استمع إلى الملخص
- التحديات والاندماج في سوق العمل: معدل توظيف اللاجئين السوريين منخفض بنسبة 40% بسبب نقص المهارات والمثبطات الاجتماعية، مع جهود لتحسين اندماجهم عبر التدريب في قطاعات مثل الطب والهندسة.
- الاعتراف بالمؤهلات والتحديات البيروقراطية: يواجه اللاجئون صعوبات في الاعتراف بمؤهلاتهم، رغم وجود 106 آلاف أكاديمي سوري، مع توجه لاعتماد التدريب أثناء العمل لتحسين الاندماج.
ما إن أُعلن في سورية عن سقوط نظام الطاغية بشار الأسد، حتى ضج الوسط السياسي والإعلامي في ألمانيا بضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، لا سيما وأنّ أسباب اللجوء انتفت ولا داعي لإبقائهم في البلاد. هذه الطروحات قوبلت بالرفض من قبل جهات أخرى، وفي مقدمتها القطاعات الاقتصادية والتجارية ومعاهد سوق العمل لاعتبارات عدة، أهمها أنّ اللاجئين باتوا في صلب التركيبة الهيكلية لبنية القطاعات الاقتصادية والخدماتية التي تعاني من نقص اليد العاملة.
وفي هذا الإطار، اقترح الباحث في مجال الهجرة بمعهد سوق العمل والبحوث المهنية "آي إيه بي"، هربرت بروكر، في حديث مع صحيفة راينشه بوست، أخيراً، منح السوريين خيار العودة إلى ألمانيا إذا أراد السياسيون إعادتهم، على الرغم من نقص العمالة في البلاد، معتبراً أنّ ذلك "هو الحل الأفضل". وشرح أنّ الكثيرين من اللاجئين السوريين سيكونون أكثر حماسة للعودة طوعاً إذا كان لديهم هذا الخيار، قبل أن يستدرك قائلاً: "ومع ذلك، فإنّ إبعاد عمال مدربين تدريباً جيداً لن يكون له أي معنى". وأفاد بأنّ معدل توظيف اللاجئين الذي يقوم المعهد بتقييمه يشمل طالبي اللجوء الذين تم رفضهم أو الاعتراف بهم، كما الذين لا تزال إجراءاتهم مفتوحة، ويقلّ في المتوسط عن 70% بعد حوالي 6 أو 7 سنوات من الإقامة في ألمانيا، مشيراً إلى أنّ معدل التوظيف بين السوريين يبلغ حالياً 40%.
وفي هذا السياق، بيّنت بيانات وتقارير اقتصادية أنّ السوريين يتخلّفون في سوق العمل الألماني عن غيرهم، لأنه بالإضافة إلى نقص المهارات، هناك عامل آخر وهو المثبطات في النظام الاجتماعي والاستفادة من مزاياه. وذكر معهد الاقتصاد الألماني أنّ تلك المزايا تمثل مشكلة أساسية وتضع "حوافز زائفة"، حيث إن العديد من اللاجئين السوريين لا يقبلون سوى وظائف بدوام جزئي أو وظائف مؤقتة بغية الاستمرار في الاستفادة من تقديمات الإعانات الاجتماعية.
اندماج اللاجئين في الاقتصاد
من زاوية أخرى، تظهر الأرقام المُحدّثة والصادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني أنّ عملية الاندماج في العمل لدى اللاجئين تتقدم ببطء. من بين 863 ألف شخص من أصول سورية تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً، كان 42% منهم يعملون فقط العام الماضي، فيما يبحث 8% عن عمل. وللمقارنة، يبلغ معدل التوظيف الإجمالي للسكان من أصول مهاجرة 73%، وبالنسبة للمواطنين الألمان يصل إلى 83%.
عدا ذلك، تفيد الإحصائيات الجديدة بأنّ نصف السوريين في سنّ العمل، أي حوالي 435 ألف شخص، ينتمون إلى مجموعة ما يُسمى بالأشخاص غير النشطين. وهذا يعني أنهم على هامش سوق العمل لأسباب مختلفة، مثل أنهم لا يزالون في التدريب، أو ليس لديهم تصريح عمل، أو لا يستطيعون العمل لأسباب صحية. وفقاً لمكتب الإحصاء، ما معدله 19% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً لا يزالون في المدرسة أو يتلقون تدريباً على أعمال مهنية.
