محمد قدح: الاضطرابات والبنى اللوجستية تعرقلان تجارة دول "الكوميسا"

11 يوليو 2024
محمد قدح (العربي الجديد)
+ الخط -

قال الأمين العام المساعد لمنظمة الكوميسا محمد قدح، في مقابلة مع "العربي الجديد"، إن المنظمة تسعى إلى مساعدة الدول الأعضاء على خلق بيئة أعمال تنافسية، وتعزيز مشاركتها في سلاسل القيمة العالمية، رغم التوترات الجيوسياسية التي تعصف بالعديد من الدول الأفريقية.

وأكد أن المنظمة تحث الدول الأعضاء على تسهيل حركة الأشخاص والسلع فيما بينها وتجاوز الأزمات التي يمكن أن تترتّب على أزمة التدفقات الهجرية. والكوميسا سوق مشتركة لشرق وجنوب أفريقيا تم تأسيسها عام 1994.

وفيما يلي نص الحوار:

 

 

- أي حظوظ للكوميسا "سوق مشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا" في تحقيق أهداف الازدهار الاقتصادي والتكامل الإقليمي بين الدول الأعضاء، في ظل ما تعانيه بعض الدول في التكتل التجاري من صراعات مسلحة وعدم استقرار سياسي؟


فعلاً تشهد المنطقة تحولات جيوسياسية كبيرة، وهذه التحولات كانت لها تأثيرات سلبية في معظمها على الدول الأعضاء في "الكوميسا"، والبالغ عددها 21 دولة، فضلا عن معاناة هذه الدول من تداعيات الأزمات الدولية ومخلفات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، ما تسبب في ارتفاع معدلات ديون الدول الأعضاء وارتفاع نسب التضخم والبطالة، هذا إلى جانب تواصل النزاعات والحروب في أكثر من دولة وعدم الاستقرار السياسي في دول أخرى.

وهذه العوامل كانت لها تأثيرات كبيرة على "الكوميسا"؛ حيث لم تتمكن الدول الأعضاء من زيادة مساهمتها في المنظمة، لكن مع ذلك نسعى إلى تجاوز مختلف هذه العقبات، عبر تنويع برامج العمل مع شركاء التنمية وهم: البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وأيضا بنك التنمية الافريقي، من أجل توفير تمويلات لمشاريع في الدول الأعضاء، بما يساعد على تحقيق الازدهار الاقتصادي في دول السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا.


- ما الذي يعرقل، حسب تقديركم، توسع سوق التجارة الحرة في دول التكتل؟


هناك إشكال أساسي تعاني منه كل الدول الأفريقية وليس دول الكوميسا فحسب، وهو تشابه الهياكل والأنظمة التجارية، وهي أنظمة تعتمد على تسويق المنتج الخام، بينما تحتاج الدول الأعضاء إلى منتجات مصنعة في مجالات متنوعة.
فمعظم الدول الأفريقية تعتمد في مبادلاتها التجارية على المواد الخام، على عكس تونس التي لديها نسيج صناعي متقدم في قطاعات السيارات والأدوية والنسيج، ما يجعل فرص التبادل التجاري في ما بينها متواضع جدا. هذا إلى جانب إشكاليات لوجستية تتعلق بالنقل وعدم توفر الخدمات البنكية. فاستقرار ونمو العلاقات التجارية يتطلب تواجد لبنوك الدول الأعضاء ومنها تونس في الخارج.



- ما هي الحلول التي تقدمها المنظمة لتجاوز ضعف التبادل التجاري بين الدول الأعضاء؟


هناك بعض التحديات التي تتعامل معها الكوميسا، لكن هناك تحديات أكبر من المنظمة وتتجاوز نطاقها، على غرار تحدي النقل الذي يتطلب استثمارات ضخمة لإنجاز مشاريع للربط الحديدي أو الجوي والبحري بين الدول الأعضاء، وتنفيذها ليس من اختصاص منظمة إقليمية.
لكن مع ذلك، تقوم المنظمة بدعم البرامج لتطوير مشاريع النقل التي تعلن عنها الدول أو تبدي رغبة في الاستفادة منها، كما للمنظمة برامج لدعم البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي أصبحت عاملا مهما في تطوير اقتصاديات الدول.
وعلى الرغم من انخفاض عدد المشاريع الأفريقية بنسبة 30% منذ عام 2019، إلا أن الاستثمار الرأسمالي في أفريقيا كان أعلى من 2.5 مرة في عام 2022 مقارنة بعام 2019. كما ارتفعت مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر المعلنة في أفريقيا من 517 مشروعا في عام 2021 إلى 734 مشروعا في عام 2022، وقفز حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في منطقة كوميسا بنحو 52% في عام 2022 إلى 23 مليار دولار مقارنة بـ2020 وبنسبة 43% مقارنة بـ2021.


