سلطنة عُمان تعزز دورها في تجارة الغاز لاحتواء تداعيات حرب غزة على أسواق الطاقة

30 أكتوبر 2023
قد تؤدي حرب غزة إلى نقص في إمدادات الغاز الإقليمية (Getty)
+ الخط -

سلط إعلان الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال توقيع اتفاقيات المساهمين وتوريد الغاز مع عدد من الشركات العالمية الضوء على تداعيات الحرب في غزة وتأثيرها على تسريع تحرك حكومة السلطنة نحو تعزيز إيرادات الغاز الطبيعي المسال في ظل الغموض السائد في أسواق الطاقة، خاصة أن هذه الإيرادات تمثل 80% من موازنة السلطنة.

وفي هذا الإطار، جاءت التصريحات التي أدلى بها قال وزير الطاقة والمعادن العماني سالم بن ناصر العوفي يوم الأربعاء الماضي، عندما قال إن الاتفاقيات ستعزز أواصر التعاون في مجال الطاقة عبر تقوية الشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية بما يضمن الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء العمانية. 

وسبق ذلك بيوم قول رئيس جهاز الاستثمار العُماني عبدالسلام محمد المرشدي، إن الاتفاقيات تأتي لتطوير جهود التنويع الاقتصادي وتعزيز عائدات الشركات التابعة للجهاز، والترويج لسلطنة عُمان‬ كوجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية.

‏وفي الإطار عينه، قال رئيس مجلس إدارة الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال، محمد بن حمد الرمحي، حينها، إن الشركة تسعى من خلال هذه الاتفاقيات، إلى تجديد شراكاتها الاستراتيجية مع مختلف الشركات العالمية، بما يتواءم مع أهدافها لمرحلة ما بعد عام 2024.

ويعزز من أهمية التحرك العماني ما أورده تقرير "المركز العالمي للدراسات التنموية" بشأن اندلاع الحرب في غزة، بإشراف مدير البحوث الاقتصادية، صادق الركابي، إذ لفت إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في دولة الاحتلال الإسرائيلي تراجع 60% في الربع الأول من هذا العام 2023، مقارنة بمتوسط نفس الفترة من عامي 2020 و2022، مع اتساع الفجوة مؤخراً بسبب العدوان على غزة، كما أدت الحرب إلى توقف صادرات الغاز من حقل تمار الذي يعتبر أحد أكبر حقول الغاز الإسرائيلية، ويشكل 40% من إنتاجها السنوي.

ومع مؤشرات استمرار الحرب لأسابيع على الأقل، تزداد ترجيحات النقص المحتمل في إمدادات الغاز الإقليمية، بحسب تقرير المركز الذي تلقت "العربي الجديد" نسخة منه. 

تمديد محدود

ويشير الخبير الاقتصادي العماني خلفان الطوقي لـ"العربي الجديد" إلى أن الاتفاقيات التي وقعتها حكومة السلطنة بعضها يمثل "تمديدا" لبعض الاتفاقيات السابقة لمدد تتراوح بين 4 و5 سنوات، بهدف زيادة الاستثمارات في استكشاف الغاز، وأيضا تحديد سياسات التصدير، في إطار تنويع دائرة توزيع الغاز العماني، بحيث لا تنحصر في دولة أو قارة واحدة.

فتوزيع صادرات الغاز مسألة مهمة للاقتصاد العماني، بحسب الطوقي، موضحا أن الاتفاقيات الأخيرة مع شركات من ألمانيا وبريطانيا وبعض الدول الآسيوية تأتي في هذا السياق، شريطة أن لا تكون طويلة المدى، وفي حدود تصل إلى 5 سنوات فقط.

ويرى الطوقي أن سقف السنوات الخمس يتماشى مع تقدير أسعار السوق، خاصة في ظل التطورات الجيوسياسية المفاجئة والمؤثرة على أسواق الطاقة، وبالتالي على الاقتصاد العماني.

ومن هذا المنطلق، جاء تحرك حكومة السلطنة نحو مزيد من تشجيع الاستثمار الإضافي للمستقبل، وتعزيز الشراكات بين الموردين، وشركة عمان للغاز المسال، وشركة قلهات للغاز المسال تحديدا، حسبما يرى الطوقي، مشيرا إلى اتجاه حكومي آخر نحو نموذج أعمال جديد يقوم على تقسيم أعباء التمويل مقابل الشراكة في العوائد، بدلا من الاعتماد على الإنفاق الحكومي المباشر فقط.

ويلفت الخبير الاقتصادي العماني، في هذا الصدد، إلى أن استثمارات كهذه ذات أهمية قصوى للسلطنة في ظل التطورات الجيوسياسية الحالية، خاصة في مجال استكشافات الطاقة الجديدة، بما يخدم زيادة الوزن النسبي لدور عمان في تأمين إمدادات النفط والغاز العالمية من جانب، وتوسيع أهداف الاستثمار الخارجي وزيادة موارد الدولة وخلق وظائف جديدة وتوطين التكنولوجيا من جانب آخر.

سمعة الطاقة

ويؤكد الطوقي أن تحرك الحكومة العمانية الآن يستهدف ترسيخ سمعة اقتصادية مفادها أن السلطنة تعتبر "مصدرا موثوقا به للطاقة" رغم تداعيات التطورات الجيوسياسية، بما يضمن للسلطنة ثقة الأسواق والموردين من جانب، وطمأنة الدول المستوردة للطاقة إلى إمكانية استمرار إمداداتها من مصدر "محايد إقليميا" من جانب آخر.

ومن شأن هذا التحرك العماني أن يصب في صالح الاقتصاد العالمي بشكل عام، والمساهمة في ضمان أمن الطاقة ولعب دور رئيسي في الاستقرار الاقتصادي، إقليميا وعالميا.

ويلفت الطوقي، في هذا الصدد، إلى تحركات عمانية أخرى بالاتجاه ذاته، لكنها لا تزال في طور الإعداد، وغير معلنة، مستبعدا أن تلجأ حكومة السلطنة إلى أي إلغاء أو تغيير ببنود اتفاقيات تصدير النفط والغاز السابقة، باعتبارها اتفاقيات ملزمة من جانب، ولأن محاولة تغييرها تتناقض مع الهدف العماني المتعلق بـ"سمعة" مصدر الطاقة الموثوق، من جانب آخر.

المساهمون