحت السلطات التونسية أن تخسر السياحة 1.4 مليار دولار ونحو 400 ألف وظيفة، حسب رسالة وجهها البنك المركزي إلى صندوق النقد الدولي
وتابع: لا تزال فرص العمل متاحة في بعض محافظات الجنوب، ويمكن الحصول على عمل مؤقت هناك، على عكس فنادق المحافظات الساحلية التي قد تضطر للغلق وتسريح عمالها مجددا إلى حين.
وأكد العامل بالسياحة أن موسم الذروة سمح لعديد العمال في القطاع بكسب القوت، غير أن شبح البطالة عاد ليطاردهم مع تأخر عودة صناعة السياحة إلى مستوياتها العادية ما قبل جائحة كورونا.
وبالتزامن مع الجائحة الصحية، رجحت السلطات التونسية أن تخسر السياحة أربعة مليارات دينار (1.4 مليار دولار) ونحو 400 ألف وظيفة، حسب رسالة وجهها البنك المركزي إلى صندوق النقد الدولي.