- هناك اهتمام دولي كبير في السنوات الأخيرة بمصادر الطاقة الأفريقية، لا سيما منها الطاقات النظيفة، فكيف يمكن للكوميسا مساعدة الدول الأعضاء على الاستفادة من ارتفاع الطلب العالمي على الطاقات المتجددة؟


لدى الدول الأعضاء موارد طبيعية استراتيجية مهمة جدا ومطلوبة في السوق الدولية؛ سواء في قطاع التكنولوجيا الحديثة أو التحول الأخضر. والكوميسا تسعى إلى تنسيق المواقف بين الدول الأعضاء، بما يمكنها من الاستفادة القصوى من المواد المتاحة لها عبر تصديرها في شكل مواد مصنعة ذات قيمة مضافة عالية، وليس في شكل مواد خام.
منطقة الكوميسا غنية بالمعادن ويجب أن تكون مشاركتها في سلاسل توريد الكهرباء مؤثرة بشكل أكبر، في ظل الإمكانات التصديرية التي تمتلكها في هذا القطاع، والتي من المتوقع أن تصل إلى 9 مليارات يورو بحلول عام 2026، مع عائدات إلى القارة الأفريقية تقارب 10%، ويتزامن ذلك مع توقعات بزيادة حادة في الطلب العالمي على بطاريات الليثيوم في السنوات المقبلة، في ظل الاتجاه للاعتماد بشكل أكبر على وسائل النقل الكهربائية.


- كيف تتعامل الكوميسا مع السياسات الحمائية الجمركية التي تفرضها الدول الأعضاء؟ وما مدى تأثريها على المبادلات التجارية في هذا الفضاء الاقتصادي؟


لدي الكوميسا منطقة تجارة حرة يفترض أن تمنح حرية نفاذ كاملة لمنتجات 16 دولة، ويمكن للمنظمة التدخل لإزالة العوائق التي تفرضها بعض الدول الأعضاء، لكن الأمر ليس سهلا، لأن أغلب الإجراءات الحماية التي يتم وضعها مرتبطة بالقرارات السياسية للدول، وهو ما يتطلب سنوات أحيانا لحل هذه الإشكالات.

ورغم ذلك لا تبقى المنظمة بمعزل عن ذلك، وتقوم بدورها في التفعيل الشامل لمنطقة التجارة الحرة لضمان سلاسة انسياب السلع بين الدول.
وعلى سبيل المثال للمنظمة آلية لمتابعة القيود غير التعريفية، وهي قيود مرتبطة عادة بالقرارات الإدارية والسياسية، حيث يتم الإبلاغ عن القيد، ثم تتدخل الكوميسا بشكل مباشر لرفع هذا القيد.



- تعيش الدول الأفريقية، بما في ذلك الدول الأعضاء، على وقع تدفقات هجرية، وهذا الملف أثّر على العلاقات بين هذه الدول وكانت له ارتدادات اقتصادية، فما هي حدود تدخّل الكوميسا لتجاوز الإشكاليات المترتبة على أزمة المهاجرين؟

 

قضية الهجرة أصبحت عالمية، ولكن لها أبعاد اقتصادية وأمنية وسياسية كبيرة على الدول، والكوميسا لديها برنامج دعم للسلطات المسؤولة عن الهجرة في الدول الأعضاء، كما تُجري المنظمة اجتماعات دورية للوزراء المكلفين بالعمل والهجرة، كما لديها برامج دعم بالتعاون مع الشركاء المانحين، ولاسيما الشركاء الأوروبيين المعنيين أكثر من غيرهم بالتدفقات الهجرية من دول أفريقيا.
كذلك تحث المنظمة الدول على تسهيل حركة المواطنين داخل الأطر القائمة منذ سنوات، غير أن أحيانا يكون من الصعب تجاوز الحواجز التي تضعها الدول أمام حركة الأشخاص لأسباب أمنية وسياسية.
لكن هناك حد أدنى يمكن التوافق عليه بين الدول الأعضاء لتسهيل حركة الأشخاص وبالتالي حركة التجارة، هناك تقدم في حرية النفاذ الشاملة للأفراد والسلع بين العديد من الدول التي قامت بتسهيل الحصول على التأشيرات في فترات مختصرة.
كما أن هناك اتفاقا بين الدول الأعضاء على مراجعة شاملة لنظام حركة الأشخاص داخل منطقة الكوميسا، الذي لم يعد يلبي التطلعات، وأغلب الدول الأعضاء أبدت تجاوبا مع مقترح مراجعة نظام التأشيرات.

المساهمون