الاقتصاد التركي بعيون غربية: رهان على السياسة النقدية ورفع الفائدة وتراجع التضخم

11 يوليو 2024
أمام شركة صرافة في إسطنبول، 21 مارس 2024 (ياسين أكغول/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تحول السياسة النقدية في تركيا وتأثيرها على الاقتصاد**: تركيا رفعت سعر الفائدة على الليرة من 8.5% إلى 50% وعلى القروض التجارية إلى 70% لحماية الليرة وجذب رأس المال الأجنبي وخفض التضخم، مما جذب مليارات الدولارات.

- **تجارة المناقلة وتأثيرها على الليرة التركية**: الفائدة المرتفعة جعلت الليرة خيارًا مفضلًا للمستثمرين، مما أدى إلى نشاط كبير في السوق التركية، رغم التحديات مثل التضخم وعدم استقرار سعر الصرف.

- **التحديات المستقبلية والتوقعات الاقتصادية**: رغم جذب الاستثمارات، لم تحقق السياسة استقرارًا كاملاً؛ التضخم مرتفع والليرة تحت ضغوط. التحسن يتطلب استثمارات طويلة الأجل وزيادة الإنتاج المحلي، مع إشارات إيجابية مثل ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي.

يتوقع محللون غربيون وأتراك أن تؤتي سياسة الفائدة المرتفعة ثمارها في الاقتصاد التركي خلال السنوات المقبلة، وهي السياسة التي عادت إليها الدولة بعد عدول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن سياسة خفض الفائدة التي أدت إلى اضطرابات واسعة كانت نتيجتها خسارة الليرة التركية لنحو 80% من قيمتها، وهروب الاستثمارات من تركيا، وراح ضحيتها ثلاثة من محافظي البنوك المركزية. ولكن نجحت هذه السياسة النقدية التقليدية القائمة على "تسعير النقود" في خفض التضخم واستقرار الاقتصاد وفق رؤية مسؤولين أتراك.

حتى الآن رفعت السياسة النقدية سعر الفائدة على الليرة من 8.5% إلى 50%، والفائدة على القروض التجارية إلى 70%. وكان الهدف التركي من العودة لتطبيق تلك السياسة حماية الليرة من الانهيار عبر جذب رأس المال الأجنبي للبلاد وخفض التضخم. وتعويض المدخرين عن التضخم الجامح.

ويرى خبراء غربيون أن السياسة التقليدية باستخدام أدوات النقد المستخدمة في الاقتصاد التركي والتي هدفت إلى استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، قد نجحت حتى الآن في جذب أموال تقدر بمليارات الدولارات إلى تركيا، ولكن هنالك تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الأموال أفادت الاقتصاد التركي أم لا.

في هذا الصدد، يقول يفيد مصرف "بنك أوف أميركا" بأنه منذ تطبيق هذه السياسة أصبحت الليرة التركية الاختيار الأفضل للمستثمرين بين العملات في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا، وفقًا لما ذكره استراتيجيو المصرف الأميركي الذين يتوقعون أن تصل عوائد المضاربة بالليرة إلى ما يقرب من 10%. وكان المستثمرون حققوا عوائد بلغت نحو 12% خلال الشهور الستة الماضية وفق تقرير بوكالة بلومبيرغ في 15 مايو/ أيار الماضي.

وتحققت هذه الأرباح عبر الاقتراض بالدولار والاستثمار في الليرة التركية والاستفادة من الفارق في سعر الفائدة. وهو ما يعرف بتجارة المناقلة أو المراجحة، المبنية على الاقتراض من عملات الفائدة المنخفضة والاستثمار في عملات الفائدة المرتفعة. وكانت السوق التركية الأنشط بين الأسواق الناشئة على مدار الأشهر الستة الماضية، بسبب الفائدة المرتفعة مقارنة بالفوائد في أميركا وأوروبا واليابان.