في المقابل، ورغم أن هيكل مؤهلات اللاجئين السوريين يمثل تحدياً إضافياً، بحكم أن واحداً فقط من كل خمسة سوريين لديه مؤهل مهني، قال فضل الله العميري، المتابع لملفات الاعتراف بالشهادات والمؤهلات السورية عن كثب مع الدوائر الرسمية الألمانية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن اللاجئين السوريين أثبتوا قبل غيرهم من الوافدين الذين وصلوا إلى ألمانيا أنهم أصحاب جدارة وقادرون على الانخراط في سوق العمل. وأشار إلى أنه وفقاً للأرقام، هناك 106 آلاف أكاديمي بين الوافدين.
من جهة ثانية، اعترف العميري بتفاوت الخبرة المهنية بينهم، "لكن الغالبية العظمى من الواصلين من جيل الشباب يسعون لاكتساب الخبرة، وهم خاضوا غمار التحدي بعد أن حصلوا على حق اللجوء وباتت لديهم المعرفة الكافية باللغة الألمانية، واجتهدوا لمعادلة إجازاتهم الجامعية، مستغلين النقص في اليد العاملة في العديد من القطاعات، سواء في المجال الطبي، الهندسة، الميكانيك، الكهرباء، أو كسائقي قطارات وباصات النقل المشترك، فضلاً عن مهن تتطلب مهارات يدوية مثل الإنشاءات، التركيب، التلحيم، وصيانة السفن وغيرها"، وفق قوله.
ووفقاً للأرقام الحالية الصادرة عن الجمعية الطبية الألمانية، يمثل الأطباء السوريون أكبر مجموعة من الأطباء الأجانب في ألمانيا، وعددهم 5758 طبيباً، متقدمين على مواطني دول أخرى مثل رومانيا (4312 طبيباً) واليونان (2587)، وباتوا يشكلون ما نسبته 1.3% من الأطباء في البلاد.
ولفت العميري إلى أنه "من المفيد جداً التذكير بأنّ السوريين حصلوا على حق الإقامة في البلاد لأسباب إنسانية بسبب الحرب الأهلية في بلدهم، وليس كعمال ماهرين. وبالتالي، من الطبيعي أن يكون لديهم نقص في التدريب، ولا سيما المعترف به في ألمانيا". واشتكى من "المسار البيروقراطي الطويل للاعتراف بمؤهلاتهم العلمية، مما يصعّب حصولهم على وظيفة بسرعة"، لكنه أثنى على "التوجه الجديد باعتماد التدريب أثناء العمل، واعتبره مؤشراً جيداً وصحيحاً".
وتماشياً مع ما تم ذكره، قال ديرك فيرنر، الذي يرأس مجموعة التأهيل المهني والعمال المهرة في معهد الاقتصاد الألماني الموجَّه نحو أصحاب العمل "آي دبليو"، في مقابلة مع شبكة "إن تي في" الإخبارية، إنه يتواجد حالياً في سوق العمل الألماني ما يقرب من 214 ألف موظف سوري، يضاف إليهم العديد ممن باتوا يحملون الجنسية الألمانية.
وأبرز فيرنر أنه "من بين هذه الوظائف هناك 80 ألف وظيفة من الصعب للغاية العثور على بدائل لها حالياً، ونحن نحتاج إليها بشدة، كتلك المطلوبة في مجال الخدمات الاجتماعية أو القطاع الصحي والرعاية الطبية". وكان زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرز، والمرجح ظفره بمنصب مستشار بعد الانتخابات البرلمانية العامة المبكرة المقررة نهاية فبراير/شباط 2025، قال أخيراً في مقابلة مع القناة الأولى في التلفزيون الألماني "إيه آر دي"، إنّ اللاجئين السوريين الموجودين بالفعل في البلاد ويمكنهم العمل ولا يفعلون، يجب أن يعودوا إلى سورية.
وشدد على أن "الثلث الذين حصلوا على فرصة عمل ومندمجين في بلدنا يمكنهم بالطبع البقاء هنا"، مؤيداً في الوقت عينه قرار المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء بتعليق العمل بطلبات لجوء السوريين. وحيال ذلك أيضاً، لم يكن ألكسندر دوبراندت، رئيس كتلة الحزب الاجتماعي المسيحي، الشريك الأصغر في الاتحاد المسيحي، بعيداً عن هذه التوجهات. ورأى في تصريحات، مع "راينشه بوست"، أنه "إذا لم تعد أسباب الحماية سارية وانتهى حق الإقامة في كثير من الحالات، فيجب أن تكون العودة إلى سورية ممكنة أيضاً"، معلناً أن حزبه يريد دعم المغادرة الطوعية مالياً.