تتزايد المخاوف في تركيا من ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز، في شباط/فبراير المقبل، كما أعلنت الحكومة التركية، لتضاف الفواتير إلى تكاليف المعيشة وأسعار المنتجات التي قفزت أكثر من 100% خلال عام، بسبب عدم قدرة الحكومة على تخفيض التضخم دون عتبة 48.58% المسجل في شهر أكتوبر الماضي، واستمرار تراجع سعر صرف الليرة التي كسرت حاجز الـ34.7 مقابل الدولار، الأربعاء.
وبحسب ما نشرته تركيا في الجريدة الرسمية قبل أيام، من المقرر أن تشهد فواتير الكهرباء والغاز الطبيعي مرحلة سعرية جديدة، تطاول المستهلكين الذين يستخدمون كميات عالية من الكهرباء، حيث سيتم فرض التكاليف الفعلية على الفواتير التي تتجاوز 417 كيلوواط/ ساعة، أي ما يعادل 1.050 ليرة.
ومن المتوقع أن يتأثر بهذا التغيير حوالي 1.2 مليون مشترك. يقول وزير الطاقة والموارد الطبيعية، ألب أرسلان بيرقدار، إن الحكومة تعمل على رفع الدعم عن أسعار الكهرباء للمشتركين ذوي الاستهلاك العالي في المنازل، مما يعني أن هؤلاء المشتركين سيدفعون السعر الحقيقي المكتوب في فواتير الكهرباء في تركيا بعد شهر فبراير 2025.
مشيراً خلال لقاء مع الصحافيين قبل اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية قبل أيام، إلى وجود نحو 40 مليون مشترك منزلي في تركيا، 3% منهم، أي نحو 1.2 مليون مشترك، سيتأثرون بهذا التغيير. وبالطبع، ستكون هناك استثناءات للمساجد ودور العبادة، وسيستمر قطاع الصناعة في الاستفادة من الاستثناءات.
قرار رفع دعم الكهرباء والغاز
وكانت هيئة تنظيم الطاقة التركية (EPDK) في تركيا قد رفعت سعر الكهرباء مرتين، خلال عامين، الأولى في الأول من تموز العام الماضي بنسبة 30% على أسعار الكهرباء المنزلية، وبالنسبة للقطاع الصناعي والتجاري العام والخاص، تصل الزيادة إلى 38% للشرائح الدنيا، و20% للشرائح العليا. والرفع الثاني طاول الكهرباء والغاز المنزلي في يونيو من العام الجاري، وكان بنسبة 20% للمنازل، بينما زادت النسبة إلى 50% للقطاع الصناعي "20.4%، و47.6% لشركات الإنتاج الصناعي الصغيرة والمتوسطة، و50.8% للمستخدمين الصناعيين الكبار".
ويرى المحلل التركي باكير أتاجان أن رفع الأسعار كان بسبب زيادة أسعار الطاقة عالمياً، مبيناً أن بلاده تستورد معظم احتياجاتها من النفط والغاز بفاتورة تزيد عن 50 مليار دولار سنوياً. ولكن أتاجان يضيف لـ"العربي الجديد" أن الرفع المقبل في فبراير "مختلف"، وهو بمثابة بيع الكهرباء بالسعر الحقيقي لكبار المستهلكين، بمعنى تراجع الدولة عن دعم هؤلاء، وذلك سيحقق عائداً للخزينة يعوّض، بعض الشيء، تكاليف استيراد الطاقة وإنتاجها.
وحول أثر زيادة أسعار الكهرباء والغاز على أسعار المنتجات الاستهلاكية، يشير المحلل التركي إلى أن الأثر سيكون محدوداً، لأن قطاع الزراعة مستثنى من الرفع، كما ستستمر تركيا في دعم الإنتاج الصناعي، عبر رفع سقف الدعم للمستخدمين الصناعيين في القطاعين العام والخاص عند 15 ألف كيلووات/ ساعة سنويا، مؤكداً أن رفع الأسعار المقبل هو إلغاء الدعم الحكومي عن كبار مستهلكي الكهرباء في القطاعين السكني والتجاري، أكثر ما هو موجه للقطاعات الإنتاجية.
بدوره، يقول المحلل التركي علاء الدين شنكولر إن توجه تركيا، منذ العام الماضي، إلى زيادة الجباية عبر زيادة نسبة الضرائب، يشير إلى نهج الحكومة وطريقة الوزير محمد شيمشك الذي يسعى لزيادة موارد الخزينة العامة، ولو على حساب المستهلكين والقطاعات الإنتاجية.
ويلفت شنكولر لـ"العربي الجديد" إلى أنه من حق الدولة أن تزيد العائدات والموارد، ولكن من دون أن ترهق المكلفين ومن دون أن تنعكس الضرائب وأسعار مكونات الإنتاج، وفي مقدمتها حوامل الطاقة على أسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية، لأن دخل المستهلك التركي، بالكاد، يسد تكاليف المعيشة، وفي حال انعكست أسعار الطاقة على تكاليف الإنتاج فمن الطبيعي أن يزيد الصناعي والتاجر الأسعار، ليكون المستهلك هو الحلقة الأضعف ومن يدفع فاتورة رفع الأسعار.
وحول ما يقال عن أن تركيا بدأت، بشكل تدريجي، تطبق وصفات ونصائح صندوق النقد والبنك الدولي، بعد أن عادت للاقتراض العام الماضي من البنك الدولي، لم يستبعد المحلل التركي ذلك، لأن أهم شروط تلك المؤسسات لزيادة حصة الدول ومنح القروض، هو سحب الدعم وتعويم الأسعار والتخلي عن سياسات التوظيف، ولكن "لا أتوقع أن تركيا ستستجيب بسرعة لوصفات صندوق النقد، ولم تمد يد الاستدانة له بعد، لأنها تعي خطورة ذلك، ودفعت ثمناً في الماضي قبل أن تنعتق من الديون وتتحول إلى دائن للصندوق قبل عشر سنوات".