ويقول تقرير "بنك أوف أميركا"، اكتسب الاقتراض بالدولار والاستثمار في الليرة شعبية هذا العام، حيث يثق المستثمرون في جهود تركيا لخفض التضخم واعتماد سياسات اقتصادية أكثر تقليدية. وأوصى الاستراتيجيون في البنك، بشراء الليرة في الصفقات الآجلة، مستشهدين بارتفاع عائدات السياحة الصيفية المتوقع أن تعزز الموارد المالية للبلاد. ولكن على الرغم من أن هذه السياسة النقدية التي قادها وزير المالية محمد شيمشك قد جذبت الاستثمارات الأجنبية للسوق التركي، إلا أنها وضعت تركيا مع الدول التي لديها أسعار فائدة مرتفعة، ولم تحقق بعد الاستقرار في الاقتصاد التركي. حيث لا يزال معدل التضخم مرتفعاً، وأن الليرة التركية يتم التعامل فيها فوق 30 ليرة مقابل الدولار. ووفق وكالة الأناضول، تم التعامل في الليرة أمس الأربعاء عند 32.944 مقابل الدولار و35.69 مقابل اليورو.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

لكن ما هو المسار المتوقع لليرة خلال الشهور المقبلة؟ يبدو من الطبيعي أن تحبذ البنوك التجارية الغربية، خاصة الأميركية واليابانية والأوروبية سياسة الفائدة المرتفعة على الليرة التركية، لأنها ببساطة تكسب منها عبر الاقتراض من الفائدة المنخفضة في دولها وشراء الليرة والتكسب من الفرق في الفائدة، ولكن هل استفاد الاقتصاد التركي من التدفق قصير الأجل لهذه الأموال.

ويرى استراتيجيون في بنك أوف أميركا أن الليرة التركية ستستفيد خلال الربع الجاري من تدفقات السياحة التي تساهم في دعم الحساب الجاري. ويقولون: "نحن نتعامل مع شراء الليرة بسبب ارتفاع معدلات الحيازة، والموسمية الإيجابية للحساب الجاري، والظروف النقدية المتشددة". ولكن ما يحتاجه الاقتصاد التركي هو استثمارات طويلة الأجل في فترة التوسع الاقتصادي، مثلما حدث في دول اقتصادات جنوب شرقي آسيا، حينما مولت الثورة الصناعية في الثمانينات. ويرى خبراء اقتصاد أن السياسة النقدية غير التقليدية التي تنتهجها تركيا حاليا كانت بحاجة إلى رأسمال حتى تنجح، ولم يكن لدى تركيا الأموال الكافية.

وحتى الآن لم تتمكن السياسة التقليدية من دعم سعر صرف الليرة أو حتى إحداث تراجع كبير في معدل التضخم. وكان أوزغي زينيوغلو، كبير محاضري السياسة في جامعة ليفربول قد انتقد التحول في السياسة النقدية في تركيا بقوله إن التحول الواضح إلى السياسات الاقتصادية التقليدية سيضر بقطاع كبير من المجتمع.

وحذر استراتيجيون في بنك أوف أميركا من مخاطر الازدحام في سوق الليرة، مما قد يكون عرضة لصدمات غير متوقعة. وأشاروا إلى أن بعض المستثمرين قد يجدون سندات الحكومة التركية أكثر جاذبية.
وفي الوقت نفسه، وصف الاستراتيجيون في شركة "سيتي غروب" المتخصصة في الأصول التركية أن الاقتصاد التركي على وشك النهضة الاقتصادية مجددا. وأشار المحللون، ومن بينهم لويس كوستا، إلى أن أداء الليرة والسندات سيعتمد إلى حد كبير على قدرة البنك المركزي على إعادة تثبيت توقعات التضخم.

وترى بلومبيرغ في تقرير في الثاني من يونيو/ حزيران، أن البنك المركزي التركي سيحتفظ بسياسة الفائدة الحالية عند 50% خلال الربع الثالث الجاري، مع استخدام الأدوات الأخرى لمواجهة أية مخاطر جديدة تنشأ بشأن التضخم. وتراجع التضخم السنوي في تركيا أكثر من المتوقع في يونيو/حزيران من مستواه بسبب انخفاض أسعار المواد الغذائية وبعض السلع الأخرى.

وفي مذكرة حديثة، سلطت تاثا غوس، خبيرة الأسواق الناشئة في مصرف كومرتس بنك الألماني، الضوء على استقرار الليرة التركية بعد قرار البنك المركزي التركي برفع أسعار الفائدة إلى 50%. وأشارت غوس إلى أن التضخم تراجع في يونيو/حزيران، وأن احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي التركي أظهرت علامات الانتعاش.

