غزة تواجه غليان الأسعار: انعدام القدرة الشرائية وسط ندرة السلع

23 ديسمبر 2023
 أزمة كبيرة في توافر الطعام في غزة (عبد زاقوت/الأناضول) 
+ الخط -

أصيب الفلسطيني أنس أبو ركبة في حيرة كبيرة وهو يتجول في السوق الشعبي الخاص بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، من دون أن يجد ما يُمكن شراؤه لسد رمق أسرته، في ظل نُدرة وجود السلع والمواد الغذائية من جهة، والارتفاع غير المسبوق في أسعار البضائع الشحيحة من جهة أخرى.

وتشهد الاسواق الفلسطينية في محافظات قطاع غزة من الشمال حتى الجنوب، مرورا بالمنطقة الوسطى، حالة من غليان الأسعار بسبب نُدرة البضائع، ونفاد معظم أصنافها، بسبب الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، ومنع دخول الماء، والمواد الغذائية، ومُختلف أصناف البضائع، مُنذ بداية العدوان على القطاع في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويخلق ذلك الواقع المأساوي فجوة واسعة بين الأسعار المُرتفعة وغير المسبوقة لما يتم عرضه من البضائع الشحيحة، وبين القدرة الشرائية المحدودة للفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يُعانون ظروفا اقتصادية سيئة حتى قبل بدء العدوان الإسرائيلي، وذلك بفعل تأثيرات الحصار الإسرائيلي المتواصل مُنذ سبعة عشر عامًا على القطاع، والذى ألقى بظلاله السلبية على نواحي الحياة كافة.

ويلفت أنس أبو ركبة، وهو من سُكان مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، إلى أن عائلته لم تستجب للتهديدات الإسرائيلية التي تُطالب بالإخلاء نحو المناطق الوسطى والجنوبية، إلى أن تلقى شقيقه محمد اتصالا هاتفيا من الاحتلال الإسرائيلي يُطالبه بالإخلاء على وجه السرعة تمهيدا لقصف بيته، ما أجبر الأسرة على النزوح قسرا نحو منزل لأحد الأقارب في مُخيم النصيرات.

أزمات في أسواق غزة

ويقول أبو ركبة لـ"العربي الجديد" إنه ومُنذ الأسبوع الثاني للحرب، أي قبل نحو شهرين، تعرضت أسرته لمُختلف أصناف المعاناة، إذ لم يحصل أي من أفراد الأسرة على رواتبهم، فيما لم يحصلوا على أي مُساعدة مالية، أو إغاثية، في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار السلع بشكل مُبالغ فيه، مُقارنة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة للنازحين.

ويُشير أبو رُكبة إلى أن الأسواق تحتكم عادة إلى قاعدة العرض والطلب، إلا أن المشاهِد داخل الأسواق خلال الحرب قاسية بشكل لا يُمكن وصفه، بسبب حالة التكدُس غير المسبوق لمئات آلاف النازحين داخل مُخيمات ومناطق بالكاد تتمكن من الحصول على احتياجاتها الأساسية من تلك الأسواق في الوضع الطبيعي.

وتشهد الأسواق في قطاع غزة حالة غريبة وهي تقسيم بعض السلع التي طاولها الغلاء، على سبيل المثال، يجرى تفريغ أكياس الطحين الكبيرة التي كان يُباع الكيس 25 كيلوغراماً بنحو 10 دولارات أميركية، إلى أكياس صغيرة لا تتجاوز الكيلوغرام الواحد بسعر 5 دولارات، كذلك تقسم علبة الخميرة التي كانت تُباع بدولار ونصف إلى عشرات العُلب الصغيرة، وتباع الواحدة منها بنحو نصف دولار، فيما يجرى تقسيم أكياس الملح إلى أكياس صغيرة بالكاد تكفي لطبخة واحدة، كذلك السُكر، والقهوة، والبهارات، إلى جانب تقسيم حفاضات الأطفال، وأوراق المحارم، فيما وصلت حالة الغلاء إلى المُعلبات والأجبان المطبوخة وكافة البضائع والسلع، بما فيها من أصناف رديئة.

ويرجع شُح البضائع في الأسواق الفلسطينية إلى مجموعة من الأسباب التي تبدأ بالإغلاق الإسرائيلي للمعابر، ومنع دخولها، وفي مُقدمتها المواد الغذائية، مرورا باستهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية للبيوت، والمباني، والمُنشآت المدنية، والتي تضُم المحال التجارية، ومخازن البضائع.

ويُساهم كذلك منع دخول الوقود الذي يُمكن العربات من نقل المتوفر منها في حالة الشُح العام، والحركة بين الأسواق الداخلية، وصولًا إلى المُعضلة الأساسية، التي تقضي بتقسيم قطاع غزة إلى مناطق، حيث تم فصل مُحافظتي غزة والشَمال عن المناطق الجنوبية، ومن ثُم فصل المناطق الجنوبية عن الوسطى.

اختفاء مقومات الحياة

ويقول الفلسطيني سائد عبد العال، وهو من سُكان مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، لـ "العربي الجديد"، إنه عايَش النكبة التي سمع عنها من أجداده لحظة نزوحه القسري إلى المناطق الوسطى، والتي لا تُعد مناطق آمِنة وفق ادعاء الاحتلال، فـ"من أبسط مقومات الأمان أن يجرى توفير لقمة العيش للمدنيين، بدلا من تكديسهم في أماكن لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة".

ويلفت عبد العال، وهو أحد عُمال المُياومة، إلى أنه يقع بين نارين، كُل منهما أشد لهيبا من الأُخرى، حيث فقد عمله في سوق الشاطئ الشعبي بعد نزوحه القسري حفاظا على حياته وحياة أطفاله، ما فاقم وضعه المادي سوءا، فيما فوجئ بالأسعار المُرتفعة لكل السلع، وفي مقدمتها المواد الغذائية.

ولم يتوقع عبد العال وأسرته أن يطول أمد الحرب إلى ما يزيد عن شهرين ونصف، وعن ذلك يقول: "الأسعار الخيالية، التي تسبب فيها الشُح الكبير في البضائع، يُمكنها أن تؤثر على أصحاب المُدخرات والدخل الثابت، فما بالك بعُمال المياومة، والذين يوفرون قوت أطفالهم من عرقهم وكدهم اليومي".

ويضطر النازحون الفلسطينيون إلى السير في جماعات داخل الأسواق المُزدحمة، وتحديدا في المناطق الوسطى والجنوبية، أملًا في الحصول على مُستلزماتهم الأساسية، وذلك على الرُغم من الاستهداف الإسرائيلي لتجمعات المواطنين، حتى في المناطق التي يدعي الاحتلال الإسرائيلي أنها "مناطق آمِنة".

المساهمون