ويعتقد محللون بأن خفض معدل التضخم في تركيا ربما سيتم في المستقبل عبر زيادة الإنتاج المحلي من السلع الغذائية وزيادة التصنيع للسلع الاستهلاكية التي يحتاجها السوق المحلي وليس عبر سياسة الفائدة. كما أن التحسن في سعر صرف الليرة لن يحدث عبر تدفق الأموال الساخنة التي تأتي للسوق التركي لتحقيق عوائد ثم تخرج من البلاد.

وقبل التصويت في انتخابات البلدية الأخيرة، بلغت الاحتياطيات النقدية الأجنبية لدى البنك المركزي أدنى مستوى تاريخي لها عند 65.5 مليار دولار في 29 مارس الماضي. وبعد الانتهاء من الانتخابات، بدأ البنك المركزي التركي في بناء احتياطي سريع. وبالتدريج، لوحظ انتعاش في صافي الاحتياطيات باستثناء المقايضات، حتى خرجت من السالب إلى نطاق الإيجاب، كما تحدث شيمشك وخبراء اقتصاديون.

كما أعلن الرئيس أردوغان، أن احتياطات البنك المركزي من النقد الأجنبي زادت في العام الأخير نحو 44 مليار دولار، ليتجاوز الإجمالي حاجز 142 مليار دولار، وارتفع إجمالي الاحتياطيات إلى مستوى قياسي جديد بلغ 147.6 مليار دولار اعتبارًا من 21 يونيو/حزيران، قبل أن ينخفض بشكل طفيف في نهاية شهر يونيو/ حزيران.

ولاحظ مصرف "كوميرتس بنك" الألماني أنه على الرغم من تباطؤ التضخم في يونيو/ حزيران إلا أنه لم ينخفض عند المستوى الأساسي. وبالتالي فقد يواجه صناع السياسات أزمة ثقة جديدة. ويتوقع البنك أن تنهي العملة التركية هذا العام عند 35 ليرة مقابل الدولار. وارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 71.6% في يونيو/ حزيران مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، وهو معدل أبطأ من المتوقع وانخفاضاً من أعلى مستوى في عامين تقريباً البالغ 75.5% في مايو/أيار، وفقاً للبيانات الرسمية.

ويُعد الخبراء الغربيون انخفاض التضخم إحدى أقوى العلامات حتى الآن على أن تحول تركيا بعيداً عن السياسة النقدية غير التقليدية في أعقاب إعادة انتخاب أردوغان في مايو/أيار من العام الماضي بدأ يؤتي ثماره، ولكن هذا الانخفاض ضئيل جداً ولا توجد دلائل على أنه حدث بسبب السياسة النقدية التقليدية.

وقال وزير المالية محمد شيمشك بعد تقرير التضخم في الثالث من يوليو/ تموز: "لقد بدأت عملية خفض التضخم. سنضمن زيادة دائمة في الرفاهية من خلال تنفيذ برنامجنا بإصرار حتى نصل إلى استقرار الأسعار". كما انخفض معدل التضخم الشهري بشكل حاد إلى 1.6% في يونيو/ حزيران من 3.4% في مايو/أيار، وفقًا للبيانات الصادرة عن معهد الإحصاء التركي. حيث انخفضت تكاليف الملابس والأحذية والنقل في يونيو/ حزيران مقارنة بمايو/أيار، على الرغم من استمرار أسعار المساكن في الارتفاع بشكل حاد.

ووجدت غرفة تجارة إسطنبول (ITO)، أن الأسعار ارتفعت بمعدل سنوي يبلغ حوالي 82% في إسطنبول في يونيو/حزيران. وأشار سيلفا ديميرالب، الخبير الاقتصادي في جامعة كوتش في إسطنبول والذي يتابع بيانات التضخم عن كثب، إلى أنه عند مقارنتها بأرقام منظمة التجارة العالمية، كانت الأرقام الوطنية "منخفضة بشكل مدهش". ووفق "فايننشال تايمز"، قال هاكان كارا، كبير الاقتصاديين السابق في البنك المركزي التركي، إن هناك أيضًا خطر حدوث انتكاسة جديدة في يوليو/تموز، حين من المرجح أن ترفع السلطات الأسعار الخاضعة لسيطرتها، مثل رسوم الكهرباء.

المساهمون